27 ديسمبر، 2024 12:13 ص

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج16

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج16

وكانت وزيرة الخارجية الاسرائيلية كولدا مائير قد نزلت في مدينة زيورخ السويسرية واستقرت في المنزل رقم – 36 في أحد الشوارع الضيقة في حي راقٍ بني من الفلل الفاخرة المحاطة بالحدائق الجميلة. وعندما صعد بن ديفيد ومرافقه الامير كاميران بدرخان السلم، وجدوا الوزيرة بانتظارهما بود غير مألوف، وبحرارة بالغة، وبدا من اللحظة الاولى أنه حدث تقارب بين الاثنين. وقالت كولدا: لقد سمعت عنك كثيراً يا صاحب الجلالة. وأنا على اطلاع على كل ما يمكن معرفته حول المشكلة الكردية. وأوكد لك انني تابعت التمرد الكردي عن كثب، وتابعت ما فعلت أنت.
طلبت مائير من بدرخان، أن يقول كل ما يريد، بيد أنها ذكرته أولاً بأننا شعب صغير، يواجه العديد من المشاكل، وأن هناك حدوداً للمساعدات التي نستطيع تقديمها.
عمد بدرخان الى عرض نظريته أمام كولدا مائير، أن الشرق الاوسط الجديد الذي يصبو إليه، والذي تحيا فيه جميع الاقليات العرقية والدينية بسلام واحترام، دون أن تتدخل أي دولة في شؤون الدولة الاخرى. وتحدث عن الثراء الطبيعي للمنطقة، وعن امكانية الجمع بين العلم اليهودي، والمهارة اليدوية لسكان المنطقة. وفي نهاية شرحه، نقل إليها تحيات وشكر الملا مصطفى البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، جراء العلاقة القائمة بين الشعبين.
ويقول بن ديفيد بدا وجه كولدا مائير جامداً ولم تتطرق الى العلاقة مع البارزاني، بيد أنها قالت: هناك من يهتم بشأن العلاقة وأنا واثقة أن الصداقة ستستمر. ووعدت بدراسة الافكار التي طرحها الامير بشأن تقديم المساعدة على الصعيد الاعلامي بصورة ايجابية وكذلك على الصعيد الثقافي، والعمل على دفع هذين الجانبين الى الامام بأقصى ما تستطيع.
وعندما غادر الاثنان المنزل، قال بدرخان لبن ديفيد: لقد شعرت وكأنني في بيتي، وأن بمقدوري أن أطرح أمامها كل ما أريد، لقد شعرت بالتفاهم الذي يمكن أن يستشري بين أبناء الشعوب التي تعرف معنى الاضطهاد.
ويقول بن ديفيد… ان بدرخان لم يحصل فيما بعد أيضاً على أية معلومات حول المساعدات الاسرائيلية للاكراد، بيد أنه واصل تقديم تقارير حول ما هو معروف له من مصادره فيما يتعلق بما يدور في كردستان العراقية.
يبدو أن لاسرائيل عدة مصادر تحصل بموجبه على المعلومات حول تطورات الوضع في كردستان العراق، والخلاف بين قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بقيادة الملا مصطفى البارزاني مع الحكومة العراقية
وجاء في تقرير وصل الى الخارجية الاسرائيلية من بدرخان: أن عبدالكريم قاسم دفع أموالاً لثلاث من القبائل المعادية للبرزاني كي تهاجم القرى التي يقيم فيها مؤيدوه، وبالتالي يقوضوا زعامته.
وهذه القبائل كما أسلفنا القول هم: البرادوستيون بقيادة الشيخ رشيد لولان، والزيباريون بقيادة الاخوين محمود آغا وأحمد آغا الزيباريان، والريكانيون بقيادة كلحي آغا الريكاني، وهذه العشائر تحيط بإتحاد القبائل البارزانية من جهة الشرق والغرب والجنوب، ولكن البارزانيون هاجموا هذه القبائل، وأرغموها على التقهقر، ففي البداية هاجمت قبيلة البرادوستتين الصوفية مركز ناحية سيده كان واعتقلوا جميع أفراد المقاومة الشعبية المتواجدين في منطقتهم بعملية سريعة جداً وكمنوا في طريق سه رى به ردى لمنع وصول النجدات للقوة المحاصرة، فطلب الزعيم عبدالكريم قاسم من الملا مصطفى البارزاني أن يعالج الموقف بسرعة، فتحرك البارزاني بسرعة الى رواندوز وجمع الف مسلح بارزاني خلال يومين وحوالي نفس العدد من مسلحي الحزب الديمقراطي الكردستاني(= البارتي) من مناطق أخرى من كردستان، وخلال يومين سيطر على الموقف وهرب الشيخ رشيد لولان وأتباعه الى إيران واستقبلتهم الحكومة الايرانية بحرارة في مدينة أشنوية ووفرت لهم كل أسباب العيش وزودتهم بمزيد من السلاح. “أما المقاومة الشعبية فقد راحت ترفع برقيات التهاني بهذا النصر الذي حققوه! كما ورد في برقياتهم الى عبدالكريم قاسم، ولعب قائد الفرقة الثاني (العميد الركن داود الجنابي) دوراً مغرضاً في إخفاء دور البارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي لولاه لما تحقق ذلك الانتصار، وإبراز دور المقاومة الشعبية الذي لم يكن لها دور على الاطلاق” . ينظر: البارزاني والحركة التحررية الكردية، ج2، ص90.
فيما هاجم البارزانيون بدعم من قبائل كردية عديدة منضوية تحت رايتهم عشيرة الريكانيين التي تقع ديارها الى الشرق من مناطق اتحاد القبائل البارزانية، ويفصل بين الجانبين نهر روي شين(= نهر أورمار) في شهر حزيران و تموزعام1961م، وقتلوا حوالي أربعين رجلاً منهم، وأرغموا غالبية أفراد العشيرة على النزوح الى تركيا بحلول يوم16/7/1961م، لأن ديار القبيلة كانت ملاصقة للحدود التركية، بعدها دخل الريكانيون الى العراق عن طريق معبر ابراهيم الخليل الحدودي في زاخو واستقروا في مدينة الموصل. أما بخصوص الزيباريين فهم الذين بدأوا بالهجوم في ربيع عام1960م على قرى منطقة نزار التابعة لقبائل الاتحاد البارزاني، ولكن القبائل البارزانية المدعومة من القبائل الكردية المناصرة لهم هاجمتهم وأرغمتهم على التقهقر هي الأخرى، وقتل من جراء ذلك أحد كبار رجال العشيرة يدعى (فارس محمد فارس آغا) في المنطقة المقابلة لسهل دشتازى يمين نهر الزاب الكبير، ويذكر السيد مسعود البارزاني في هذا الصدد:” وفي ربيع 1960م قام الزيباريون باعتداء على قرى منطقة نزار التابعة لمنطقة بارزان ولدى الرد عليهم من جانب البارزانيين رفعت التقارير الى بغداد على كون البارزانيين هم البادين بالاعتداء، واستمرت إستفزازات كثيرة من هذا النمط دون أن تتدخل الحكومة تدخلاً جاداً لوضع حدٍ لها…”. ينظر البارزاني والحركة التحررية الكردية، ج2، ص98.
بينما كان للسيد جلال الطالباني رأي آخرحول فتور العلاقة بين قاسم والبارزاني جاء فيه :” العلاقة بين قاسم والبارتي تأزمت تدريجيا حتى وصل الأمر في عام 1961 الى أن يتحرك عدد من عشائر كردستان بدفع من الملا مصطفى في دربنديخان. وفي الجانب الآخر وقعت معارك بين الزيباريين والبارزانيين، وهكذا تفجر الصراع بين البارزاني والزيباريين في جميع أنحاء كردستان، وتدخلت الحكومة وحققت في الأمر وإعتبرت الطرفين مذنبين، وهذا أدى الى قطع العلاقة تماما بين البارزاني والحكومة. ينظر: مذكرات جلال الطالباني، جريدة الصباح الجديد، شهر تشرين الثاني/نوفمبرعام2018م، الحلقة 15، إعداد: صلاح رشيد، ترجمة: شيرزاد شيخاني.
ومن جانب آخر يذكر السيد جلال الطالباني في مذكراته:” حين ساد البرود بعلاقة الملا مصطفى وقاسم، ظهر هناك رأيان مختلفان داخل الحزب، وأعتقد بأنه حان الوقت لكشف ذلك لكي يعرف الجيل الحالي حقائق تلك الفترة، فالرأي الأول مثله عوني يوسف أحد قياديي الحزب الذي رشحه البارزاني للقيادة ثم عين لاحقا وزيرا بالحكومة العراقية ويقول: “ أن بارزاني يقترف خطأ كبيرا بتصرفاته الغريبة، فهو أولا يجمع حوله العشائر ويسعى لإحياء الإقطاعية ويساند الآغوات ويعارض توجهات وسياسات الحزب، وينتقص من قدر وقيمة كل هذا النضال الدؤوب الذي خاضه الحزب خلال السنوات الأخيرة. ثانيا هو يعادي مبادئنا الحزبية ويعمل ضد الجمهورية، وأخيرا يقف ضد التقدمية، ثم أن الملا مصطفى يحصر خلافه مع قاسم فقط بإطار مسألة بارزان وعداء الزيباريين والسورجيين، وهذا يسلبنا حقنا كحزب أو ككرد قوميين، ولذلك يجب أن نضع حدا له ونفهمه بأن هذه التصرفات والأعمال لم تعد مقبولة”. ينظر: مذكرات جلال الطالباني، جريدة الصباح الجديد، شهر تشرين الثاني/نوفمبرعام2018م، الحلقة الحلقة 15، ، إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني.
أما الرأي الثاني فقد مثله الأستاذ ابراهيم أحمد ويقول:” أن قاسم يريد بث التفرقة بصفوف الحزب، وقد نجح سابقا في تفتيت الحزب الوطني الديمقراطي من خلال إنشقاق محمد حديد عن كامل الجادرجي وهو يريد أن يفعل بنا ما فعله معهم ويفصل عنا الملا مصطفى، وهذه سياسة فرق تسد، لذا يجب أن لاتنطلي علينا لعبته أو أن نستسلم لإرادته.وكنت أنا وأعضاء آخرون في المكتب السياسي متحمسين لهذا الرأي ونؤيد الأستاذ في هذا الطرح للبقاء خلف الملا مصطفى وعدم تركه وحيدا في تلك المواجهة”. ينظر: مذكرات جلال الطالباني، جريدة الصباح الجديد، شهر تشرين الثاني/نوفمبرعام2018م، الحلقة 15، إعداد: صلاح رشيد، ترجمة: شيرزاد شيخاني.
ثم قام عبد الكريم قاسم بتوجيه ضربته الثانية الى الحزب الديمقراطي الكردستاني، بتقديم لائحة اتهام ضد سكرتير الحزب ابراهيم أحمد بتهمة الحض على الكراهية. والكراهية المعنية تمثلت في نشره الخطاب الذي ألقاه الدكتور عصمت شريف وانلي نيابةً عن جمعية الطلبة الاكراد في أوروبا، أمام مؤتمر الاتحاد العالمي للطلاب الذي عقد في العاصمة العراقية بغداد في شهر تشرين الاول/ اكتوبرعام1960م، وهاجم فيها المادة الثانية من الدستور المؤقت العراقي القائلة: ” بأن العراق كدولة هو دولة عربية وجزء من الامة العربية”، وأنها تخالف مادة أخرى من الدستور التي تشير بأن العرب والكرد شركاء في هذا الوطن، وكان ملخص أطروحته بأن العراق العربي جزء من الامة العربية، في حين أن كردستان العراق جزء من الامة الكردية.ينظر: من مذكرات عصمت شريف وانلي،مؤسسة زين، السليمانية، ص30-31.
وذكر التقرير الاسرائيلي بأن ابراهيم احمد متهم بقتل خصوم سياسيين أكراد، مما حدى به الى الاختفاء واللجوء الى العمل السري، وقد تبعه العديد من الزعماء الآخرين الذين نجحوا في الافلات من الاعتقال. ويبدو أن الاتهام جاء بسبب اغتيال زعيم عشيرة خوشناو (صديق ميران) عام1960م في مدينة شقلاوة الواقعة شمال مدينة أربيل، وتجدر الاشارة الى أن السيد الطالباني يشير في مذكراته الى هذا الحدث بالقول:”… لحد تلك اللحظة لم يكن الحزب ممنوعا من العمل، لكن صدرت مذكرة إلقاء القبض على الأستاذ ابراهيم أحمد على خلفية مقتل صديق ميران، وكان ذلك بتشجيع من الملا مصطفى الذي أمر كلا من محمود كاواني ومام طه والملا ماتور وشمس الدين المفتي ليرتبوا ذلك من دون علم الحزب. ولما علمنا بالأمر إختفينا أنا والأستاذ إبراهيم، وأعتقل عمر دبابة وصالح اليوسفي.ينظر: المرجع السابق.
وفي التقرير الاستخباري الذي وصل الى وزارة الخارجية الاسرائيلية في 19/6/1961م جاء فيه:” إن قاسم ووزراءه يسيطرون على العراق بقبضة من حديد، وهم يعملون ليلاً خشية الاغتيال، كما أن قاسم يتحصن في مكتبه الوزاري(= مقره في وزارة الدفاع العراقية)، وقد أمر بتدمير جميع المنازل المحيطة به. ينظر: شلومو نكديمون، الموساد في العراق، المرجع السابق، ص68.
ويعتقد الباحث أن الكثير من المعلومات الذي ورد في هذا التقريرعارٍ عن الصحة، فالزعيم عبدالكريم قاسم كان شجاعاً وكان يتجول في شوارع بغداد بسيارته الوحيدة دون حماية تذكر، ولذلك عندما تعرض لعملية الاغتيال التي دبرها حزب البعث العربي الاشتراكي ضده في منطقة رأس القرية في بغداد في 7/10/1959م وشارك فيها صدام حسين شخصياً كان الزعيم جالساً في السيارة بمفرده مع سائقه الخاص.