18 ديسمبر، 2024 6:18 م

الامام علي (ع) ووحدة الأمة

الامام علي (ع) ووحدة الأمة

تساؤل مهم يطرح.. وهو: كيف يمكن العمل على وحدة الامة؟ وعند محاولة الاجابة فبالتأكيد عبر تعظيم المشتركات بين الامة، وعلى احترام حق الإسلام لمن قال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله »، فهو مسلم له حقوق الإسلام دون النظر لأي مذهب انتمى له, وقد جاء في صحيح البخاري: (من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم), وقد اكدت مؤتمرات المسلمين على هذه الفكرة, وكانت توصيات المؤتمرات تدعو للاعتراف بمختلف المذاهب الإسلامية، وأنهم مشمولون بعنوان الإسلام، فلا يجوز الاعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

هنا يجب ان نعود لسيرة ومنهج الإمام علي (ع) لنتعرّف على الأسلوب الصحيح والمتوازن, في معالجة مسألة الخلاف الإسلامي.

هنالك حقيقة يجب ذكرها وهي: أن الخلاف بين أهم فريقين من المسلمين وهما (الشيعة والسنة) ظهر بعد وفاة الرسول الخاتم (ص), ففي حين يذهب الشيعة إلى اهمية الالتزام بنص الرسول (ص) يوم الغدير في خلافة الامام علي (ع), وبين من يلتزم بما حدث في سقيفة بني ساعدة ويعتبرها واقع حال يجب الالتزام بها, هذا الامر جعل المسلمين قسمين.

الإمام علي (ع) عاش تلك المرحلة الحسَّاسة، ولذلك علينا أن نتلمّس طريقة الإمام علي (ع) في تعامله مع مخالفيه حينها.

أمير المؤمنين (ع) كان رجل الوحدة ورائدها، ففي الوقت الذي يرى نفسه صاحب الحق في الخلافة والإمامة، كما عبر عن ذلك فيما بعد في إحدى خطبه المروية عنه، والمعروفة بالخطبة الشقشقية، فقال: “أما واللهِ لقد تقمَّصها فُلانٌ وإِنَّهُ ليعْلمُ أنَّ مَحلي منها محل الْقُطْبِ مِن الرَّحى ينْحدِرُ عنِّي السَّيْلُ ولا يرْقى الي الطَّير”، وقد كان بإمكانه أن ينبري للدفاع عن حقه، وكان يعلم أن في توليه الخلافة مصلحة للأمة والرسالة، ولكنه وجد أن هذا التصدي وهذا الموقف يضر بالمصلحة العامّة في ذلك الظرف، ولذلك لم يطالب بحقه، حتى عندما جاء إليه أبو سفيان وصار يهتف: «إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم، … ثم قال ابي سفيان: علي والعباس؟ ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش ؟ ثم قال لعلي : أبسط يدك أبايعك، فوالله لئن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجلاً… فزجره الامام علي وقال: “والله إنك ما أردت بهذا إلا الفتنة, وإنك والله طالما بغيت للإسلام شرَّاً لا حاجة لنا في نصيحتك”.

فلم يستجب لداعي الفتنة (ابو سفيان)، ولم يرحب به، ولم يقع في الفخ الذي كان يريده له أعداء الأمة، وإنما أعلن: “واللهِ لأسْلِمنَّ ما سلِمتْ أُمُورُ المُسْلِمِين ولمْ يكُنْ فِيها جوْرٌ إِلا علي خاصَّةً الْتِماساً لأجْرِ ذلِك وفضْلِهِ وزُهْداً فِي ما تنافسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وزِبْرِجِهِ”, فكان مع الامة في كل ما تواجه من محن ويعطي المشورة للحكام, فهناك أكثر من تسعين موردًا في قضايا عسكرية واقتصادية وسياسية ودينية استشار فيها الخليفة عمر الإمام علياً وأخذ برأيه، سجلها التاريخ الاسلامي.

ولذلك نتساءل: كيف كان (ابا بكر وعمر) يستشيرا عليَّ بن أبي طالب إن لم يكن يثقوا بعلي ويطمئنوا إلى رأيه؟ وعلي (ع) ما كان ينظر إلى الخلفاء كأعداء يكيد لهم ويسعى للانتقام منهم، وهم في المقابل كانوا ينظرون لعليٍّ كمعين ومساعد فيما هو لمصلحة الأمة والدين، وإلا لو كان عمر وأبو بكر ينظران لعليٍّ كعدو لما رجعا إليه ووثقا برأيه، والإمام علي في المقابل ما كان يتعامل من موقع العداوة الشخصية، وإنما كان يمحضهم النصيحة ويشير عليهم بما ينفع الأمة وكيان المسلمين آنذاك, حتى أُثِر عن الخليفة عمر أنه كان يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن.

مع أن الإمام (ع) أبدى عدم رضاه عن بعض السياسات في عهد الخليفة عثمان، وبخاصة دور البطانة التي كانت حول الخليفة، إلاَّ أنه ما انفك يقدم النصيحة والرأي لعثمان، وحاول كثيرًا أن يعالج موضوع التمرد على الخليفة، فكان واسطة وسفيرًا بين المعارضين والخليفة أكثر من مرة، ولكن الأمر خرج من يده، وحينما حوصر عثمان ومُنِع عنه الماء استنجد بعليٍّ، فبعث الإمام ولديه الحسنين بِقِرب الماء حتى يدخلوها إلى بيت عثمان.

هكذا كان علي بن أبي طالب (ع) وهذا ما يجب أن يكون عليه نهج محبيه وأتباعه، فإلى آخر لحظة من لحظات حياته كان يهتم بوحدة الأمة، فقد كان يعلم أن قاتله الشقي (ابن ملجم) ينتمي إلى الخوارج، ويعرف أنهم من دفعوه إلى ارتكاب هذه الجريمة، لكنه ما أراد لمقتله أن يكون سببًا جديدًا لمشكلة في واقع الأمة، ولذلك قال في وصيته: «يا بنِي عبْدِ المطَّلِبِ لا أُلْفِينَّكُمْ تخوضُون دِماء المُسْلِمِين خوْضاً تقُولُون: قُتِل أمِيرُ المؤْمِنِين، ألا لا تقْتُلُنَّ بي إِلا قاتِلي انْظُرُوا إِذا أنا مِتُّ مِنْ ضربَتِهِ هذِهِ، فاضربُوهُ ضربَةً بضربة ولا تمثلوا بالرجل”.

إن سيرة علي تؤكد إخلاصه العميق للدين، وحرصه الشديد على وحدة الأمة، فهو يتعبد إلى الله تعالى بالحفاظ على الوحدة، ويتمسك بها كطريق إلى ثواب الله ورضوانه، فالوحدة مبدأ ديني، وفريضة شرعية، قبل أن تكون قضية سياسية أو مصلحة وقتية.