23 ديسمبر، 2024 12:52 ص

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج38

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج38

وفي السياق نفسه حول الصراع بين البارتي والشيوعي العراقي، يذكر السيد بهاء الدين نوري سكرتير اللجنة المركزية الأسبق للحزب الشيوعي العراقي (1950 – 1935م) في مذكراته:” بعد توقيع ح ش ع على ميثاق التحالف مع حزب البعث الحاكم أخذ التوتر يزداد في علاقاتنا مع الملا مصطفى البارزاني والحركة الكردية المسلحة. وكما هي العادة الجارية في هذه المجتمعات الشرقية المتخلفة فان البارزاني لم يكن من النوع الذي يقبل بسهولة عدم اذعان الشيوعيين له من حيث الموقف من سلطة البعث الحاكم . كان من المالوف أن يمارس الضغط علينا وان يحول هذا الضغط الى حملة من الاجراءات العملية ضد ح ش ع . ولأن كلا الطرفين كانا يملكان صحفا علنية يومية فان الخلافات المشوبة بالتوتر سرعان ما تحولت الى حرب صحفية مكشوفة وحادة يجري فيها تبادل الاتهامات . وكانت القيادة التكريتية(= قيادة البكر وصدام حسين) تتفرج بسرور على ما يجري، انطلاقا من فكرة أن اضعاف أي من هذين الطرفين يعود بالفائدة عليها هي . واستغلت جريدتنا (= طريق الشعب) الجريمة النكراء التي ارتكبها الطرف الاخر بقتل اثني عشر شيوعيا كانوا قد عادوا من موسكو ـ بعد انتهاء دورة دراسية حزبية ـ الى سوريا فالى العراق بصورة سرية. وقيل أن عيسى سوار، الذي كان آمر هيز لدى البارزاني، كان قد اعتقلهم، بعد عبورهم الحدود الى المنطقة الكردية، وقتلهم دون تحقيق أو محاكمة ولمجرد كونهم شيوعيين. وكان بينهم نجم الدين عثمان، الذي ربطت بينه وبيني علاقة حزبية سابقة وصداقة شخصية .ينظر: مذكرات بهاء الدين نوري، لندن، دار الحكمة، 2001م -1422هـ، ص428.
وبشأن التوتر الذي وصل مداه بين الحزبين: الديمقراطي الكردستاني والشيوعي العراقي، يستطرد السيد بهاء الدين نوري بالقول:” استمر التوتر يشتد بين الطرفين الى أن وصل حد الايعاز من قبل البارزاني بنزع أسلحة الفصائل الفدائية الشيوعية ـ وكانت قوة مسلحة صغيرة وموجودة في عدة أماكن وتابعة عسكريا لقيادة البارزاني، قبل أن تصل العلاقات الى هذه الازمة ـ واعتقال وقتل من يعصي الاوامر. كان من ضحايانا، الذين قتلوا بغدر، الشيوعي الكلداني (بيه صليوه)، الذي طوق المسلحون البارتيون داره في شقلاوة فرفض الاستسلام واتخذ موقفا صلبا وبطوليا في الدفاع عن نفسه حتى قتل . والضحية البارزة الاخرى، الذي لم يكن ضمن الفصائل الشيوعية المسلحة، بل كان كادرا فلاحيا نشطا وعضو لجنة محافظة أربيل للحزب الشيوعي، علي مولود (وهو نفسه الذي عقدنا الكونفرنس الثالث للحزب بداره في قرية داربسر أواخر (1967م) الذي اعتقل وتعرض للتعذيب ثم استشهد في قصف جوي قامت به الطائرات العراقية ضد فصائل البيشمركه .ينظر: مذكرات بهاء الدين نوري، المرجع السابق، ص429.
وبخصوص منطقة بالك أي منطقة قيادة الثورة الكردية والتي كان يتواجد فيها مقر البارزاني والمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، يقول بأنه تم نزع أسلحة الشيوعيين بكل سهولة بعكس مناطق أخرى جرى فيها القتال:” في منطقة بالك نزعت أسلحة فدائيينا بسهولة ولم يكن بمستطاعهم أن يقاوموا . إلا أن الفدائيين الشيوعيين في قره داغ وبهدينان رفضوا تسليم السلاح الى جماعة البارزاني. فبدأت الاشتباكات المسلحة بين الطرفين في مسعى لسحق الفصائل الشيوعية . اشتغلت وساطات البعض ودبرت زيارات وفود واشخاص الى البارزاني دون جدوى. وكانت المعارك غير متكافئة، اذ كان لدى البارزاني عشرات اضعاف ما لدى الشيوعيين من الرجال والعتاد. وبعد ايام من القتال اضطر الشيوعيون الى ترك مناطقهم الريفية والتراجع شطر المراكز الحكومية المحمية بوحدات عسكرية . جرى كل ذلك قبل أن يتجدد القتال بين البارزاني وبين النظام البعثي. ورغم أن الفصائل الشيوعية المسلحة في كردستان 1973م كانت قوة صغيرة لاتقارن بما كان في حوزة البارزاني، فان وقوفها الى جانب السلطة الحاكمة ضد الحركة المسلحة بقيادة البارزاني كان كبير التأثير للغاية على المعادلة السياسية والعسكرية في الساحة العراقية آنئذ . المرجع السابق، ص429 – 430 .
ويبدو أن السيد بهاء الدين يحاول النيل من الزعيم الكردي البارزاني الذي كثيراً ما أنقذ العديد من القيادات والكوادر الشيوعية من الموت المحقق على يد السلطة العراقية وتحديداً عام1963م، وكفل لهم الملاذ الآمن لدى مناطق الثورة الكردية:” عند بدء المصادمات المسلحة بين فدائيينا وبين فدائيي البارزاني في خريف 1973م انتقلت حسب رغبتي وبموافقة المكتب السياسي الى منظمة اقليم كردستان للعمل فيها. ولأنني لم أكن عضوا في المكتب السياسي للحزب فان مكاني كان في مكتب الاقليم وليس منصب سكرتيره. انتقلت الى كردستان وكنت على قناعة تامة بأن الملا مصطفى قد فقد استقلاليته السياسية وسلم زمامه الى شاه ايران والى المخابرات الامريكية وانه يحدد موقفه من قضية الحرب والسلم في كردستان وفق ما يمليه عليه هؤلاء، الذين لا ينطلقون إلا من مصالحهم الخاصة. هذا من جهة، ومن الجهة الثانية كنت، شأن فريق آخر من رفاقي، أطمح الى أن نصبح نحن الشيوعيين أصحاب قوة مسلحة قادرة ليس فقط على التصدي لأي حزب أو زعيم كردي عندما يعتدي علينا، بل كذلك لسلطة البعث الحاكم اذا ما تحرشت بنا. ينظر: مذكرات بهاء الدين نوري، المرجع السابق، ص430.
وفي السياق نفسه يذكر المحامي والمستشار( محي الدين محمد يونس) العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي مع نهايات عام 1973م والتقارب الذي وصل اليه مسار العلاقات بين الحزبين البعث والشيوعي اتخذ شكل التحالف الجبهوي(= شهر تموز/ يوليو عام1973م) وكان في المقابل هناك مسار اخر بالتباعد بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزبين المذكورين، وكان من تداعيات هذا المشهد الذي حصل نتيجة التوقيع على ميثاق الجبهة من قبل الحزب الشيوعي ومناقشة صيغة الحكم الذاتي المطروحة من قبل حزب البعث والذي كان الحزب الشيوعي يدعي مشاركته في صياغته، في حين كان تأثيره في المسألة محدوداً جداً حيث كان الطرف الآمر الناهي هو حزب البعث وحده في تشريع بنوده بالإضافة الى تطبيقه حسب أهوائه.
لم تقتصر علاقات الحزب الشيوعي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني على التباعد فيما بينهما، بل تطورت الأمور الى حرب كلامية من خلال صحيفتيهما( التآخي وطريق الشعب) في توجيه الاتهامات، سرعان ما تحولت الى أعمال عنف واشتباكات مسلحة بين الطرفين وانسحاب مسلحي الحزب الشيوعي وكوادره الى المراكز الحكومية للسلطة؛ وقد كان من تداعيات هذا الوضع الجديد المتأزم قتل وجرح العديد من مقاتلي الحزبين والأكثر من جانب الحزب الشيوعي. ويذكر المحامي ( محي الدين محمد يونس) الذي كان ضابط شرطةتلك الحقبة، ثلاثة حوادث منفصلة حول مجريات الصراع بين أنصار البارتي والشيوعي في منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين، عندما كان يعمل محققاً في ثلاثة أماكن مختلفة في قضاء رواندوز، ومركز مدينة أربيل، والعاصمة بغداد:” قبل الانتقال الى مرحلة القطيعة النهائية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب البعث العربي الاشتراكي، والانتقال من وضع الحرب الباردة خلال السنوات الأربعة من عام 1970م الى مرحلة الحرب والقتال الحقيقي الذي بدأ في بداية شهر نيسان من عام 1974م، وفي احداث ذات صلة اذكرها وكان لي علاقة بها او إطلاع عليها، فيما يلي توثيقاً لما حصل في تلك الفترة:
الحدث الأول ـ في ربيع عام 1973م كنت برتبة ملازم شرطة وبمنصب ضابط مركز شرطة راوندوز (= قضاء تابع لمحافظة أربيل) وكانت هناك مناسبة تخص الحزب الشيوعي العراقي(= تأسيس الحزب في 31/3/1973م) يحتفل بها في المدينة من خلال نشر اللافتات والصور والشعارات التي لها علاقة بهذه المناسبة على واجهات المباني وشوارع القضاء، وفي صباح اليوم التالي راجعني أحد مسؤولي الحزب الشيوعي شاكياً ليخبرني بان جميع الشعارات والصور المعلقة قد تم تمزيقها، بالإضافة الى تشويه صورة القائد الشيوعي (لينين) من خلال التلاعب بملامح وجهه متهماً أنصار ومؤيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني بهذا العمل. ينظر: المحامي المستشار محي الدين محمد يونس، أحداث ساخنة في الصراع بين السلطة في العراق والحركة الكردية 1968 – 1975م، الجزء الخامس، المبحث الثالث، مجلة الكاردينيا.
الحدث الثاني ـ قبل نهاية عام 1974م جرى التحضير لانتخابات اتحاد الكتاب الكرد وكانت لدى السلطة في بغداد مخاوف من استحواذ مرشحي الحزب الشيوعي الحليف! على اغلبية المقاعد من خلال أصوات أنصاره وانصار الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي كان في حالة قتال مع النظام. المنافسة كانت بين الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي فطن الى حيلة شرعية مفضوحة حيث لجأ من خلال موقعه السلطوي الى تنظيم هويات انتساب لأكثر من خمسمائة شخص من أنصاره في المحافظات الثلاثة (أربيل، السليمانية، دهوك) من حملة الشهادات الجامعية، وفي اليوم المحدد لأجراء الانتخابات في قاعة الجامعة المستنصرية في العاصمة بغداد، تم نقل الأشخاص المذكورين بواسطة حافلات أهلية تم استئجارها لهذا الغرض على نفقة حزب البعث، وكانت المفاجأة للقيادي الشيوعي (مكرم الطالباني) ومن معه من الكادر الشيوعي المكلفين بالإشراف على الانتخابات بالاشتراك مع قيادي وعدد من كوادر حزب البعث عند دخولهم الى القاعة ومشاهدتهم امتلائها بالحاضرين للاشتراك في التصويت لاختيار رئيس وأعضاء اتحاد الكتاب الكرد، وكان القيادي الشيوعي في حالة ذهول واستغراب مما يراه وغير مصدق ولكن وكما يقال “ما في اليد حيلة ” حيث جرت الانتخابات وكانت الأصوات بأغلبيتها لصالح مرشحي حزب البعث العربي الاشتراكي والذي تصدق بعد ذلك! على مرشحي الحزب الشيوعي بعدد من المقاعد تمكنه من السيادة والسيطرة على الاتحاد. ينظر: أحداث ساخنة في الصراع بين السلطة في العراق والحركة الكردية 1968 – 1975م، المرجع السابق.
الحدث الثالث ـ الذي كان من تداعيات حالة الخصام والقتال بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي في مناطق كردستان العراق في المرحلة التي نحن بصددها، حيث جاءني نداء من سيطرة النجدة عندما كنت مكلف بواجب ضابط خفر شرطة محافظة أربيل في أحد أيام شهر اب/ اغسطس من عام 1976م يخبرني بوقوع حادث قتل لأحد الأشخاص من كوادر الحزب الشيوعي داخل مدينة أربيل، وفور انتقالي الى محل الحادث شاهدت رجلاً في الستين من عمره حليق الرأس ملقى على وجهه في الشارع ومفارق الحياة والدماء تنزف من الجرح في مؤخرة رأسه من اثر اصابته بطلق ناري من مسدس، بعد قيامي بالإجراءات التحقيقية المقتضية والأمر بنقله الى دائرة الطب العدلي، استصحبت معي الى الدائرة زوجة وشقيق القتيل والذين افادا بانهما يوجهان الاتهام في قتل المذكور الى عائلة أحد الأشخاص والذي قتل في عام 1973م نتيجة الاشتباكات بين الطرفين. وكان ذلك القتيل من كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني، انتقلت الى احدى القرى في أطراف مدينة أربيل وقبضت على المتهم ابن القتيل الاول وأحضرته معي الى الدائرة وكان بعمر الواحد وعشرون عاماً، وبدأت التحقيق معه مستغلاً إمكانياتي وخبراتي التحقيقية وضعف الحالة الفكرية والتكوين الاجتماعي للمتهم، حيث وجهت له الأسئلة على الشكل التالي: فلان… انت بطل انت شهم أخذت بثأر والدك اليوم وقتلت من سلبه حياته ..فاجابني … ماذا تقول عن أي ثأر تتحدث لا علاقة لي بمقتل أي شخص … متى قتلته وكيف عدت الى قريتي بهذه السرعة. فكرت في تغيير طريقة استجوابه فقلت له :أنا انسان لا افهم من أمور الحياة شيئاً كيف أتصور ان تقوم انت بقتل هذا الرجل وتأخذ بثأرك وانت شاب تافه وحقير ولا يليق بك هذا العمل الذي هو من شيم الرجال … لقد قتلوا الرجل ولم تستطع انت الاخذ بثأرك منه ويلعنك والدك في قبره أيها الجبان. نهض منتفضاً من مكانه وهو يردد … انا قتلته واخذت بثأر والدي… نعم انا قتلته بعد ان راقبته ورصدت تحركاته واليوم تعقبته وسرت خلفه وكان الشارع خالياً من المارة وقت الظهيرة والجو حاراً ومن مسافة قريبة وكان مسدسي في حالة الجاهزية، حيث اطلقت عليه النار في منطقة الرأس وسقط على الأرض مفارقاً الحياة على الفور. ينظر: المحامي المستشار محي الدين محمد يونس،أحداث ساخنة في الصراع بين السلطة في العراق والحركة الكردية 1968 – 1975م، الجزء الخامس، المبحث الثالث، مجلة الكاردينيا.