18 ديسمبر، 2024 10:03 م

الامن الاجتماعي في ملحمة كلكامش

الامن الاجتماعي في ملحمة كلكامش

الأمن الشغل الشاغل للإنسان منذ الازل ، باعتباره العامل الجوهري الذي يحفظ الوجود الإنساني ويمنحه مكانه في الحياة بكرامة، لذلك فقد رافق تصور الحياة المطمئنة الآمنة كل العصور والأزمنة، بما يتفق مع الفطرة التي جبل عليها البشر وهي غريزة البقاء، وغريزة الدفاع عن الحياة وسلامة الجسد والحرية ، وتطورت أساليب الدفاع والحفاظ على الأمن بتطور وسائل التقنية التي توصل إليها الإنسان، من العصور البدائية والحجرية إلى الزراعة فالصناعة وعصر المعلومات ، ملحمة كلكامش قصيدة ملحمية من آداب بلاد الرافدين تعتبر اقدم عمل أدبي عظيم وصلنا حتى الآن، احداث الملحمة دُونت قبل 4000 عام ، وبحسب عالم الاثار والمؤرخ العراقي الراحل طه باقر فانها تعتبر اوديسة العراق القديم .

في ملحمة كلكامش تناولت كثير من الموضوعات واهمها الامن الاجتماعي ، أن الملحمة تزخر بصور رائعة لمواضیع إنسانیة حساسة ، فهناك الحب والصداقة والبغض والحقد والأماني والحنین إلى الذكریات والبطولة والرجولة والمغامرات والرثاء.

تجتمع كثير من الصفات الجليلة في هذه الملحمة ليثار حولها ذلك الاهتمام النظري الكبير من الناس بمختلف أصنافهم ، فهي أقدم نوع من أدب الملاحم في تاريخ جميع الحضارات إذ كتبت قبل ملاحم هوميروس بأكثر من ألف عام ، ثم هي أطول وأكمل ملحمة عرفتها حضارات العالم القديم. ورغم أنها قد دونت قبل اكثر أربعة آلاف عام وترجع حقبة حوادثها إلى أزمان أخرى بعيدة، إلا أنها ما تزال خالدة وذات جاذبية إنسانية في جميع الأزمنة والأمكنة، لان القضايا التي أثارتها وعالجتها لا تزال تشغل بال الإنسان وتفكيره وتؤثر في حياته العاطفية والفكرية مما جعل مواقفها مثيرة تأسر القلوب

على الرغم من إن الملحمة تدور حول شخصية مهمة واحدة هو جلجامش وإنها مليئة بالمادة الآ أنها تعج بالمعلومات التاريخية المهمة حول بدايات العصور التاريخية كان جلجامش ملك على مدينة أورك وكان حاكما ظالما ويضطهد رعيته بشدة ، ومن ظلمة ضج رعيته وشكوه عند الآلة انو فسمع شكواهم واستجاب لهم ، فخلق ند لجلجامش واسماه انكيدو وجعله يربا في البرية مع الوحوش ، ثم يلتقي انكيدو وجلجامش ويتصارعا إمام الناس صراع شديد وثم يتصالحا ويصبحان صديقين حميمين ويسيران ليقاتلا ملك غابات الأرز خومبابا الوحش الجبار وبعد معركة حامية يقتلا خومبابا ، ويعودا إلى أورك فيمرض انكيدو وبموت ويحزن جلجامش لذلك حزنا شديد ويلبس السواد واخذ يجوب البراري .

هناك بعض الموضوعات في الملحمة اثارت اهتمامي في مجال الامن

1- انكیدو إنسان بدائي متوحش، كان يشكل تهديدا خطيرا على امن مملكة اورك ، فاتبع الخصم أسلوب ترويض الشرير بارسال احد بغايا المدينة لانتزاع هذا الخطر وما قامت به من مجهود لترويضه وجعله مؤهلا لعالم المدينة والتحضر بعد انتشاله من عالم البرية وانتزاعه من معاشرة الوحوش، لذا نراه یغدو إنسانا متمدنا وكانما هذه الامراءة انتزعت وحشيته .

2- هناك صورة تمثل الرجولة والخصومة الشريفة المنزوعة من الأحقاد، وذلك الغضب العارمة التي تفجرت من كيان كلكامش ضد انكيدو عندما تصارعا لاثبات القوة ، تمكن من السيطرة على هذا البركان من الغضب حالما استنفذ غايته ولم يخرج غضبه إلى باطل ، فنراه وهو في قمة الاقتدارعلى خصمه بعد أن صرعه أرضا، نراه بكل هدوء يستدير ليمضي، لقد قرر العفو عن أنكيدو ، لأنه يعلم أن هذا الأخير أهل لان يعفو عنه، لأنه ليس من الحكمة أن تكون غضبا عند القتال، حيث انتهت العداوة بصداقة أسطورية بينهما

3- بعد هذا الحدث یتعاون مع كلكامش على إزالة كل شر من وجه الأرض وتحقيق الامن الاجتماعي لمدينة اوروك ويتفق البطلين بالتعاون لتحقيق الامن وهما يمثلان عنصرين مهمين للامن (الحكمة والقوة ) حيث عقدا العزم للمخاطرة بنفسيهما في رحلة يكاد تنعدم فيها فرص النجاة للقضاء على (العفريت خمبابا) العفريت الذي يحرس غابة الأرز/ اصل الشر في العالم إنها رحلة يجفل لها قلب الصنديد مجرد أن تطرق سمعه ، إنها من صفات الرجال العظماء، النفوس التي زكيت وراضت أهواءها وميولها

انها رحلة البحث عن الحقیقة لیس البحث المجرد ، بل إنها مغامرات وأسفار یدفع فیها المرء روحه قربانا إنه جهاد للاعتلاء بمعنى الإنسان وامنه والبحث نحو الفضیلة والحق والخیر والجمال ، انه جهاد البحث عن الحقیقة والعمل على نصرة الحق وعلو رایة العدالة

إنها تنبؤنا بلسان حالها إن الإنسان العراقي منذ فجر التاريخ كائن باحث عن الحقیقة لیعتنقها وباحث عن الامن الشخصي والاجتماعي والإنساني