ملحوظة: مر الاعلام العراقي بمرحلة مخاض عسير بعد اطلاقه من قفص العبودية والتسخير وبدأ يتخبط حتى خرج عن توصيف السلطة الرابعة حين بدا بالانزلاق في متاهات الشخصنة السياسية وبعد عشر سنوات طالت يد الصحوة النزر وحين التفت الى الوراء تفاجأ بشعب مظلوم يسير خلفه بصمت وينتظر كلمته بفارغ الصبر وهذه واحدة من صحوة الاعلام العراقي تبنتها قناة الشرقية ….عودة حميدة…!…
حاز هاتفها المحمول على اخر قطرة اهتمام من عينيها المتهالكتين نعاسا ، صورة حشرت بين اصبعها ونوبة التثاؤب ، ووميض احتضار شاشة المحمول وعقرب الساعة المهرول نحو الثالثة صباحا. الانسانية والامومة والوعي لو خلطت معا تشكل ثالوثا كونكريتيا و قوة هائلة تفوق حتى متطلبات العقل البشري وحاجاته الحيوية ، كافحت بكل ما تملك من قدرة جسدية وذهنية ان تلحق الصورة قبل غفوة المحمول واسوداد شاشته ولم تفلح ، وهادنت اليأس عند خيار الحرب الدائرة رحاها بين عواطفها والانسانية المهملة المعذبة المبعثرة بين سلال القمامة البشرية والاهمال وعلى الارصفة المنسية وتحت اقدام الفوضى والجهل السياسي والطمع المتوحش و المواقحة في الاهمال ، وانطلق الفعل المبهر، وايقنت راسخا انها ام عراقية حتما ، شيء مألوف منها لا يقبل ريبة او جدال او شك مادام عبق الحنان والحب و الامومة والانسانية يسيل من جبهتها السمحاء وقلبها المرهف بغزارة ويغطي الارصفة والشوارع وهذا شأن وميزة تنفرد بها الام العراقية عن امهات العالم برهنت نفسها من خلال الويلات التي مر بها العراق ولا تزال تسكن بيوته وشوارعه وأزقته ….!
استلت سيف حنانها البتار حين حركت رأسها بعفوية وقسرية وصعقت فوق شاشة المحمول بشهقة يسمعها القلب المثقل بحس الامومة الفائضة عن المألوف وانطلقت نحو مركبتها دون تفكير تحت معطف المطر الغاضب وعباءة الليل السوداء ولسعات الصقيع وخيمته المبهمة في حقبة متأخرة ومحملة بالنعاس ، ويشير الشفق اصبعه نحو الصباح ، امتطت مهرتها وبدأت تلاحق الشوارع وتتلمس الازقة باحثة عن الصورة المعذبة ، لا رابط بينهما سوى الانسانية فحسب…!… تقف مع كل حس بشري وتسأل عن مجهول عزيز وعن صورة لا تعرف صاحبها الا بعفوية وغريزة الامومة وبحميمية الام العراقية ، تبحث عن ابرة بين قش و ترفض الانزلاق في متاهات الحذر والشك والعلاقات والتساؤل ، فهي ام مع بحث متجرد يتعلق بطفل مشرد فقط عندما اغمضت كل الاعتبارات اعينها بين جدران الموقف الا عين الانسانية فهي اوسع بحدقاتها من كل الاعتبارات والقوانين وعالم الامومة ارحب واكبر….!؟
وتوقف المهر امام رائحة الخبز وهدير التنانير وفتح باب التساؤل تحت اشارات الاصابع نحو كومة بشرية على الرصيف بين ظلمة السماء وغيثها المتسارع لينتهي الموقف من واجب ملقى على عاتقه وقبل هطول ضياء الشمس ترجلت بتوق وارتباك ولهفة نحو تلك الكومة لترفع الغطاء وتحته صورة العراق المغتصب و المعذب المجلود بسياط الفقر والخيانة والاهمال ، كنز من براءة وبؤس وحمل ثقيل من تقصير وظلم وانتهاك وحرج وعوز وبؤس يسير على قدمين ولم يبلغ سن الرشد بعد ، يحمل فوق اكتافه واجب دولة متخاذل واخطاء سياسية وعلم يخفق بخجل وانكسار و نفاق عهر مسؤولية مقترن بوقاحة اهمال لا تدرك لغة الواجب ولا تعرف شيئا عن بلد ولدت و ترعرعت بين بين اكتافه…!..بحب و حنان يسلب اللب ويسرق الدمع من العيون بقسرية التفاعل والالفة احتضنت الامومة المأساة وركضت بها نحو مركبة الامان مع ارضاء كاف لفضول الحاضرين بتعريف واف عن شخصيتها وعنوانها ورقم هاتفها احتراما للاعتبارات والقوانين والاعراف والذوق الانسانية وقتلا للبس والريبة والشك…..!؟
ساعات قليلة ، وشارك اثير متحمس جاد تلك الانسانية المهملة بخبر يصور انسانية الأم العراقية وهي تصرخ بمسامع اصحاب القرار الطرشاء المليئة بالجهل والاهمال واللامبالاة تستحثهم بوابل الاحتمالات للتصرف واداء واجبهم الملقى على عاتقهم بحماية الطفولة، على الاقل…..!؟ ولم يهز شعرة من رؤوسهم مشهد طفل مستضعف لم يبلغ سن الرشد وهو ينكب على صيد رزقه من مجهول يسكن في شوارع العاصمة لمدة يومين يفترش لياليهما الرصيف فراشا وفي العراء وتحت رحمة المطر والصقيع وحين يؤمن ثمن قوت والدته واخوته يغادر العاصمة نحو مدينته ، التي تبعد عن بغداد بثلاثين كيلو مترا وما يزيد ، حتى اصطدم صدفة وانسانية ام عراقية ، صورة نشرت فوق صفحات التواصل الاجتماعي( الفيس بك ) غطت بواجبها الانساني طوفان النزق والطيش الرسمي الغائب كاملا……!!…اسكنته بيئتها و شملته باهتمام الام…! …..وعدنا مرة اخرى نسكن هاجس الانتظار ونصافح يد التوجس فهي فوبيا مستديمة فينا …!؟