23 ديسمبر، 2024 2:15 م

الامتحان الكردي في محنة العبادي .. جدلية المصداقية والتطبيق.

الامتحان الكردي في محنة العبادي .. جدلية المصداقية والتطبيق.

نوهت في مقالتي السابقة ( الوزير الامريكي يركع لارادتنا.. ) بانني ساتطرق الى وجوب التعاون الكردي مع الوضع العراقي الجديد لاثبات حسن النية وعدم وضع العصا في عجلة الاصلاح المنطلقة.

وقد كتبتُ سابقاً مقالتين عن الاخوة الكُرد نشرهما موقع كتابات، كانت الاولى في 5 /1/2004 بعنوان (هل سنشهد ولادة الدولة الكردية؟)، ذكرت فيها ان الولايات المتحدة الامريكية في تمهيدها لاقامة دولة كردية حذت تماماً حذو المملكة المتحدة في صناعتها لاسرائيل.

ونشرت المقالة الثانية في 29 / 12/ 2004 بعنوان (الاكراد يسرقون مشروع اوزال .. السياسة مصالح)، ذكرت فيها خريطة اوزال التي نشرتها صحيفة حرية التركية الصادرة في 4/ 2/ 1991 والتي اوضحت فيها نقلاً عن تلك الخارطة تقسيم العراق الى ثلاث مناطق :

* منطقة كردية تضم محافظات السليمانية واربيل ودهوك.

* المنطقة الثانية تضم كركوك والموصل والتي تروم تركيا لضمها.

* والمنطقة الثالثة عربية وتضم بقية المناطق.

ما نود التطرق له الان امران لا يحتاجان الكثير من التكهن او التحليل، اولهما العلاقة بين الكرد ومركز القرار العراقي في بغداد وكيفية اعادة اواصر الثقة بينهما “ان امكن” من خلال توفر المصداقية لتطبيق الوعود والتفاهمات بين الطرفين.

ومعلوم مدى مرور تلك العلاقة بمدٍ وجزر بين الطرفين منذ قدوم المرحوم الملا البرزاني على يد الزعيم المرحوم عبد الكريم قاسم الى يومنا هذا.

وقد لانبالغ حينما نؤكد على ان هذه العلاقة كأي مشروع سياسي آخر تمر بمرحلة تفاهم جديدة تتمثل بانفتاح الدكتور العبادي على الطرف الكردي محاولاً القاء الحجة عليهم من خلال الاستجابة الى طلباتهم حيث ابقى على نسبتهم من الميزانية البالغة 17% اضافة لمنحهم رواتب البيشمركة والتفاهم النفطي المعلن.

لاشك ان هذا التجاوب مع الاخوة الكرد غير مسبوق والدكتور العبادي يدرك ماهي احتماليات تحميله ذنب هذا الاجراء ان لم يصب بالنتيجة لصالح المصلحة العراقية العامة، وفعلاً بدأت اصابع الكثير بتوجيه اللوم ان لم يكن الاتهام الى العبادي معتبرين ذلك انبطاحاً امامهم.

ولكن ما هو واضح ان الدكتور العبادي وضع الكرة باجراءه هذا في الملعب الكردي. وبلحاظ الهواجس التي ترافق الخواطر العراقية المستمدة من الكثير من الوقائع السياسية على غرار ماذكرناه اعلاه وتفرد الاخوة الكرد بقراراتهم بعيداً عن بغداد مجسدين بذلك حالة من الكونفدرالية وليس الفدرالية التي نص عليها الدستور العراقي، ناهيك عن موضوع بيع النفط واحتفاضهم بعائداته، يصبح امر المصداقية الكردية ووفائهم للعبادي على المحك.

والان وبعد المؤامرة الكبرى التي احيكت ضد العراق باتقان قل نظيره في التاريخ وتمكين الدواعش من الارض العراقية، بدأ الاخوة الكرد بانتحال حالة من الازدواجية تحتاج الى شيئ من الحسم ووضع النقاط على الحروف، فهم يدّعون عدم رغبتهم بالانفصال وانهم جزء من العراق ولكنهم يتبنون بذات الوقت سياسات ضبابية توحي بنواياهم لحصد مايمكن حصده من المكاسب على حساب العراق وبشكل مدروس ومبرمج.

فالرئيس مسعود يصرح مثلاً عدم قبوله بدخول او اشراك اي من القوات العراقية في كركوك وبنفس الوقت يصرح بان البيشمركة لاتشارك القوات العراقية في تحرير الموصل وكذلك نشاهد البيشمركة تحارب داعش في مناطق اطراف الموصل.

هذا المنحى يجعل المتتبع يشكك بان الاكراد يخططون لضم كركوك واطراف الموصل اليهم مهما حاول الشرفاء في بغداد التجاوب معهم كما فعل الدكتور العبادي.

فلا شك ان صحت هذه الشكوك ستؤدي بالتاكد الى اهتزاز مصداقيتهم وبشدة تجعلهم في حرج اكثر مما ينسحب سلبيا على موقف العبادي التاريخي.

وهم يدركون جيداً كغيرهم ان مرحلة الدكتور العبادي ربما تعتبر آخر فرصة يحضى بها العراقيون لاصلاح وضع البلد على جميع المستويات الداخلية والخارجية، فالعراق مرشح للانزلاق الخطير لو فشلت هذه التجربة لاسمح الله.

فهو في حقيقة الامر امتحان لهم قبل ان يمثل محنة للدكتور العبادي، فمن نافلة القول التاكيد على نسف المصداقية دون تطبيق، فهل هم متعضون؟، جواب سيوضحه لنا المستقبل الذي اعتقد بانه لن يكون بعيداً. والله تعالى من وراء القصد.