أن إيماننا بالله سبحانه وتعالى يدعونا إلى العمل والالتزام بما يأمرنا الله به وينهانا عنه فالالتزام بالشريعة المقدسة هو تجسيد عملي للإيمان بالله سبحانه وتعالى .
والمهم هو مراعاة ما وجِبَ من الشريعة وما حُرمَ لأن استحقاق العقاب هو بترك الواجبات وفعل المحرمات بل أن معيار العدالة في الشريعة هو الالتزام بالواجبات والارتداع عن المحرمات ومن هنا جاءت وظيفة الهداية ( أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) جاءت هذه الوظيفة المقدسة كضمان للحفاظ على المجتمع متماسكاً ملتزماً بأداء الواجبات وتاركاً للمحرمات..
ولهذه الوظيفة المقدسة شروطها ومقدماتها ومراتبها وليست هي بمزاج من يتصدى لها بحيث أنه يتصرف بما يحلو له أنى شاء ومتى شاء وكيف شاء لا وألف لا بل نقول لجميع هؤلاء اتقوا الله في عباد الله ونحن ننهاكم عن هذا المنكر ونأمركم بالمعروف ..
كيف يعقل أن شخصاً يريد أن يطيع الله ويطبق الشريعة بتصديه لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يعصي الله من حيث يريد أن يطيعه، يعصي الله لأنه لم يتفقه في الدين ولم يتعلم أحكام هذه الوظيفة المقدسة التي هي واجبة على الجميع وجوباً كفاءياً ولا يختص بفئة دون فئة بل الجميع مكلفون بهذه الوظيفة المقدسة…
ومن الخطأ أن يتصور الفرد أنه غير مكلف بها بل أنها تجب على الجميع وعلى مستوى الفتوى فأن السيد الشهيد محمد الصدر (( قدس)) في منهج الصالحين يؤكد على هذه الفكرة قائلاً (( كما جاء في مسألة (2213) لا يختص وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء وغيرهم وعلى العدول والفساق وعلى السلطان والرعية وعلى الأغنياء والفقراء ، إلى غير ذلك كما لا يختص المأمورون بالمعروف والمنهيون عن المنكر بصنف من الناس أيضاً بل يسري هذا الوجوب على كل مكلف آمراً كان أو مأموراً مع اجتماع الشرائط )) انتهى كلام السيد الشهيد محمد الصدر( قدس) .
أقول والشرائط التي عند اجتماعها تجب هذه الوظيفة هي :-
أولاً :- معرفة المعروف والمنكر ولو إجمالاً . فلو جهل الفرد أن هذا الفعل منكراً أو ذاك الفعل معروفاً لم يجب الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر.
فهل يا ترى يتحقق هذا الشرط في منْ هو جاهل وغير متفقه بالأحكام ؟ والجواب:
لا يتحقق هذا الشرط وبالتالي لا يجب عليه التصدي لهذه الوظيفة المقدسة ونحن ننهاه عن المنكر ونقول له: لا تتصدى ما دمت غير متفقه وجاهل بل الشريعة هي التي لا تجيز له ذلك لأن انتفاء الوجوب هنا معناه انتفاء المشروعية لأن هذا المورد من الموارد التي إن جازت
وجبت أي إذا أصبحت مشروعة فمشروعيتها على نحو الوجوب وإلا فهي غيــر مشروعــة انتفاء الوجوب .
ثانياً :- من الشرائــط الــتي ينبغي اجتماعها فــــي هذه الوظــيفة هو احتمال تأثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما بإنجاز ما يقــوله الآمـر وأما بتعـلم الفاعـل وتأثيره النفسي والعقلي الأمر وأن لم يطبق عملياً ويكفي الاحتمال في ذلك ولا يجب العلم بالتأثير .فمجرد الاحتمال
كافٍ فضلاً عن حصول العلم بالتأثير ولكــن عـند العلم بعدم التأثير لا يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب عدم تحقق هذا الشرط .
ثالثاً :- أن يعلم الفرد أن حكم المعروف أو المنكر منجّز في حق الفاعل ، بحيث لا يعذر بتركه وعصيانه . فإن كان الفاعل معذوراً في فعله المنكر أو تركه المعروف يقيناً أو احتمالاً لم يجب الأمر ولا النهي وإنــما يكون معــذوراً لاعــتقاد أن ما فعــله ليس بحرام أو أن ما تركه ليس بواجب أما بالعـنوان الأولي يعني في أصل الشريعة أو بالعنوان الثانوي يعني للاضطرار أو التقية أو غيرها .
فليعلم المكلف الذي يتصدى لهذه الوظيفة الشرعية أن يكون عالماً بأن هذا الفرد الذي يريد أن يأمره أو ينهاه قد فعل المنكر أو ترك الواجب بدون عذر وكما يعبرون فعله عن علمٍ وعمد وهذا هو المراد من كونه منجّز لأن المنجزية تقابل المعذرية .
وعلى سبيل المثال أنه ليس لك الحق في أن تأمر شخصا بالصوم في شهر رمضان وأنت تحتمل أن يكون مريضاً أو مسافراً بمعنى أنه معذوراً في تركه للصوم لأن مجرد الاحتمال يكون سبباً بعدم العلم بمسؤولية الفاعل فلا بد من حصول العلم لدى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في أن ما فعله هذا الفرد غير معذور فيه شرعاً .
رابعاً :- أيضاً من الشــــروط التي ينبغي أن تنضم إلى الشرائط الثلاثة التي سمعناها هو أن لا يلزم من الأمر بالمعــروف والنهي عن المنكر ضرر على النفس أو العرض أو المال على الآمر أو على غيره من المؤمنين بــل المسلمين فــإذا لــزم الــضرر عــليه أو عــلى غـــيره من المسلمين لم يجب شيء والظاهر أنه لا يفرق بين العلم بلزوم الضرر والظن به والاحتمال المعتد به عند العــقلاء لصدق الخوف ولا يفرق أن يـكــون الـمـصدر الــضرر هو المأمور بالمعروف أو عشيرته أو متعــلقيه أو من شخص متـنفـذ فــي المنطـقـة أو فـي غـيــرها .
ولكن هذا الشرط في حالات معينة لا يعتبر عند إحراز بل احتمال أهمية الفعل أو الفاعل يعني من حيث تأثيره الضار في المجتمع ففي هذه الحالة يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع العلم بترتب الضرر فضلاً عن الظن به أو احتماله .
هذه الشرائط التي في اجتماعها يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المكلف بغض النظر عن عنوانه سواءٌ كان مجتهداً أو مقلداً وسواءٌ كان المكلف عادلاً أم فاسقاً مادام الشرائط مجتمعة ومتحققة .
ولكن نقول للذين اجتمعت لديهم هذه الشرائط أنه يجب عليكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن بالالتزام بمراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أبتداءاً من المرتبة الأدنى فإن حصل المطلوب فبها ونعمت وأن لم يحصل فيكون الانتقال إلى المرتبة التي تليها وهكذا الأمر بالترتيب وهذه المراتب نذكرها باختصار هي :-
المرتبة الأولـــى : هي الإنكار القلبي لفعل المنكر أو ترك المعروف وهذه المرتبة لا تحتاج إلى اجتماع الشرائط لأنها ليست من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفعلي بل هي مرتبة ملازمة للإيمان بل إنها ينبغي أن توجد في قلب كل شخص …
المرتبة الثانـية : هي إظهار الكراهة بعمل من الأعمال مثل إظهار الانزعاج من الفاعل أو الإعراض عنه والصد عنه أو ترك الكلام معه أو ترك المكان الذي يكون فيه أو ترك مشاغلته أو مشاركته بالعمل اقتصادياً كان أو دنيوياً أو أخروياً والمهم هو إظهار ما يدل على كراهة ما وقع منه.
المرتبة الثالثـة : الإنكار باللسان . بأن يبلغه الحكم الشرعي أولاً فإن كفى بالارتداع لم يجب الزائد وإلا وجب بنصحه ووعظه . بتذكيره بعذاب الله سبحانه وتعالى للعاصين وثوابه للمطيعين .
المرتبة الرابعـة : الإنكار باليد بالضرب المؤلم الرادع عن المعصية مع إمكانه واحتمال تأثيره ، كما سبق سواءٌ استعمل آلة في يده أو لم يستعمل .
المرتبة الخامسة : أراقة الدم بجرح أو قتل إذا لم تكفي المراتب السابقة لارتداع الفاعل . ولكن يجب الاقتصار على أقل ما يحتمل معه الارتداع ويكون الزائد حراماً ومضموناً على الفاعل ، يعني تترتب عليه أحكام الجناية العمدية أو الخطأية ، كلٌ حسب حدوده وهذا هو كلام السيد الشهيد محمد الصدر( قدس) .
وكذلك إن مقتضى الاحتياط في هذه الرتبة ( أي المرتبة الخامسة ) هو الاستئذان من الحاكم الشرعي سواءٌ كان الاحتياط استحبابي أم وجوبيا …
هذه هي المراتب فهل يا ترى يستطيع الجاهل غير المتفقه أن يكون عمله وفقاً لها بعد أن سمعنا أنه يسقط الوجوب عنه لعدم اجتماع أحد الشرائط أن لم يكن جميعها…
فاتقوا الله يا عباد الله وتمسكوا بحوزتكم الناطقة بحيث لا يصدر منكم قول أو فعل أو أي شيء إلا بعد مراجعة الحوزة لأنها مهما كان حالها فهي الأفهم والأقرب للشرع والدين .
وبعد أن سمعنا شرائط هذه الوظيفة المقدسة ومراتبها ينبغي أن نتعرض إلى مقدمات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد ذكر السيد الشهيد محمد الصدر ( قدس) في منهج الصالحين في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالتحديد في مسألة (2208) يجب إيجاد مقدمات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وذلك :
أولاً : بتعلم الأحكام الشرعية الضرورية في الحياة ليعرف الفرد المعروف والمنكر من نفسه ومن غيره .
ثانياً : بإيجاد المجتهد المطلق الذي يجوز تقليده . وذلك بتصدي جماعة كافية لتعلم العلوم الدينية ليحصل بعضهم على هذه الدرجة الرفيعة . ولا يجوز لأي مجتمع إهمال ذلك بحيث يحصل في المستقبل زوال المجتهدين كلهم وعدم تعويضهم بآخرين .
ثالثاً : بإيجاد القاضي الشرعي الجامع للشرائط ليمكنه حل المخاصمات بين الناس : وذلك بتعلم العلوم الدينية،كما قلنا ولا يجوز إهمال ذلك أيضاً بحيث يدور الأمر كله إلى القضاء الدنيوي.انتهى
فالمقدمات إذاً ثلاث تعلم الأحكام الشرعية وإيجاد المجتهد المطلق وإيجاد القاضي الشرعي .
وتطبيقاً لهذه الوظيفة الشرعية المقدسة ينبغي أن تكون الحوزة الناطقة هي السباقة في الامتثال لهذا الوجوب لأن الشرائط مجتمعة فهي أي الحوزة أولى الناس بمعرفة المعروف والمنكر وأولى الناس في التأثير بل الحوزة الشريفة هي التي تساهم في إيجاد المجتهد والقاضي بل وتساهم في تعليم الأحكام الضرورية وهي الأوفق في تنفيذ هذه الوظيفة بحسب المراتب بل أنها لها القابلية في معالجة الصعوبات والعقبات لأنها حوزة الرسول وحوزة الأئمة وهي الحوزة التي لطالما سُقيت بدماء علماءنا الأعلام وما أكثر شهداء الحوزة العلمية وهو غاية الفخر لها ووسام تتحلى به ولا زالت قوافل الشهداء وستستمر إلى يوم ظهور قائم آل محمد الراعي الأكبر للحوزة في عصر الغيبة فالحوزة الناطقة بالحق قائدنا والحوزة ينبغي أن تكون هي الأميرة في الدين.
انقر هنا من أجل الرد أو إعادة التوجيه