23 ديسمبر، 2024 12:05 ص

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج37

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج37

وعلى الصعيد نفسه فقد أورد السيد عزيز شريف في مذكراته حادثة إغتيال أحد عشر شيوعياً على يد القائد البارزاني (عيسى سوار) آمر هيز زاخو، والذي كان قد رافق الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني في لجوئه الى الاتحاد السوفياتي عام 1947م، حيث خصص فقرة من مذكراته تحت عنوان (حول إغتيال 11 شابًا شيوعيًا)، جاء فيها:” كان أحد عشر شابًا شيوعيًا عائدين بعد إتمام دراستهم في الدول الإشتراكية. وقد إستأذنت قيادة الحزب الشيوعي من القيادة الكردية بأن يدخلوا كردستان من منطقة زاخو فأذنت بذلك، ولا توجد معطيات محددة عن تأريخ تصفيتهم. وإنما يعرف انهم دخلوا المنطقة في صيف 1972 وبعد مرور فترة إختفت اخبارهم ثم ظهرت بعض مقتنياتهم لدى جماعة عيسى سوار. وبتوسطي وقع إجتماع مع البارزاني وولديه إدريس ومسعود، وكان يرأس الجانب الشيوعي يوسف حنا شير (ابو حكمت) ومعه آخرون. وقد صرح إدريس بحضور والده. ” إذا ظهر أنهم مقتولين فلا نستطيع ان نتبرأ من دمائهم، لأنهم دخلوا من منطقة سيطرتنا بموافقتنا.. فتكون لي إعتقاد بأن قتلهم لم يكن بأمر من البارزاني أو حتى بعلمه. قلت للبارزاني: ” إذا تأكد إغتيالهم ينبغي عليكم ان تفعلوا ما فعل كسرى انوشروان بإبنه حسب الرواية العربية المأثورة. أي أن يقتص من الفاعل إقتصاصًا يناسب عمله وأن يشهر به ليكون عبرة للآخرين” . ينظر: مذكرات عزيز شريف، ص 414.
ويستنتج السيد عزيز شريف من خلال روايته بأن السيد البارزاني لم يأمر بذلك، أو لم يكن يعلم بذلك؛ غير أن السيد محمود عثمان أحد أقرب مساعدي الزعيم البارزاني والعضو السابق للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، يذكر رواية أخرى تختلف الى حدٍ ما عن رواية عزيز شريف من ناحية مسؤولية البارزاني بذلك، ومن عدد القتلى الشيوعيين من التنظيمين، مفادها: “… مثل إغتيال (12) شيوعياً من تنظيمات اللجنة المركزية واثنين من القيادة المركزية من قبل آمر هيز زاخو ( عيسى سوار) وبعلم قيادة البارزاني …”. ينظر: تقييم مسيرة الثورة الكردية وإنهيارها والدروس والعبر المستخلصة منها، أوائل كانون الثاني 1977م، الطبعة الثانية، 1997م، ص30.
ويظهر من مذكرات السيد عزيز شريف أنه كان متحاملاً على القائد البارزاني عيسى سوار لسببين، أولهما قتله لأحد عشر طالياً شيوعياً صيف عام1972م(= الصحيح عام1973م)، كانوا قد قدموا من الاتحاد السوفياتي بعد أن أكملوا دراستهم. وثانيهما عدم أمانته في تسليم ودائع للسيد عزيز شريف عام1967م حسب إدعائه، حيث يقول بهذا الصدد:” … هناك مضت فترة دون إجراء اي تحقيق جاد من القيادة. لماذا؟ كان الثابت قطعيًا ان القضاء عليهم كان في منطقة زاخو وهي منطقة عيسى سوار من أهم أعمدة القيادة الكردية، فكان حاكمًا في منطقته شرسًا وله مآثر سابقة في القسوة إذ هاجم ربايا الحكومة وأباد من فيها حتى من إستسلم منهم. وكان يطلق عليه لقب الذئب، وكان مستقلاً في منطقته وقد مد نفوذه على الفلاحين الكرد، ليس في نطاق سيطرة القيادة الكردية فحسب، بل وكذلك خارجها في منطقتي الموصل من العراق والجزيرة في سوريا يفرض عليهم الزكاة إضافة إلى ما يدفعون للحكومة في الموصل او الجزيرة من ضرائب. ومن الاموال المتجمعة لديه كان يقدم لقوات الحركة الكردية كثيرًا من إحتياجاتها للإعاشة. وقد كانت لي تجربة شخصية في عدم أمانة عيسى سوار. فكما تم ذكره في الفصل السادس بعد عودتي من دمشق إلى كردستان في أوائل شباط 1967م مررت في منطقة نفوذ عيسى سوار. وقد إستصحبت معي هدايا أقدمها لمن يستضيفوننا، وليس من اللائق تقديم نقود إليهم، فاودعت هذه الهدايا لدى عيسى سوار عند عبوري من المنطقة (= منطقة نفوذه في زاخو ملاصقة للحدود السورية والتركية معاً)، فإستولى عليها، وكانت غير ذات اهمية. وبقدر تعلق الامر بإغتيال الشبان الشيوعيين، فلا حاجة إلى الجهد للإستدلال على دور المخابرات الإيرانية ومن ورائها مخابرات الموساد ولا سيما المخابرات المركزية. إذ وقع ذلك بعد عام ونيف من إتفاق القيادة الكردية مع الولايات المتحدة وقيادة المخابرات المركزية. كان إغتيال الشبان الشيوعيين بعد فصل المياه بين الحزب الشيوعي والحزب الديموقراطي الكردستاني، أي بعد عام وبعض عام من التعاون الجبهوي بين الحزب الشيوعي وقيادة السلطة ومن حشدت إلى جانبها من أعداء القيادة الكردية فيما يسمى بالجبهة الوطنية القومية التقدمية. ينظر: عزيز شريف، مذكرات عزيز شريف، ص414.
يبدو أن توقيت السنوات قد خانت السيد شريف، فقتل الطلاب الشيوعيين جرى في شهر آب/ اغسطس عام 1973م، وليس في صيف عام1972م، فضلاً عن ذلك أن اتفاق الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بين حزب البعث العربي والشيوعي العراقي جرى في شهر تموز/يوليو عام 1973م، وهذا ما ترتب عليه تكرار الخطأ في السنوات :” إذ وقع ذلك بعد عام ونيف من إتفاق القيادة الكردية مع الولايات المتحدة وقيادة المخابرات المركزية” المرجع السابق، ص414. علماً أن الاتفاق الامريكي – الايراني بخصوص دعم الثورة الكردية جرى في شهر تموز/ يوليو عام 1972م، بلقاء مستشار الامن القومي الامريكي (ريتشارد هيلمز) بكل من السيد ادريس البارزاني والدكتور محمود عثمان في العاصمة واشنطن، أي في نفس السنة التي جرت فيها مقتل الشيوعيين المذكورين آنفاً وفق وجهة نظر السيد عزيز شريف.
بعد قيام الجبهة تم تسليم بعض القوات الشيوعية في كردستان أسلحة من سلطة البعث، وبعد تسلم هذه الاسلحة أنذر البارزاني ممثلي الحزب الشيوعي بنزع اسلحتهم، فوافقوا حيث يكون الدفاع عن مراكزهم متعذرًا مثل برسيرني وسرجاوه(= مناطق قريبة من قيادة الثورة الكردية)، ورفضوا في مناطق أُخرى مثال القوش ودربنديخان، وهنا إنسحب الشيوعيون بأسلحتهم إلى قرب رانية. المرجع السابق، ص415.
ويسرد أحد الكتاب الشيوعيين أسماء بعض الضحايا الشيوعيون الذين قتلوا في زاخو في شهر آب/ اغسطس عام1973م، وهم كل من:
1- هاشم حمود الخرسان
2- نجم الدين عثمان/ السليمانية
3- عمر قادر أحمد
4- محمد المطيري / كربلاء
5- نوري الكركولي
6- عبد الرحمن علي رحيم
7- شقيق كمال شاكر – سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني
8- شيروان جميل باله ته ى مزوري- دهوك
ينظر: صالح حسين، حكايات فلاحية: ما الفرق بين ما سمي بحادثة الدجيل ومجزرة بشتآشان!، موقع الشعلة.
وكان السيد عزيز محمد ( 1924- 2017م) سكرتير الحزب الشيوعي العراقي والذي تولى قيادة الحزب الشيوعي في شهر آب/ اغسطس عام1964م بعد مقتل سلفه( سلام عادل) على يد البعثيين عام1963م، قد كتب رسالة الى الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني في 2/12/1973م، جاء فيها:” … ولكن يؤسفني – أيها الاخ العزيز – أن أخبركم بأن مجهوداتنا في هذا السبيل، وشعؤرنا بالمسؤولية الوطنية والقومية والتاريخية لم تقابل من قبل بعض الإخوان في قيادة (حدك). ليس فقط بموقف ايجابي، أو المعاملة بالمثل، وإنما استغل سكوتنا الاعلامي وحرصنا الشديد على منع تردي العلاقة بين حزبينا، لأغراض التمادي في محاربة حزبنا الشيوعي والاستمرار في ملاحقة أعضائه ومؤازريه في كردستان. فإن حملة الاعتداءات على رفاقنا ومنظمات حزبنا في معظم المناطق الكردية وبمختلف الأشكال والاساليب وخاصةً في الأرياف مستمرة ولا تزال… وتصلنا يومياً أخبار موثوقة مقلقة بعمليات سوقهم من المعتقلات التي كانوا قد زجوا فيها الى معتقلي ( قصري) و( رايات) حيث تمارس بحقهم شتى وسائل التعذيب لإجبارهم على التبرؤ من الحزب الشيوعي، وتقديم التنازلات عن علاقاتهم ونشاطاتهم وأسرارهم الحزبية. كما أننا لم نتلق لحد الآن رغم مطالبنا المتكررة والملحة جواباً عن مصير رفاقنا الاثني عشر الذين سبق وأن غادروا الوطن بعلم من مسؤولي (حدك) وعادوا الى كردستان بعلمهم أيضاً، واختطفوا من قبل البعض منهم منذ أكثر من ثلاثة أشهر”. ينظر: رحيم عجينة، الاختيار المتجدد، بيروت، دار الكنوز الادبية، الطبعة الاولى، 1998م، ص101.
وقد رد عليه الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني برسالة مجاملة بتاريخ 5/12/1973م، محاولاً تخفيف حدة التوتر بين الجانبين، مشيراً الى العلاقات التاريخية بينهما، لكنه لم يتطرق الى مصير الشيوعيين المفقودين في منطقة زاخو. رحيم عجينة، الاختيار المتجدد، المرجع السابق، ص101 -102.
ويعلق الدكتور رحيم عجينة (1925 -1996م) العضو السابق في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي على التوتر الذي حصل بين الجانبين، لكن النكسة الكبيرة التي أصابت العلاقة مع (حدك)، نجمت عن اعتقال 12 عضواً في الحزب الشيوعي العراقي كانوا عائدين من الاتحاد السوفيتي الى الوطن عبر منطقة زاخو. وتم اعتقالهم وإعدامهم في المنطقة التي يسيطر عليها (حدك) ومسؤوله عيسى سوار. فتوترت العلاقة بين الحزبين وحصلت اندفاعات عاطفية ليست في مصلحتهما، الأمر الذي دفع بالحزب الشيوعي إلى تشكيل وفد لتطبيع العلاقات، وكان في قوام الوفد الدكتور رحيم عجينة والذي يقول: ” بدا لي أن ملا مصطفى البارزاني كان حريصاً على أن تكون العلاقة سوية بيننا، في الحدود التي يراها كفيلة لضمان زعامة (حدك) في كردستان. وفي تقديري أن الطموح الى زعامة الحركة الكردية هو طموح مشروع، ولكن ينبغي أن يتحقق عبر الديمقراطية، أي عبر اختيار الشعب الحر”. ينظر: الاختيار الحر، المرجع السابق، ص113.
أما الكاتب والباحث الشيوعي الصابئي عزيز سباهي (1925- 2016م) فيعلق على تلك الفترة بالرأي التالي: ” لقد كان من شأن تعاون الحزبين الشيوعي والديمقراطي الكردستاني لو تم بشكل وثيق، ودخولهما بشكل موحد حلبة النشاط السياسي لفرض الحكم الائتلافي في العراق بشكل ديمقراطي، وبالتعاون مع المنظمات والأحزاب الوطنية الأخرى التي كانت تبدي حماستها للأمر، أن يكون ثقلا خاصاً يرغم حزب البعث على التخلي عن سياسة التسلط، ويدفعه الى السبيل الديمقراطي في الحكم، وتوجيه منحى التطور في البلاد بعيداً عن المصير المأساوي الذي إنتهى اليه”. ينظر: عزيز سباهي، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، الثقافة الجديدة، 2005م، ص 105.
وغني عن القول أن السيد مسعود البارزاني لم يتطرق الى هذه المسألة ولا الى الرسائل المتبادلة بين والده البارزاني وسكرتير الحزب الشيوعي العراقي عزيز محمد في كتابه ( البارزاني والحركة التحررية الكردية)، وإنما أشار إليها الدكتور رحيم عجينة في كتابه (الاختيار المتجدد).