18 ديسمبر، 2024 7:47 م

الامير الحديث والفوضوية وحكومة الانسان

الامير الحديث والفوضوية وحكومة الانسان

بعد ان قدمنا دراستنا .. الاستلاب السياسي يؤسس للاستلاب الاقتصادي والاخير يقويه … تاتي هذه الدراسة استكمالا للدراسة السابقة التي تفضل بنشرها موقع كتابات ….

كذلك يتحدث في نقطة فائقة الاهمية عن النظام الملكي الدستوري الذي ينتج السلطة البرجوازية فيعتبر “ان راس مال هذا النظام غير منتج وان الطبقات المالكة هي طبقات طفيلية لذلك فان الدولة تشكل جهازا غير منتج ويمكن ان توصف بطائفة اللامنتجين” والسلطة في هذه الحالة تتابع وبشغف تدعيمها الخاص بها وتنغمس في استبدادية اغراضها الشخصية ، هذا في النظام الملكي حيث يشكل الجيش في هذه السلطة ولاء تام لها وقوة مستقلة عن طبقات المجتمع والحكومة في مثل هكذا سلطات “تستطيع ان تجد في الكنيسة وفي الايديولوجية الدينية دعائم تتجاوز كثيرا الحدود الطبقية” فهنا نحن مع ميثولوجيا تحيط بالدولة وتدعمها ، وهكذا يضحى كل الناس لاسيما الشغيلة والجائعة والمظلومة ضحايا رأي مسبق في الحكومة ، والحكومة تصبح عاجزة عن معارضة مصالح البرجوازية ، وهكذا ” تملك اليعاقبة طيلة عهد الجمعية التاسيسية جنون حكومي حقيقي قادهم الى الدكتاتورية ، واخطر منهم مختلف الطبقات الاجتماعية التي لم تتوصل الى التخلص من احترامها ومن حبها للسلطة والذي قادها الى احترام السلطات السياسية في حين انه ينبغي عليها ان تستولي على هذه السلطات التي هي عبارة عن تحالفات مقيتة بين السياسي ورجل الدين هذا الوهم للاسف يتجدد في الديمقراطية على راي (برودون) حيث (تتشبث بالبحث عن ممثلين للشعب متلهفين الى ان نجسد القدرة الاجتماعية تماما لان هذه القدرة ولو انها حقيقية ،ليست محسوسة ، لان القوة الجماعية ليست شيئا يراد اعطاءها شكلا محسوسا” ولو طبقنا ما يقوله برودون حول النظام الملكي في الدولة العراقية ما بعد 2003 فسنجد ان راس المال المتاتي من الريع النفطي العراقي غير منتج تماما والسبب في ذلك هو الطبقات المتحكمة المالكة لزمام السلطة والممسكة بها كأنها هبة من السماء ، والتي عبر عنها برودون طبقات طفيلية والدولة بسبب هؤلاء (احزاب، امراء حروب ، امراء طوائف، ميليشيات، الخ) تشكل جهازا غير منتج ممكن ان يطلق عليه (طائفة اللامنتجين) وهذا ما نجده متحققا في العراق اليوم وسلطة هؤلاء كما رايناها تدعم نفسها عبر المال والسلاح وتنغمس في ممارسة الاستبداد والدكتاتورية الى حد انها رفعت السلاح وقتلت 700 شخص طالب بحقوقه منذ 1/ اكتوبر / مع وجود قوى امنية يشكل الجيش اساسها وله ولاء تام لهذه السلطة ،لانه يقع ضمن قوى مستقلة عن طبقات المجتمع سيما الفقيرة والمعدمة والمهمشة منها، وقد وجدت الطبقة السياسية ما بعد 2003 في رجالات الدين غرضها وقد كونوا ميثولوجيا محيطة بهم استغلت سذاجة الناس وفعلت ما فعلت حتى اصبح انتخابهم واجب مقدس كما روج لهذا البعض وبقي هؤلاء المعدمون ضحايا الراي المسبق في الحكومة من انهم (متخلفون، لا يستحقون الفضل الذي قدمته لهم الحكومة ، الاحزاب متفضلة عليهم) وغيرها من الكلمات التي تكونها السلطة على الطبقات المهمشة مع دعم بارز من قبل الحكومة للطبقة البرجوازية /المستغلة لثروات البلاد الناهبة لها والمحاطة برجالات الدين وهكذا اصيبت هذه الطبقة السياسية بعد ما اوردناه بالجنون الحكومي ، ولا ننسى بان هذه الحكومة لا تستطيع ان تقول للطبقات الحزبية /البرجوازية (مع الفارق الثقافي طبعا لكي لا نظلم الطبقات البرجوازية التي اسست للكثير من الافكار التنويرية عكس من نقصدهم من الذين اسسوا للخراب والجهل والظلام) واثروا على حساب المال العام لا تستطيع ان تقول لهم الحكومة كلا لاي سبب كان، لانهم هم من يقبضون على السلطة ، بيد من حديد وهكذا يصاب اصحاب السلطة المحاطون برجالات الدين بالجنون الذي يقودهم الى الدكتاتورية ، والاخطر من ذلك من بقي من المهمشين محترما لهؤلاء محبا لسلطتهم عبدا لهم وهو الوهم كما اسماه برودون والذي دخل الى قلب الديمقراطية في العراق وتشتت الجميع بالبحث عن ممثلين للشعب لتجسيد ما نسميه قدرة اجتماعية الا انها غير محسوسة ، فعلا لانه يراد اعطاءها شكلا محسوسا يحاول فعله السياسيون في العراق الذين يشلون القدرة الجماعية في الحقيقة ويحاولون اعطاءها شكلا محسوسا يسمونه على ما يعتقدون نظاما ديموقراطيا ، والا بربك اي نظام ديموقراطي هذا الذي يذهب ضحيته مئات القتلى والاف الجرحى ، ما ذنب هؤلاء ، الا انهم خرجوا للمطالبة بحقوقهم . وها هو العراق يتذيل اليوم دول العالم في حرية الصحافة بعد ان قتل عديد منهم وهم يغطون الكلمة الحرة الصادقة ، وهكذا ليس في الوسع تقليص دائرة السياسي ليكون ظلا للتناقضات الاقتصادية ، وبالتالي السياسي والتناقضات الاقتصادية الكبيرة التي نعيشها اليوم تبدو كواحدة من الحركات الاساسية في مجتمعنا القائم على اللامساواة .
والاستلاب في نظر برودون لا يقتصر في كونه عملا لاعقلانيا من العنف بل يضيف باشكالية مجتمع يتعرض للاستلاب قائلا” ان مجتمعا لا يتصف بالعدل لابد وان يمنح نفسه حكومة استبدادية من اجل التغلب على نزاعاته ” واتوقف هنا قبل ان اكمل مع برودون فمجتمع مثل مجتمعنا فيه من النزاعات العشائرية والطائفية والغاء الاخر والحركات المسلحة ، فهكذا هو يبحث عن حكومة استبدادية او ديناميك استبدادي متحرك في كل اتجاه من اجل التغلب على هذه النزاعات ، من هنا فان الكثير من افراد الشعب باتوا لا يؤمنون بالنظام الديمقراطي انما يحنون لايام الطاغية المجرم صدام باعتبارات انه كان مستبدا وكان مسيطرا على النزاعات وبات الكثير منهم اليوم مع القوى المسيطرة لغرض تثبيت حاجياته وطموحه ومصالحه وبات الناس يؤمنون بالاستبداد كألة تمارس لضبط النزاع من هنا سلحت العشائر واصبح لدينا دول داخل دولة ، لانهم لم يستطيعوا ان تكون لهم حكومة قوية فهي بقيت ديمقراطية ظاهرا تؤمن بحقوق الانسان ظاهرا الا انها مستبدة ضعيفة قدرتها تخرج فقط ضد المهمشين اما اصحاب النفوذ فيرتعون تحت حكمها بفوضى كبيرة سيئة ويسيئون للمجتمع الذي يئن تحت وطأتهم بدون ان تكون لها قدرة على حل النزاعات بل استبداد يوطد حكمها ويصنع لها مقومات وجودها ويحض على النزاعات المجتمعية ولا يساعد على حلها. والدولة هنا بدلا من ان تكون حامية للدستور ومتميزة في حماية مواطنيها سياسيا واقتصاديا ، فتكون هكذا دولة في مجتمع لا يتصف بالعدالة ، تتلافى الدولة ما في هذا المجتمع من عجز ومن تنظيم نفسه ، وتكون دولة رد على العداء ووسيلة لتفادي الصعوبات التي يثيرها المجتمع ، انها تؤدي اذا وجدت داخل مجتمع ممزق بالمظالم جملة من الوظائف التي تتجاوب مع البنية العامة ، له، فهي تثبت اللامساواة وتمنح نفسها هدف الابقاء عليها ، مثلا في العراق ما بعد 2003 تبنت الدولة جملة قوانين تدعم اللامساواة منها قوانين رفحاء التي ميزت مجموعة من الناس عن باقي المجتمع ، قوانين مؤسسة الشهداء والسجناء السياسيين وغيرها والمواطن الذي لا يمتلك اي ميزة تدخله في جملة المرضي عليهم في هذه القوانين يكون من المهمشين المعدمين، وبالتالي تدافع الدولة عن نظام التناقضات فيها وتقوم احيانا بدور الحكم عبر اذرعها وسط النزاعات فتدافع هكذا عن المجتمع ضد الاخطار الداخلية التي لها اليد العليا في الحفاظ عليها، بعبارة اخرى هي الحامي والحرامي في نفس الوقت.
يقول برودون ما نراه متحققا في الحالة العراقية تماما” الا ان دور الدولة سيكون على الاخص في كبح حركة المعارضة الشعبية التي تتشكل من جديد بالضرورة في مجتمع اللامساواة” وهكذا فعلت في كبح ثورة تشرين العراقية كبحا سيئا استخدمت فيه كل الوسائل العنفية المتاحة في قتل الناس وترهيبهم . برودون يتحدث عن النظام الملكي الذي يكون للبرجوازية فيه الدور الاكبر فيقول” ان الدولة في نظام الملكية ، تؤدي من ان دون ان تكون تماما اداة البرجوازية وظيفة ردع للحركة العمالية ذلك ان الضغط البوليسي والرقابة على الاداء والاستبداد الحكومي امور تتجاوب بالضرورة مع استغلال العمل” وهنا فان الدولة هي اداة الاحزاب التي اكتسبت المال والسلاح خارجها ووظيفة هذه الدولة المملوكة ردع الحركات الشعبية التي تطالب بالعدالة الاجتماعية عبر الضغط البوليسي والرقابة على الاداء والاستبداد الذي تمارسه السلطة مع استغلالها للناس وهذا هو الاخطر في الموضوع، الدولة في مجتمعنا ما هي الا حقيقة واقعة ثانوية مستعارة من مفهوم الدولة الحقيقي وهي مضمحلة ومتماهية .
وهنا يعتبر برودون انه اذا اقيم الدليل على ان السلطة لا يمكنها ان تصبح مصدر الحركة التقدمية وهذا الواقع في العراق ،فلا بد من الانتهاء من ذلك الى ما اسماه برودون (استئصال السلطة والسياسة) ونحن نضيف عبر واقع انتخابي حقيقي لا كاذب كما حصل في السنوات السابقة وهذا ما نشك في حصوله حاليا ومستقبليا في العراق اذا استمرت الاحزاب الحاكمة بصفاتها اليوم في حكمها للبلد.
لقد برهن برودون “ان الدولة عموما لا يمكنها ان تضطلع بوظيفة التقدم وان طبيعتها تفرض عليها ان تعمل ضد جميع الحركات الثورية” الا انه في نظرنا مخطأ تماما ،فالدولة الاستبدادية /الثيوقراطية هي المقصودة بهذا الكلام وليس اية دولة ،فالدولة الديمقراطية الحقيقية التي تؤمن بالفرد والانسان كقيمة عليا لا تقف بالضد من الحركات الثورية ، بل ان مثل هكذا دولة قد لا يكون فيها حركات ثورية الا بمعنى التقدمية وليس الثورات المسلحة وستكون الدولة الحقيقية /دولة السلام والرفاه داعمة لهذه الحركات التقدمية اما مثال الدولة الريعية الفاسدة الموجودة في عراق اليوم هي التي تحارب بالضرورة هكذا حركات ثورية وتقف بالضد منها. طبعا البديل عن الدولة ضمن رؤية برودون الفوضوية (العدالة الاجتماعية التي يؤسسها المجتمع وفق مصالحه) ومن الممكن تسميتها بالفوضى الايجابية ومن الممكن ان اسميها (دولة المجتمع) وكما سنرى في القادم من المبحث تحليلات اكثر .
ان الخاصية الرجعية للدولة وعواقب امتياز القوى الجماعية /الميليشيات مثلا لتتكشف في تلك اللحظة التي تغدو فيها الدولة منهوبة مسلوبة ارادتها وهذا هو حقيقة البلد اليوم مع وجود علاقة غير مستورة بين الافراد والجماعات حيث انعدام التضامن .
الا ان هذا التخبط والسوء الذي يبدر من الطبقة السياسية وما يسميه برودون (الغوصان) من جانب السياسي سوف يعني نهايته ،لانه عمل على تاسيس دولة محاصصة ، سلطة حكم، قوة قمع، ولم تعمل على انشاء دولة حقيقية ذات مفاهيم ديموقراطية انسانية ، ولم يؤسس لما اسماه المفكر عز الدين سليم (حكومة الانسان) وقد نسميها (دولة المجتمع) (الفوضوية) قد تقترب هذه المفاهيم من بعضها كثيرا لانها تتفق على العدالة الاجتماعية كمضمون حقيقي وتكون بعيدة عن الاستبداد ديني كان ام عرقي ام سياسي ام قومي.
وقد اسس السياسيون العراقيون بعد 2003 مظهر من مظاهر الاستبداد يتمثل بان كل مبادرة لا تكون للدولة رقابة عليها تصبح تهديدا ولا تنفك تخشى الطبقة السياسية من ان تتكون قوى خارجها وتتوجس في كل مبادرة تهديدا مباشرا لسلطتها وهكذا تصبح متواطئة مع جميع القوى القمعية في الميادين الاقتصادية والفكرية .
برودون في معرض تهجمه على الدولة كمفهوم عام يؤسسه على الملكية عموما لكنه في وصفه وتحليله هذا يعطي صورة واضحة للدولة العميقة داخل مفهوم الدولة والتي تحول الاخيرة الى لادولة ريعية فاسدة .
التي نراها اليوم وهكذا نرى ان اية مبادرة في الدولة العراقية اليوم تتهم بانها تابعة لامريكا او اسرائيل او غيرها من التهم الجاهزة لان هذه المبادرة تكون مغردة خارج سرب الدولة/اللادولة/السلطة/القمع… الخ.
بالنتيجة فان الدولة ذات النظام المركزي تميل الى :
توسيع رقابتها (قطع الانترنت انموذجا ابان ثورة تشرين لمنع تجمعات الشباب)
امتصاص القوى المحركة الجديدة قدر الامكان ومنها استمالة بعض من التنسيقيات بالمال مرة وباشراكهم بالدولة مرة اخرى وبرواتب ومكافئات مجزية لغرض الحاق الضرر بالانتفاضة العادلة .
الطفيلية والعمل غير المفيد
ان تبتكر على الدوام قوانين جديدة للمحافظة على سيطرتها على الفعاليات الاجتماعية
وهنا بالتحديد نتوقف كثيرا لنبين كيف حاولت السلطات في البلاد وعلى مدى سبعة عشر عاما ان تفصل قوانين تزيد من سيطرتها على الاعلام الحر ، الناس عموما ،الرقابة على مواقع التواصل وملاحقة الناشطين الفاعلين على الفيس بوك وغيرها ،خنق الحريات العامة عبر قانون شرعه البرلمان لغرض التحكم بمواقع النت عبر ما اسماها الرقابة الالكترونية ، قانون منظمات المجتمع المدني وما فيه من اجحاف ، التضييق على الفعاليات الاجتماعية عبر سن قوانين مضايقة للحريات بقصد المحافظة على الناس والتقنين وغيرها من الاعذار الواهية الجاهزة فالقوانين التي اقرتها الدولة مؤخرا في ظاهرها العدالة وفي باطنها تقييد حريات الناس وضربها في الصميم ، فالمركزية التي تطمح لها حكومات البلاد المتعاقبة التوسع على حساب الناس بعيدا عن الفدرالية التي اقرها الدستور وعطلتها احزاب السلطة كما عطلت الكثير من القوانين المهمة التي تنفع الناس.
يعتبر برودون ان العمل المضاد للثورة الذي ترتكبه الحكومات لا يستمد من ظروف تاريخية خاصة ولا من سيطرة الطبقات الحائزة وحدها (الاحزاب مثلا) وانما من طبيعة الاستلاب السياسي وحدها ، ومن هنا يعتبر ان الدولة (وهو بالضدية من نظامها كما اشرنا) تميل مباشرة الى تاكيد سلطتها والابقاء على التسلسلات المراتبية والغاء الحريات ومضاعفة القوانين التي تعمل على توطيد سلطتها وحسب برودون فان الفوضوية تميل الى تحطيم الدولة لتحرير القوى الجماعية ، ونحن نميل الى التغيير عبر بوابة الانتخابات الحقيقية التي تؤسس للدولة وليست الشكلية التي تؤسس للادولة .
الدولة تخضع لمنطق بقائها فهي تميل لتوسيع قبضتها ، وهي لا تستطيع الغاء علاقة الاكراه التي تصنع جوهرها ولا تفعل الا ان تكرر النموذج الاجتماعي، الذي تجسده، وهكذا فان الدولة لا تتوقف رغم التغييرات ،عن ابداع علاقة استبدادية وتكرارها خلال اشكال مختلفة ، وتميل مشروعاتها اساسا الى الاعاقة ، والى المنع، والى المحافظة على النظام القائم والى احباط فرص التجديد وكل العمل الحكومي يتخذ اذا صفة مزدوجة من الاكراه ومن التكرار الذي يعارض مباشرة التلقائية الاجتماعية الحرة والمتغيرة ، ، في حين ان العقل الثوري يكون عضويا وفاعلا وخالقا للفرص الانسانية الاجتماعية الكثيرة .
هل تحصل الثورة الاجتماعية من سلطة اعلى ؟؟اننا امام موقف سياسي يرتكز على تنمية السلطات الحكومية ، ولكن : هل يستطيع هذا الموقف ان يحقق الثورة الاجتماعية بان تحدث من اعلى ، ويحسب ان الاصلاح السياسي هو الاول ويمكنه بعدئذ احداث الثورة الاقتصادية ، هذا ما تشير اليه الحكومات المتعاقبة في العراق :انها تريد الاصلاح وان خططها اصلاح التعليم ،الاقتصاد،السياسة ، الخ.الجواب من برودون “ان جميع الادلة السابقة على طبيعة الدولة وعلى الاشكال الضرورية لعملها، لا تفضي فحسب الى كشف صفة الخداع في هذا التوقع وانما الى بيان ما في عواقبها من طبيعة محافظة” اي ان ما رايناه في العراق من ارادة/لاارادة لتحقيق اصلاحات انما هي كذب وفي حقيقتها ( تنمية السلطة الى تعزيز قوى القمع) وان الحكومات التي تشدقت بانها تحدث ثورة او تبادر لثورة اصلاحية او انها ذكية ولديها القدرة على التجديد فهي في جوهرها مجردة من الذكاء والتجديد وهذا الكلام لبرودون ضد الدولة كمفهوم عام الا انه ينطبق تماما على اللادولة /الدولة العراقية .
وهكذا عززت السلطات في العراق قوى القمع تحت عناوين كثيرة جدا ومسميات متعددة من القوات التي كان غرضها الاساس ان تحمي البلاد الا ان الكثير من سلاحها انزلق وانفلت واصبح بعضها قوة تضر امن البلاد واستقرارها ، برودون يقترح “ان تحطم كل مركزية استبدادية وخلق مجتمع طليق من الاكراه السياسي” بالتالي سيكون الحل بتفعيل القوانين الديمقراطية الحقيقية تحت نظام فدرالي وترك محاربة المحافظات التي تود ان تكون فدرالية ومنها محاولات البصريين في موضوعة الفدرالية ، هذه المحاولات عرقلتها مركزية الدولة الطاغية مع احزاب السلطة وبواسطتها. وقضية المركزية المقيتة هذا ما ناقشه ايضا انطونيو غرامشي في الامير الحديث كما سنتوقف عنده.
بالاضافة الى ما ذكرناه لكسر المركزية المقيتة يقترح برودون ان المجتمع الاقتصادي يستطيع وسط الانتاج والتبادل ان يتميز بحركته ، فهو في نفس الوقت عالم التداول وعالم التغير ، الميدان الذي لا يتوقف فيه المنتج عن تعديل المادة وعن ابتكار طرائق جديدة للفعالية ، هذه الحركية المادية والاجتماعية هي الاساس في خلق حركية المجتمع التي تعارضها الدولة ،لا تستطيع الدولة ان تخلق عضويا شكلا اجتماعيا جديدا ، لا يمكنها الا ان تكرر اليا ما هو كائن ، اما المجتمع الاقتصادي فهو مؤلف من عدد وافر ، من الجماعات والفرق الصغيرة المنتجة وهي تشكل حركية المجتمع الفاعلة وتصاعده الكبير ، هذه الفرق الصغيرة لو تكونت في مجتمعنا في البلاد ،فهي متفاوتة في القوة وفي الاتساع ، ولسوف يكون احد العناصر الاساسية في نظرية برودون الاجتماعية ان يؤكد القيمة العملية لهذه الكثرة الاجتماعية ” ان الجماعات المنفردة والمراكز المنتجة والكومونات تدافع عن استقلالها ويجب عليها بالفعل ان تعمل على احترامه ،لان الكثرة والفروق تؤمن حيوية وتنافس” هذه احد اهم الاسس التي ينتصر فيها المجتمع على مركزية الدولة المقيتة وهي حركيته عبر الانتاج وتوسيع منافذ الاقتصاد بالاضافة الى الفيدرالية التي ذكرناها.
هذه الحركية ستكسر مركزية الدولة المقيتة فاصحاب السلطة يميلون الى صنع الانقسام ويسعون للمركزية في الوقت الذي يبذل المجتمع جهده للعمل على احترام التنوع فيه.
ان السلطات في البلاد ما بعد 2003 عارضت الديناميكية في المساواة بتنظيمها المركزي القائم على الفساد الاداري والمالي والمحاصصاتي السيء فبذلت جهدها في تحطيم المساواة وفي حشر التجمعات والفعاليات في تدرجات مراتبية على غرار اولاد الشهداء وميزاتهم ، وغيرها من القوانين التي ذكرناها ، قوانين الامتيازات للنواب وغيرهم من اصحاب الدرجات الرفيعة وبقي المواطن الذي لا ينتمي لهذه الفئات فقيرا معدم الحال.
الفعالية الاجتماعية ينظر لها برودون على انها من الممكن ان تتقبل النقد عبر الصحافة والاعلام في مشاكلها ، والبحث فيها ومناقشتها ، هذا في المجتمع الاقتصادي ، عموما ان السلطات هذه تشكل نزوعا الى الحرب بانواعها اما فعالية الانتاج تنزع الى السلم بانواعه.
هكذا يجد المجتمع نفسه ممزقا بين مبدأين متعارضين من الحرية والسلطة ، الحرية تتحقق في المجتمع الاقتصادي كما ان الدولة لا تكف عن تجسيد السلطة والاكراه، والمجتمع الاقتصادي يتقبل النقد في الصحافة وعلى العكس يطمح الحكم والسلطة المتجسدة فيه الى عدم المساس بحرمته ويخشى من اي نقد ، ولايمكنه التسامح في ان يرى نفسه خاضعا، لمراقبات ويميل بالضرورة الى خنق حرية الصحافة ،فطالما بقيت الدولة المركزية سيوجد هناك تعارض بين الحكم وحريات الراي والاجتماع، واليوم نرى ان التضييق على الحريات في البلاد في اعلى مستوياته وهذا ما تجلى في تظاهرات تشرين/ 2019، حيث قتل الكثير من الاعلاميين او المدونين ومنهم في البصرة وبعض المحافظات وغيرهم في بغداد فكل من قدم صورة مغايرة عن السلطة جوبه بالقتل وكل اساليب السوء بمعنى اخر لايستطيع الحكم التسامح مع الحرية لانه لايكون طرفا في الفعالية الاجتماعية ، وان مكانه يقع خارج المجتمع الفعال والبعد الذي يكون قائما بين الفعالية الاجتماعية والسلطة السياسية يسلم هذا الحكم الى التعسف في قراراته ،بالتالي سيكون التعسف/الاستبداد، جزء من جوهر السلطة القائمة وتحت عنوان (داعي المصلحة العليا للبلاد) تنتحل السلطة حقا مطلقا في القرار يؤسس امكانية استبداد ، لا محدود، وتحت هذا العنوان فعلا جوبهت الكثير من الحريات والسلطة هنا باظهارها لقوة جماعية تتخذ في نظر البشر قدرة لا تملكها ، فهي تتكون من الكذب والشهرة وتدرك على انها سبب الاجتماعي في حين انها نتيجته، ترافقها وتدعمها مثيولوجيا واساطير تؤكد احقية هؤلاء بالسلطة ، ويتبعها السذج من الناس، وهكذا نجد ساستنا اليوم يتلفعون بعباءة الدين مع كذب واعلام ومجاميع من طلاب المصلحة خلفهم ويقبع اكثرية الشعب ،بل يرزح تحت فقر مدقع بالمقابل يرى برودون “ان الفعالية الانتاجية بمقدار ما تصبح متخلصة من الاساطير التي يتعهدها راس المال سوف تتكون دون اللجوء الى الاوهام وسوف تتوصل الى شفافية عميقة بمقدار ما تزول العوائق من وجوه التسويات الحرة” اي :ان المنتجين هم خارج دوائر الكذب فهم يريدون ان يستثمروا الوقت والجهد للبناء والنهضة ولامكان للاوهام /الاساطير /الكذب …. الخ. من مكائد السلطة واسباب ديمومة بقائها ، نصل الى نتيجة مفادها ان المجتمع الاقتصادي الذي يتصف بالحيوية والحرية لايوجد في الدولة /اللادولة العراقية .

.
وصلنا الان الى نتيجة وجود سياسة استبدادية قامت في العراق متلفعة بعباءة الديمقراطية وهي في حقيقتها اضطهادية دينية ، فهنا على الحركة الثورية التي حصلت ان تلغي هذا الاستبداد وتفضحه بطريق الكفاح السلمي المشروع وباقامة مجتمع اقتصادي مكين شريطة ان تلغى الاستلابات الاقتصادية والسياسية بالنتيجة الحصول على مجتمع متحرر من الاستلاب غير انه يبذل جهده في اقامة العلاقة الاكثر دقة بين نتائج العلم الاجتماعي وتصوره الاجتماعي.
والسياسي بين نظرية العداءات والنتائج الفوضوية وهكذا نحن بحاجة الى الانتقال من التناقض الى الفوضوية /الديناميكية الاقتصادية وهذا سيسجل كأحد اهم الاتجاهات المنطقية في التطور الاجتماعي .
اذن الفوضوية او ما اسميته الديناميكية كونها تحض المجتمع على الحركة ، تعتمد على :
نقد الدولة لانها تبنى على استلاب القوة الجماعية واستئثار بالسلطة الحقيقية .
اعادة السلطة الاجتماعية الى المجتمع/المنتجين والتي سلبتها منهم الدولة الاستبدادية /الريعية حتى وان كانت متلفعة بعباءة الديمقراطية .وهنا الفوضوية تعني من جملة ما تعنيه ارجاع جميع القوى وجميع الحريات المتاصلة في الفعالية الاجتماعية .
ما يسميه برودون تحطيم الدخل الطفيلي بمعنى اخر ان ترد الى العمال منتجاتهم وهدم استغلال الانسان من قبل الانسان وارجاع السلطة الى الاجتماعي كمتحرك فاعل
واذا طبقنا ما اورده برودون على الحالة العراقية امكننا القول:
ان تحطيم الدخل الطفيلي المتمثل بممارسات السياسيين الفاسدة واستيلائهم على المال العام وعلى الوزارات واعتبارها ملكا لهم والسيطرة على مكامن الدولة ، فهذا الدخل الطفيلي متمثلا بكم المشاريع الهائل الذي استولت عليه احزاب السلطة تحت ما تسميه”المكاتب الاقتصادية” ودورها السيء يتم تحطيمه عبر تفعيل دور الصناعة الوطني المتوقفة منذ 2003م، بحيث تستوعب كم كبير من العمالة وتقضي على البطالة بشكل كبير ، وهنا ستحطم كما اشار برودون”حكومة الانسان من قبل الانسان” ونحن نضيف : حكومة الانسان غير العادلة وبمقاربة هذا المفهوم مع ما طالب به عز الدين سليم ب(حكومة الانسان) التي يجد فيها الانسان طموحه فبداية مقصد برودون من كلمة الانسان هو اي انسان بخيره وشره ولا يقصد بها مفهوم العدالة المرتبط بالانسانية الذي قصده سليم بتعبيره حكومة الانسان ، فحكومة الانسان لدى برودون غير صالحة وغير عادلة ويجب ان يحطمها الانسان لينشر محلها الفوضوية وحكومة الانسان لدى سليم يجب ان تكون عادلة وصالحة بالتالي هي فوضوية . هذا الاختلاف الاول والمقاربة الاولى ، الامر الهام الثاني ان في كلا الامرين (حكومة الانسان لدى سليم والفوضوية لدى برودون) يكون الدور للحركة الثورية للشعوب للمجتمعات دون ضغوط على احد بالتالي سيكون للانسان دوره الكبير في حكومته العادلة التي سينشؤها وستمثله بقيمته العليا .
فلنقتفي اذن اثر عز الدين سليم ولنعلي من شأن حكومة عادلة تقوم على ايدي الحركة الثورية الاجتماعية المنتجة الفاعلة نسميها “حكومة الانسان” بما تحويه هذه الكلمة من معاني وتعلي وتتبنى من قبل الانسان الذي سيجد العدالة الاجتماعية عبرها ، صحيح ان نظرة عز الدين تقترب من الطوباوية اليوم الا انها ليست مستحيلة التحقق بالتالي رفض اية محاولة لترميم الاستلاب اي استلاب كان اقتصادي ام سياسي.
ومن مساوئ الديمقراطية ما اشار اليه برودون وما تحقق في البلاد ” ان الوسائل المحتفظ بها من اجل تنظيم الحكومة الديمقراطية تؤيد اكراه الشعب على الحكم” الذي تستمر فيه الاستلابات والمخاتلات وهو شبيه بالنظام الملكي الذي وصفه برودون . هو بالتالي يطالب بديناميكة المجتمع الاقتصادي والتي لن تتحقق حسب وجهة نظره الا في مجتمع فوضوي حيث يحل التارجح التلقائي للقوى الاقتصادية محل الاحتكار الملكي.
وهنا نقف متسائلين هل في العراق معالم (مجتمع اقتصادي ) ام (احتكار ملكي /سلطوي) الجواب بالقطع لدينا مجتمع احتكار سلطوي ، حيث تحتكر السلطة ما بعد 2003 مقدرات البلد الاقتصادية والتي تأتي عبر ستاتيكية اقتصادية متمثلة باستخراج النفط ثم بيعه، وتقسيم اموال الريع بين رواتب موظفي الدولة وفساد مالي وهدر كبير عبر قوانين شرعت وشرعنت هذا الفساد ، فلا ديناميكة اقتصاد في البلد بل استئثار باموال النفط وتوزيعه بهذه الصورة التي قسمت الناس بين متخمين ومترفين وبين من يعانون الفقر بأشد انواعه، فالحكم في العراق لا يحتكر السلطة فحسب بل يحتكر المال ولايكون للمال ديناميكية ان لم تكن هناك مشاريع في مجتمع اقتصادي ، تحرك هذه المشاريع المجتمع فيضحى مجتمعا ديناميكيا بدلا من ان يظل استاتيكيا كما هو اليوم.
بالتالي مثل مجتمعنا بحاجة الى عمل ثوري كما حدث في انتفاضة تشرين لخلق قوى اجتماعية جديدة لا سابقة لها في التاريخ،
وليس فقط الانتفاضة والتظاهر وسائل لتحقيق المطالب بل رأى جورج سوريل (1847-1922) في الاضراب العام اسطورة ضرورية لتحريك الجماهير الهامدة نحو عمل مباشر مشترك، وهو عمل عفوي يهدف الى السيطرة على العملية الانتاجية ونحن نقول السياسية برمتها ، وتصحيحها ، ويعلق انطونيو غرامشي على هذا العمل ” قد خيل لسوريل ولاتباعه النقابيين الثوريين ان عملا كهذا يعني اوتوماتيكيا السيطرة على الدولة” وسوريل يترك الامر للحافز اللاعقلي ، الاندفاع الحيوي والعفوية وهو بالضد من الخطط المسبقة او يعتبرها طوباوية /رجعية . انما الاندفاع الحقيقي. والسؤال :هل خلق مجتمعنا مثل هذه القوى؟ الجواب: نعم ، انهم ابناء تشرين حتى انهم كانوا ضد استاتيكية الدولة وضد ان يوظفوا في القطاع العام، فهم ضد الزيادة في القطاع الوظيفي. بمعنى اخر هم قد فهموا اكثر من السياسيين ان الدولة بحاجة الى تشجيع القطاعات الاقتصادية المتنوعة بدلا من الاعتماد على النفط كسلعة ريعية ،في حين جوبهت مطالبهم باصرار من اللادولة /الدولة على ان يوظفوا في القطاع العام على الرغم من ان هذا القطاع المترهل اصلا ما عاد يستوعب وان السياسيين كانوا يدركون ذلك الا ان الخداع استمر حتى اخر لحظة لامتصاص زخم الحركة . والمنتفضون قد طرحوا مشاريع وافكار لمشاريع عجزت عن طرحها الطبقة السياسية ، من ناحية تنويع مصادر الدخل للاقتصاد العراقي ، تشجيع قطاع الاستثمار وذلك لاستيعاب اكبر عدد ممكن من الايدي العاملة بعيدا عن القطاع العام المترهل اصلا، والذي بلغت فيه الزيادة منذ عام 2003 707% عما قبل عام 2003 مقابل توقف لاكثر معامل العراق وتوقف الزراعة او عدم قدرتها لتحقيق الاكتفاء المحلي وتحول البلد الى بلد استهلاكي بدرجة كبيرة مع استمرار الاستلابات والمخاتلات / المحاصصة بين السياسيين، وبالتالي نحن امام مجتمع ستاتيك/ ساكن حركته القوى الفاعلة الاجتماعية الجديدة التي ليس لها سابقة في تاريخ العراق الحديث وكل مطالباتها لتحويل المجتمع الذي خلقه السياسيون ساكنا رتيبا الى مجتمع ذي ديناميكية حركية اقتصادية واسعة وكبيرة ، ان المجتمع حسب برودون “يستطيع تحطيم نفسه بتوطيد السلطات” الا ان شباب تشرين عكسوا هذه الرؤية فاعلوا وبنوا المجتمع العراقي بتحطيم قيد السلطات وبتسفيه احلامها بالسيطرة على الشعب واعطوا الغالي والنفيس في سبيل تحقيق هذه الرؤية مع مطالبات لتحقيق ديناميكية اقتصادية في المجتمع تحل محل احتكار الدولة للاقتصاد وكل شيء في بحر المركزية . ، حركتهم هي فوضى في راي السياسيين وهي ” فوضوية تحقق المطالب بصورة تستند الى نظرية برودون في نظرنا فهي فوضوية مطلوبة وصحيحة خارج السرب الحكومي
نحن اذن امام ضرورة اظهار ارادة شعبية ، واذ “يؤكد التصويت العام ويفاقم انقسام الاراء ، وبدلا من ان يولد تمثيلا شعبيا يستثير من جديد اعادة السلطة لاصحاب الامتيازات للاهليات والثروات ” وهذه واحدة من مساوئ الديمقراطية في العراق ما بعد 2003 اذ استخدمت طرق كثيرة منها السلاح والمال للابتزاز وادخلت في الانتخابات للالتفاف على ارادة الشعب وكرس التصويت لاعادة السلطة لاصحاب الثروات والامتيازات ولم يحرمهم منها بتاتا، فعبر الغش واختيار قانون سانت ليغو والمال تم التلاعب باصوات وارادات الناخبين وهكذا بقي هؤلاء على سدة الحكم.
يقول برودون” ان التصويت العام يفترض ذرية اجتماعية atomisme ويطلب بالحاح ان يعبر حساب الاصوات على نحو واف عن ارادة الشعب ، وفي الحقيقة ان الشغيلة المعزولين بالتصويت كل بمفرده سينتخبون الاكفاء، اي :المالكين وعليه لايكون الاصلاح الاجتماعي الذي يتطابق مع حاجات الشعب الحقيقية مؤجلا بل مرفوضا بمنهجية ” ويضيف” ان الانتخاب العام الذي يقال فيه انه يجب ان يؤمن الاصلاح الاجتماعي اذ يضع في السلطات الرجال المنتفعين ، مباشرة بالابقاء على اللامساواة في الثروات ، سوف يحول دون تحقيق الاصلاح ، وهكذا سوف يتأكد المبدأ المكرر مرات عديدة ، القائل بان الاصلاح الاجتماعي- الاقتصادي ، لن ينتج ابدا عن اصلاح سياسي وان الاصلاح السياسي هو على العكس الذي يجب ان ينجم عن الاصلاح الاجتماعي ” وهذا يجعلنا ان نثير الاسئلة التالية : هل حققت الديمقراطية في العراق الاصلاح المنشود؟ الجواب كلا اذ لم تحقق الانتخابات والديمقراطية الاصلاح الاجتماعي المنشود وبقيت الثروات مكدسة بيد الطغمة الحاكمة في حين يقبع اغلب الشعب بالفقر والالم والحرمان بل حتى الجوع، اذ بقي المنتفعون في السلطة وبقيت اللامساواة ، وهنا نحن لا نضع الخلل في التصويت كما فعل برودون ، بل نضعه في الالتفاف على اصوات الناس عبر قوانين مخادعة اشرنا اليها في اعلاه وكذلك بقوة المال والسلاح سيطر هؤلاء المنتفعون وفي ظل ضعف الدولة الشديد الذي نعيشه. ،فهل عبر التصويت عن ارادة الشعب ؟ طبعا لا بالتالي كان لزاما ان نرى اصلاحا اجتماعيا يقود الى اصلاح سياسي وهذا ما نتفق به تماما مع برودون.
ان حكومة الانسان قد تقترب كثيرا من الفوضوية البرودونية بشكل او باخر فهي تبنى على الحرية والعدالة الاجتماعية التي ارادها برودون وعز الدين سليم وارجاع السلطة للفاعل الاجتماعي/المنتج
طبقات الشعب الكادحة وابعاد الاستبداد بكل انواعه هذه رؤية برودون ، ويبدو انه في ظل حكومة الانسان سيكون لطبقات الشعب المعدمة الحضور الكبير في السياسة والاقتصاد ووفق بناء قوي ،فالدولة التي يرفضها برودون ويحل محلها الديناميكية الحركية الشعبية المنتجة ، وهي بمعنى اخر “دولة العدالة الاجتماعية ” او ما يسميه برودون الفوضوية ، ، ياتي عز الدين سليم ليقر حكومة الانسان وهي الحكومة التي يعبر فيها الفرد عن حقوقه ولا مجال فيها الا للمجتمع والسياسي في خدمته وهي بمعنى اخر “الفوضوية” اذ تقترب منها في بعض الاوجه ، التي ارادها برودون وهي(( الاقلاع عن اوهام الديمقراطية واليعقوبية والشيوعية وان نعكس صيغ الحل اصلا ، بأن نعيد للمجتمع بالكامل تمام مبادرته، ولسوف ينبغي الاقلاع عن اي انشاء جديد للسلطات ، استبعاد اي نفوذ مفارق ستكون تلك سيادة ال ” حرية الطليقة من جميع القيود” “الفوضى الايجابية”))سيادة العدالة الاجتماعية ، استبعاد الاستبداد الناشئ من السلطات ، اعادة المبادرة للمجتمع مع اختلاف في بعض الاليات ،فبرودون رفض الانتخابات والسبب انه لم ينتج اصلاح اجتماعي اذ وضع الرجال غير المناسبين في الحكم وابقى على اللامساواة في الثروات وهنا فبرودون ينشد العدالة في توزيع الثروات وهذا ما طمح اليه عز الدين سليم عبر حكومة الانسان وانطونيو غرامشي في الامير الحديث كما سنرى .
بالتالي فان ماحدث في البلاد شبيه تماما بما تحدث عنه برودون ، اذ لم تنتج العملية الانتخابية سوى مزيد من الفساد والخراب واللامساواة ، وأكدت المبدأ المكرر الذي قال به برودون بأن الاصلاح الاجتماعي /الاقتصادي لن ينتج ابدا عن اصلاح سياسي ن وان الاخير هو على العكس الذي يجب ان ينجم عن الاصلاح الاجتماعي وهذا ما حدث لدينا، من هنا فان الاصلاح الاجتماعي الذي طالب به برودون هو الذي سينتج اصلاح سياسي ، اما عز الدين سليم فيقول بالاصلاح السياسي المتمثل بحكومة الانسان الذي يجد فيها الشعب ظالته ومكانته…
اما تشابههما فيكون ان الفوضوية هي مبدأ العدالة الاجتماعية يحققها الشعب مباشرة ، وهذا يتطلب وعي كبير ، حكومة الانسان هي مبدأ عدالة اجتماعية تحققها الشعوب تحت ظل الحكم العادل وتقود للاصلاح الاجتماعي/الاقتصادي ، وهنالك مفهوم اخر تحدث عنه المفكر انطونيو غرامشي واسمه الامير الحديث فهو (نظام) لا ان يكون شخصا حقيقيا ،فردا عينيا (عنصر مجتمعي مركب فيه تلاحم الارادة المجتمعية )وهنا يضيف غرامشي الحزب السياسي ويعتبره الخلية الاولى التي تحوي عناصر الارادة الجمعية، بالتالي هو ليش كالفوضوية التي ترفض الدولة وانما هو يؤسس لدولة عادلة عبر الامير الحديث الذي تحدث عنه غرامشي بالضد من الحكم التوتاليتاري المتمثل بالامير الطاغية ومنهم اليعقوبيون (حكام فرنسا بين6/1793-7/1794) وما سمي بحكم الارهاب (وهم طبقات فقيرة مدينية حاولوا الغاء المسيحية وارساء دين العقل ) وكانوا يجسدون حكم الطاغية /الامير ، اننا اذن امام منظومة اصلاح ثقافي واخلاقي يتبناها الامير الحديث وفق نظرة غرامشي ، اي انه على الامير /الحاكم / الحكومة خلق اسس التطور المستقبلي للارادة الجمعية القومية الشعبية نحو تحقيق شكل اعلى شامل للحضارة الحديثة
الارادة الشعبية المنظمة + الاصلاح الثقافي والاخلاقي (يقوده الامير العادل) يقود الى (منظومة الامير الحديث) (منظومة سياسية حكومية عادلة)
اذن هل بالامكان حدوث اصلاح ثقافي وترقية لحضارة الطبقات الدنيا من المجتمع بدون ان يسبق ذلك اصلاح اقتصادي وتغيير في مركزها الاجتماعي وموضعها في العالم الاقتصادي؟ سؤال مهم من غرامشي يبين ان الاصلاح الثقافي والاخلاقي يجب ان يكون مرتبطا ببرنامج للاصلاح الاقتصادي بالاضافة الى ذلك فان برنامج الاصلاح الاقتصادي هو بحد ذاته الطريقة العينية التي يتمثل فيها كل اصلاح ثقافي واخلاقي.
فالامير الحديث /النظام /حكومة الانسان/ مكان الفرض اللازم في الضمير / اساس العلمانية الحديثة /اساس العلمنة التامة للحياة بمجملها وكل العلاقات التقليدية .

الفوضوية
(حكم الشعب/الفاعل الاجتماعي الاصلاح السياسي
/الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي)

برودون

حكومة الانسان الاصلاح الاجتماعي +الاصلاح
(اصلاح سياسي حقيقي) الاقتصادي
سيادة الشعب
عدالة اجتماعية
عز الدين سليم
الفوضوية امام الفوضى الايجابية ، الحرية الطليقة من جميع القيود، والتي تحقق العدالة الاجتماعية و سيادة الشعب ، حكومة الانسان تسير وفق مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية لكن تحت ظل اصلاح سياسي فكلاهما اذن ضد الطوباوية في الشعارات /شيوعي و اسلامي ، ديمقراطي ضد ان يصار الى انشاء سلطات تنقلب مباشرة ضد المتطلبات الشعبية ، كلا المبدأين يؤمنان بهذه القضية ، وباعتقادي ان قضية الاصلاح الاجتماعي تؤسس للاصلاح السياسي وهي الطريقة المثلى لكن يتطلب ان يكون للوعي الدور الكبير في احداث التغيير المنشود وهذا برأيي تحقق بدماء الذين تمت تصفيتهم في ثورة تشرين اذ ان الحركة الاصلاحية الاجتماعية الشبابية حققت اصلاحا سياسيا واضحا عجزت القوى السياسية عن تحقيقه ولو كلاما.
والسؤال :هل بالامكان تحقيق الاصلاح السياسي تمهيدا للاجتماعي /الاقتصادي؟ الجواب: نعم في ظل حكومة الانسان ل=العادلة وهذا مالم يتعرض له برودون وتحدث عنه سليم مع الفارق طبعا.
صحيح ان الفوضوية تغفل وترفض الحكومات ومفهوم الدولة ، لانه في الغالب يؤسس للاستبداد وهدف الثورة ضد اية دولة مستبدة هو ارجاع سيادة الشعب الى الشعب ، اي : ان نرجع اليه مالم يتوقف استلاب السلطة عن اغتصابه منه ، هذا في ظل الفوضوية لكن هذه الاعادة لا يمكنها ان تحدث الا بخلق تنظيم اقتصادي جديد يجعل من شعب منقسم عمليا ونظريا ، فاعلا مفكرا وفعالا بالاجماع ، والسؤال : الا نستطيع في ظل حكومة الانسان ان نجعل الشعب المنقسم بين الطوائف والمذاهب والفرق والعرقيات ان يكون فاعلا مفكرا فعالا منتجا ، الجواب: نعم نستطيع وفق اتاحة الفرصة للجميع في حكم الدولة وابعاد المنتفعين والاحزاب النفعية والفئات السلبية عنها كونها فئات لا تعمل بشكل ايجابي لحل المشاكل واقامة دولة العدالة .

نبقى مع برودون الذي يصر من خلال الفوضوية ان يقدم علاجا فعالا لوحدة المجتمعات يتضمن “ان وحدة الشعب وسيادته لا يمكنهما ان تتحققا الا من خلال اعادة تنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تحطم الاحتياز على القوى الجماعية وتقيم المساواة وتخلق بين الجميع علاقات من التضامن والتبادل” وهكذا نجد ان النظام في العراق لم يستطع ان يحقق هذه المضامين المهمة من تحطيم الاحتياز فما زالت القوى الضالعة في الاحزاب تحتاز كل شيء حتى ارواح الناس المخالفة لها في المنهجية اذ تعمل على تصفيتها ولم تخلق المساواة ولا يوجد علاقات من التضامن والتبادل .
الفوضوية بمعنى اخر هي عبارة عن مشروع اقتصادي اصلاحي يجعل من الفوضى ممارسة حقيقية او ما اسماه برودون فوضى ايجابية .ولو ناخذ من نظرية برودون رؤاها بالاقتصاد وابقينا على الدولة لاستطعنا ان نخرج بصيغة تجمع بين الدولة والفوضوية تتضمن تنظيم القوى الاقتصادية وتطبيق الشروط لتنظيمها وتفعيل دورها مجتمعيا لضمان وجود مجتمعات متماسكة فالقوة الاقتصادية تعني كل صيغة فعل تجد بها نفسها قدرة العمل متطورة وهذا هو راي برودون فلو عملت الطبقة السياسية على انشاء اقتصاد متين تصهر فيه القوى العاملة لانتهت الاحتجاجات ولقامت دول قوية بعيدة عن الضعف الكبير الذي تمر به اليوم ويصبح المجتمع مجتمعا قويا ثوريا عادلا لا يؤمن بالتقسيم وبالتفرد في القرار لان النفوذ الاقتصادي له سيمكنه من تحقيق العدالة .
بالتالي نحن امام تاسيس مجتمع اقتصادي يتمكن الشغيلة فيه من تنظيم انفسهم من دون ان يتعلقوا بالاستغلال الراسمالي، وهذا قد اجده يوتوبيا بعض الشيء الا اننا نطمح بتحقيق التنظيم المجتمعي الاقتصادي، فالاتفاق الاجتماعي/الاقتصادي سيكون ذلك الصك من العدالة التوزيعية حيث الناس والتجمعات وتبادل السلع والتخلي عن اي طموح الى السلطة الى الغير ، وهذا هو نوع من العقد الاجتماعي. غير المتحقق في العراق
في حين ان العقد السياسي الذي يفترض استلابا للحرية الفردية لحساب الجميع وتكوين سلطة خارجة عن الارادات (ميليشيات تقوم هكذا نوع من العقود) ويتضمن العقد الاجتماعي بالاضافة الى تبادل السلع الخدمات الاستقلالية ، الحرية ، ان يكون عقدهم موقعا وموافقا عليه من قبل جميع اولئك الذين يشتركون فيه.
يجب كذلك الا تكون هنالك سلطات خارج حدود العقد وان تفرض اراءها بالقوة على المتعاقدين ، فعلى هذا النموذج من الصلة الاجتماعية يجب ان ينبني مجموع التنظيم الاقتصادي، فتحل هذه العقود محل النظام السياسي ، ونحن لا نميل الى الغائه بل الى التخفيف من وطأته وجعل المبادرة الكبرى بيد الناس وفق هذه التراتبية المتينة بالتالي فان الفعالية الاقتصادية وهذا ما اراده برودون تميل الى امتصاص الفعالية السياسية …
وهنا تنشئ المساواة وتاسيس نظام اجتماعي اقتصادي قوي لا يكون للاستلاب السياسي الممثل بالقوى السياسية الفاشلة دور فيه.
الدور الاساسي في الفوضوية يكمن في القوة الجماعية التي تنشئ من المجتمع بعيدا عن الدولة في نظر برودون وبتمكين الدولة لها في نظرنا في الحالة العراقية ، بداية كيف تنشئ هذه القوة الجماعية ؟ ان القدر الاعظم من الحرية يعمل على نشوئها. كذلك فانها تكون كقوة مجتمعية تنبثق عن جماعة فعالة ومرتبطة بعمل، طبعا برودون يعول على الشغيلة الصناعية ، لكننا في العراق لايوجد لدينا هكذا قوة اجتماعية ، فبالامكان ان تؤسسها الدولة لتنشئ مجتمع قوي ، ولكن الدولة هي كما مر ذكرها دولة استبداد ريعية ثيوقراطية ، كيف تستطيع ان تنشئ هكذا قوة ، اذن نحن امام فعاليات المجتمع فحسب ونعول عليه ولا نعول على دولة الفساد. وهذا التعويل زاده املا ما فعله شباب تشرين من اثبات قوتهم الجماعية لكن ليس في سياق العمل بل في سياق الحريات والمطالبات بالعدالة الاجتماعية .
وهنا فليس بالرباط الاجتماعي وحده يكون الدعامة للعمل الجماعي، وليس مجرد العقد الاجتماعي هو الذي يوفر للمجتمع قوته وقدرته.
فالقوة الجماعية لا تصدر فقط عن الجماعة بل عن جماعة منظمة وفقا لقواعد عمل حقيقية وترابط حقيقي. بالتالي يجب ان تحترم المبادرات الفردية او الجماعية . كذلك ان يكون للامركزية الاقتصادية دور اساسي فيجب ان ترجع الحرية في القرار للمنتجين وفي الادارة اليهم بعبارة اخرى ان يعاد للشعب مبادرته المباشرة وهذا ما اراده برودون ، اما ان تبقى الدولة مسيطرة سيطرة مباشرة على العمل واساليبه وتعين من تشاء فيها فهذه اشكالية كبيرة . نحن نعيشها اليوم انما يجب ان تهيء ارشدة مناسبة للعمل وتترك اساليبه وقراراته للمنتجين ، بالتالي ينشء لدينا مجتمع اقتصادي واضح المعالم ومنظم
فيجب ان يتوفر لدينا لضمان مجتمع اقتصادي منظم ، الادارة المستقلة والمبادرة لدى المنتجين فيصبح له الحرية تمامها في ادارة انتاجه وفي تنظيم عمله هذا فيما يخص الفلاح مثلا ويعتبر برودون ان الفلاح في ظل النظام الملكي هو في ظل فوضى غير جيدة له ، في حين عندما تتحقق الشروط التي تحدثنا عنها من ادارة مستقلة وملكية له وحرية تامة سيكون الفلاح منتجا مبهرا. وعلى هذا المنوال يكون الامر على صعيد الانتاج الحرفي والتجارة الصغرى حيث يجمع المشروع عددا من الشغيلة والمهم “ان تبقى هذه المشاريع المستقلة داخل العلاقات التضامنية لكي تتيح السير الحر للمنافسة ” ويشدد برودون “على ان حرية المباشرة على هذا المستوى لا بد من ان تكون محترمة والمجازفات مصانة لكي تؤمن حرية الانتاج” ويشدد كذلك على ان ” الاشكال القانونية للمشغل ، كيفية توزيع الارباح يجب ان تترك للمساهمين” وهكذا هو يطالب بان تحافظ المشاريع الصغيرة على حريتها وتشكل مراكز استقلال موحدة بمقدار ماهي منفصلة بالقواعد العامة للتضامن والتنافس ويمكن ان تبقى في حدودها حرة تماما بعيدة عن سلطة الدولة والاحزاب في ادارة انتاجها. المهم في القضية ان يكون العمال حائزين على الادوات وليست الدولة وان يكونوا مسؤولين عن انتاجهم وينظم هذا الشيء بشكل واسع ومفهوم . من قبل المختصين فالشركة العمالية محكومة بعقد يجب ان يكون ذلك العقد محددا لصلاتها مع المجتمع ويحدد حقوق اعضائها وان تتعهد بالخضوع لقوانين التنافس وبالاطلاع على حساباتها والمجتمع يحتفظ بحق حلها في حالة الفشل فالشركة العمالية تكون مرتبطة بالجماعة بعلاقات التضامن وتتعلق بالجماعة ولها الحق باحترام التعهدات المتخذة . ويخضع العمال للتدريب لكي لا يكونوا ضحايا عدم المعرفة.
ويوضح برودون اليات كثيرة كفيلة بان يكون للمجتمع ككل دور في العمل ومع صعوبة تطبيق هذه الامور في مجتمع راسمالي الا انه بالامكان تطبيق الحد الادنى منها لغرض تحقيق العدالة الاجتماعية كحد ادنى ومن قبل الدولة، وهنا نخالف برودون الذي يدعو الى طمس دور الدولة . فيحدد ان الموظف يجب ان يكون مساهما في ادارة المشروع وهذا بالامكان تطبيقه وان تكون بعض الوظائف بالانتخاب وان يشارك جميع العمال في هذه الاقتراعات كذلك فان الوظائف العليا التي كان اشغالها فيما مضى يتم من عدد قليل من اصحاب الكفاءات يمكنها ان تعود للعمال القادرين على القيام بمهامها، وهذا ممكن ان تطبقه الدولة وتشرف عليه اذا كانت حكومة انسان كما ارادها عز الدين سليم ولكن ليس بنفي الدولة في ظل الفوضوية التي ارادها برودون لصعوبة التطبيق الذي المحنا اليه. ان برودون ونحن معه تماما هو بالضد من النظام الحكومي الذي يميل الى امتصاص جميع القوى الاجتماعية في وحدة تعسفية بيروقراطية ، هو مع تعدد مراكز الانتاج وهذا باستطاعة الدولة العادلة اقامته فالنظام المركزي هو سبب كل مشاكل البلاد ، لذلك اتجهت الانظمة المتطور الى الفدرالية السياسية ناهيك عن الاقتصادية وهذه الفدرالية من الممكن ان تنظمها سلطة اتحادية تكون رباط سياسي الا انها لا تتدخل فيها . لسير التوازنات الاجتماعية .

الامير الحديث والفوضوية وحكومة الانسان: تحدث معظم الكوارث السياسية لانه لا توجد اية محاولة لتفادي التضحيات وهذا ما ذكره غرامشي في كتابه الامير الحديث الذي اسس من خلاله لهذا المفهوم . ومثالنا على كلامه هذا ان السياسيين ضحوا بالشباب وبدمائهم في حالات غير ضرورية بتاتا وما كانت لتحدث لولا اهمالهم وكان بالامكان تفادي وقوعها ، وعلى راس هذه القضايا سقوط الموصل مثلا التي راح ضحيتها الالاف من القوات الامنية والمدنيين والسبب هو الفساد والاهمال لكل التحذيرات التي وصلتهم بخصوص الوضع الامني في الموصل ماقبل داعش وحالة الاستياء العامة التي مهدت لسقوط المدينة وسقوطها بحضن التطرف لسنوات عدة ، بالتالي لم تستطع الحكومة احتضان المدينة بدلا من رميها لقمة سائغة لداعش ونتيجة لذلك حدثت كارثة جمعية /سياسية فالحكومة لم تحاول ان تتفادى هذه التضحيات الكبيرة والتي لم تكن ضرورية ، اي كان بالامكان تفاديها ومنع سقوط الموصل .
كما اكد غرامشي انه يجب وبعد هذه الكوارث انه يجب تحديد مسؤوليات القادة بعد كل هزيمة ، والسؤال هل حددت المسؤولية وحوسب المسؤولون عن احتلال العراق من قبل داعش؟
ومن خلال الاحزاب ممكن ان يفرز “القادة” والمقدرة على القيادة ، ويعتبر غرامشي “ان كل من يسمون انفسهم بالمستقلين هم : حزبيون الا انهم يصبون لأن يكونوا قادة احزاب بمساعدة الفيض الالهي وغباء من يتبعهم” وهذا مالاحظناه في الحالة العراقية اذ نجد ان الكثير دخل للحكومة تحت عباءة الاستقلالية وهو كذب كبير ما خلا عدد لا يعتد به ، بل ان الاحزاب العراقية ادخلت “المستقلين” تحت عباءتها لكي تنهب وتسلب وتستحوذ تحت نطاق واسع .
بالتالي فان هؤلاء المستقلون هم ليسوا كذلك او انهم كانوا كذلك قبل اختيار الاحزاب لهم فاضحوا حزبيين بعد اختيارهم . كما شدد لشيوع حكم رشيد على ضرورة توفر “روح الخدمة العامة” فغرامشي مع وجود حكومة تخدم الانسان وتتمثل بالامير الحديث بالتالي هي شبيهة بحكومة عز الدين سليم “حكومة الانسان” وهي بالضد من الفردية ،فغرامشي يريد ان الداعي للامير الحديث /الحكومة الرشيدة /دولة الانسان او حكومته /الفوضوية باعتبار ان كل هذه التسميات تحوي عنصر مشترك بينها او ايلاء الانسان الاهمية العليا اثناء الحكم مع الاختلافات التي اشرنا اليها .
فمثلا الامير الحديث يتوجب وجود احزاب بدلا من الفرد فهو يرفض الفردية .
دولة الانسان /حكومة منتخبة وفق اسس عدالة اجتماعية /عز الدين سليم.
الفوضوية /برودون /عدالة اجتماعية بعيدا عن مفهوم الدولة .
لكن الجميع يتفق على العدالة الاجتماعية فعز الدين سليم يفكر بحكم الاغلبية تجد فيه الاقلية مكانها الحقيقي بعيدا عن التهميش لذلك عبر عن ان الاسلام يفشل في حكم الدولة وطالب بحكم مدني اسماه حكومة الانسان يجد فيها الجميع مكانه الحقيقي ، في حين وجد غرامشي ان الحزب الذي يريده متحققا في الامير الحديث بعيدا عن النظم الكلانية (التوتاليتارية) Totalitarian فهو رفض الحكم الشمولي كما رفضه سليم وبرودون لكن بطرق مختلفة افضت الى نفس النتائج. (غرامشي رفض الامير بصيغة ميكافيلي، سليم رفض الاستبداد بصيغة صدام حسين وحكم البعث، برودون رفض حكم اليعاقبة والملكيات) .

ان الفوضوية تؤسس نفسها وفق احزاب ودولة ، ولكن بشكل غير مباشر وهذا ما اشار اليه غرامشي ” اي حزب يقدم نفسه بغير تحفظ، على انه حزب تعليمي واخلاقي وثقافي” :تلك هي الحركة الفوضوية التي تعتبر حتى ما تسميه بالعمل المباشر (الارهاب) دعاوة بالقدوة.
تاخذ الحركة الفوضوية هذا الطابع غير المباشر ،لانها معادية مبدئيا لكن اشكال الدولة وسلطة الدولة ،غياب الدور السياسي فعلا ، اي” القائم في اطار السلطة يؤدي الى تحويل الفوضويين لكل صراع ذي طابع سياسي الى نضال ذي طابع تعليمي بحت”
والشكل التالي يوضح الفرق بين الامير الحديث،حكومة الانسان، الفوضوية ….

الامير الحديث احزاب الحكم الرشيد الدولة
تؤمن بالانسان

حكومة الانسان احزاب، مؤسسات الانسان قيمة
افراد، حكام عليا،دولة عدالة
اجتماعية،دولة انسان (بمعنى ان الاحزاب تكون ثقافية تؤمن بهذه المبادئ)

الفوضوية احزاب ثقافية تعليمية (صورة غير مباشرة للاحزاب، حركة موجودة على حافة الاحزاب مجتمع عدالة بعيدا عن مفهوم الدولة .
اذن هنالك احزاب كبرى في الفوضوية وهنالك فوضوية كامنة في كل حزب عضوي ، يقول غرامشي” ما الفوضويون الفكريون او النخاعيون ان لم يكونوا احدى نواحي هذه الهامشية بالنسبة للاحزاب الكبرى التابعة للفئات الحاكمة” اذن نحن امام نوع من الحكم فيه فئات واحزاب غير ظاهرة تقودها الفوضوية التي تعيش على هامش الاحزاب، وهي ليست حزب الجماهير ،بل هي حزب النخبة التي تقود الجماهير ، عكس ما يريده غرامشي في الامير الحديث او عز الدين في حكومة الانسان.
ولكن اي حزب يتحدث عنه غرامشي هل هو حزب العواطف ، الحزب الذي اسسه (فلان العظيم) ويبنى مجد للحزب عليه مع فشله الذريع ام الحزب ذي الفعالية الحقيقية الفاعلة في الساحة .
وهنا يشير غرامشي الى عدة نقاط تحدد اهمية الاحزاب وتكشف فشلها من نجاحها:

الفئة الاجتماعية التي يكون الحزب تعبيرها وجزءها الاكثر تقدما ، بكلمة اخرى على تاريخ الحزب ان يكون تاريخ فئة اجتماعية معينة (لها اصدقاؤها، حلفاؤها، معارضوها،اعداؤها) وتكشف هذه الفئات مجتمعة واقع الحزب الحقيقي للمتصدي لتاريخه من خلال قراءته للتناقضات ما بين مؤيد ومعارض.
مجمل النشاط وانماط الوجود التي يوضح الحزب عبرها عن ارادته.
لن ينبثق تاريخ حزب معين الا من خلال الصورة . المعقدة للحياة الاجتماعية ولحياة الدولة …بالتالي يعتبر غرامشي انه يمكن القول بأن كناية تاريخ حزب ما هي في الواقع كتابة التاريخ العام للدولة من وجهة نظر جزئية في سبيل ابراز جانب مميز من جوانبها، فسيكون للحزب اهمية ووزن كبيران او صغيران، بالتحديد تبعا للدور الذي لعبه نشاطه المستقل في تاريخ تلك الدولة ، وهكذا نستطيع ان نقرا تاريخ حزب البعث عن طريقين، الاول : من كتبه من اتباعه ومتشيعيه وهم يمثلون وجهة نظرهم وسيشكل بالضرورة جزء من تاريخ العراق من وجهة نظر جزئية .
والثاني : من وجهة نظر الحياة المعقدة للدولة والمجتمع التي خاضها الحزب معهم ، وهذه تشكل وجهة نظر تكاد تكون حقيقية لما عرف عن الحزب اثناء حكمه، من استبداد، محبة من قبل الناس ، كره للحزب من قبلهم، هذا ما تنتجه الحياة ، الاجتماعية تجاه الحزب، فمن خلال حكم الاحزاب للبلاد تستطيع ان تحكم عليها مستقبلا ، فتحت ظل حزب معين مثلا تتعرض البلاد لاسوء حالة اقتصادية ، من المسئول ؟حتما ذلك الحزب او حالة امنية غير مستقرة وسيئة ،والمسئول هو الحزب الحاكم ايضا.
لذلك فان مغزى الامير الحديث برأيي: هو ايجاد طرق حل من خلال الحكم الرشيد ،النظام المستقر .
اما اذا بقي الحزب وفق(الحماس الصوفي) لدى مريديه بعيدا عن الواقع التطبيقي فسيبقى حزبا يبهج المتشيعين له من كتاب وايديولوجيين.
اما :المؤرخ الذي يعطي كل حادثة اهميتها الخاصة ضمن اطارها المعين سيركز على الفعالية الحقيقية للحزب.
اي: على مقدرته على تجديد حادث ما ، وعلى مساهمته الايجابية او السلبية في خلقه ، بمعنى اخر هو مؤرخ حقيقة لا مؤرخ سلطة /احزاب.
ولنسأل سؤال حول “متى يصبح الحزب ضروريا تاريخيا”؟ يجيب غرامشي “عندما تصبح شروط انتصاراته وحتمية تضلعه بسلطة الدولة في حالة النشوء والتشكل وان تكون متطورة” وسؤالنا الحتمي والابدي لكل من سيقرا الحالة العراقية اليوم او بعد الف سنة ويقرا هذه الفترات ،هل ان الاحزاب العراقية وصلت الى انها اصبحت ضرورة تاريخية للبلد؟
للاسف لم نر شروط انتصارات هذه الاحزاب في حكمها للدولة ونجاح هذا الحكم في حالة نشوء على الاقل ناهيك عن التشكل ، بمعنى هي لم تستطع ان تصل عتبة النشوء في حالة النجاح فكيف بالامكان ان تصبح ضرورية ، ولنناقش الية وجود الحزب اذ ينبغي تضافر عناصر ثلاثة يذكرها غرامشي لايجاد حزب معين ونتساءل هل تحققت في الحالة العراقية ؟ يتبع في دراسة قادمة ….