ان البحث في بطون الكتب من اجل الوصول الى الغاية الحقيقية لفهم حركة المعصومين تعد ظاهرة جيدة وبالأخص في عصرنا الرهن الذي تم اهمال الكتاب وتوجه الى المعلومات الالكترونية التي لها حدين احدهما جيد والاخر سيء.
وحاولت البحث في كتب علماء وفقهاء الشيعة لأستفيد من رؤية جديده لفهم حركة الامام الكاظم بوجه السلطة العباسية آنذاك، فوقع بين يدي كتاب خطابات المرحلة للمرجع الديني سماحة الشيخ محمد اليعقوبي.
ويعد المرجع اليعقوبي احد مراجع الدين في النجف الاشرف والذي يتميز بقراءة واعية لدور الائمة المعصومين وقد الف عام 2004 كتاب دور الائمة في الحياة الاسلامية.
ان سماحة السيد الشهيد محمد باقر الصدر كان قد القى بحثا بعنوان (دور الائمة في الحياة الاسلامية) في الجلسة الخامسة (للموسم الثقافي الأول) لجمعية الرابطة الأدبية في النجف الأشرف سنة 1386 المصادف 1966وقال في نهاية بحثه: أحس أيها الأخوة، أن ما قدمته كاف لإثارة النقاط التي أحببت إثارتها، والتي يجب أن يرتكز عليها الأساس في دراساتنا للأئمة (عليهم السلام)، أرجو أن يكون هذا منطلَقاً للباحثين في حياة أهل البيت.
وبفضل الله بعد اكثر من 30 عام من القاء السيد الشهيد الصدر الاول، اخذ الشيخ اليعقوبي على عاتقه وصية الصدر الاول وانطلق في الغوص بأعماق حياة ومواقف ائمة اهل البيت (عليهم السلام) وظهر كتاب دور الائمة في الحياة الاسلامية للوجود الانساني في عام 2004 كي يستفيد منه الباحثين والمختصين بل وعموم الناس لفهم حركة المعصومين منهم الامام الكاظم عليه السلام.
وهنا لابد من الاشارة الى الفكرة للمميزة التي طرحها الشيخ اليعقوبي: توجد ظواهر عديدة ملفتة للنظر في حياة الإمام الكاظم (عليه السلام) منها كثرة ذريّته حتّى عدّت له المصادر سبعة وثلاثين ولداً من الذكور والإناث من زوجاتٍ شتّى كلهنّ أمّهات ولد أي من الجواري اللواتي كان الإمام يشتريهنّ ويعتقهنّ ثمّ يتزوّج بهنّ.
وهذا رغم قصر عمره الذي لم يمتد أكثر من 55 عاماً قضى شطراً كبيراً منها في سجون الملوك العباسيين تجاوزت عشر سنين.
وهذه الظاهرة -أي تكثير النسل- يكفي في فهم مبرراتها استحبابها شرعاً وتوجد أحاديث كثيرة للحثّ عليها.
ولعل هذا أحد الوجوه التي تفسّر اقدام المعصومين (عليهم السلام) على تكثير الزوجات حتّى بلغت عند النبي (صلى الله عليه واله) تسعاً وعند أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمان، وإنّما سُمّيت الزهراء (عليها السلام) بالكوثر لأنّ الله تعالى أكثر ذريّة رسول الله (صلى الله عليه واله) منها، واستشهدت وهي في الثامنة عشرة من عمرها ولها الحسن والحسين والعقيلة زينب (صلوات الله عليهم أجمعين) وأسقطت المحسن، فالإمام الكاظم (عليه السلام) جرى على سنّة أجداده الطاهرين وهو أولى الناس بهم.
ويتابع الشيخ اليعقوبي شرحه: يضاف إلى هذا الوجه العام وجه خاص وهو وجود عدة شواهد تشير إلى خطة استراتيجية وضعها الأئمة المعصومون (عليهم السلام) وساروا عليها تستهدف تكثير نسل آل أبي طالب بعد واقعة كربلاء ردّاً على سياسة الاستئصال والاجتثاث التي اتّبعها معهم أعداءهم تحت شعار (لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية) بحيث خلت بيوت بأكملها من الرجال كدور عقيل بن أبي طالب والعباس بن أمير المؤمنين وأخوته الذين استشهدوا جميعاً في كربلاء.
وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) يقبل هدايا هارون العباسي ويقول: (والله لولا إني أرى من أزوّجه بها من عزّاب بني أبي طالب لئلاّ ينقطع نسله ما قبلتها أبداً).
هذه شواهد على السياسة الممنهجة أو الاستراتيجية التي خطط لها الإمام الكاظم (عليه السلام) ليحبط مشروع الأعداء في إنهاء هذا البيت الطاهر وأثمرت خطوات الإمام الكاظم (عليه السلام) عن هذا العدد الهائل من السادة الأشراف وفيهم الكثير من مراجع الدين والعلماء والقادة والمفكّرين والصلحاء وأعلام الأمّة.
لذا فأن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) مدعوّون لبذل الوسع في تكثير النسل لعدّة مبررات منها، الأخذ بسنة رسول الله (صلى الله عليه واله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) وتلبية رغبتهم واستجابة لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) وفي الذريّة حياة مستمرة للإنسان حتّى يوم القيامة وكذلك فان الذرية مصدر لكثير من الطاعات للوالدين حتى بعد موتهم وايضا فإن اتباع أهل البيت (عليهم السلام) هم الجماعة الخيّرة الطيّبة التي اختارها الله تعالى لتحتضن ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وتحافظ على الإسلام الأصيل فتكثيرهم اعزاز للدين والولاية وتثبيت لقيم الخير والإنسانية في هذه الأرض فالخير منهم مأمول والشر منهم مأمون، فهم كالشجرة الطيبة المثمرة التي تكون هي أولى بالتكثير.
وكذلك من اسباب زيادة النسل هو إن في تكثير الشيعة نصرة للإمام الموعود (عليه السلام) وتقوية لأركانه وتمهيداً لظهوره المبارك وأعظم قوة نعدّها لنصرة الإمام (عليه السلام) هي هذا النسل المبارك لأنّ الموارد البشرية هي أعظم الموارد التي تحرص الدول على تحصيلها فاستكثروا منه ما استطعتم.
والكل يعلم إنّ الشيعة في المنطقة مستهدفون بحرب إبادة واجتثاث كما تشهد به الوقائع الجارية خصوصاً عندنا في العراق وقد فقدنا خلال العقود الأربعة الماضية أكثر من مليون ونصف المليون من الرجال الذين تزهو بهم الحياة في حروب عبثية وإعدامات ومقابر جماعية في عهد النظام المقبور ثمّ في المفخّخات والتفجيرات وأنواع آلات القتل والتدمير.
وفي ضوء المعطيات المتقدمة لا يسع اتباع أهل البيت (عليهم السلام) السائرين على نهجهم من الرجال والنساء إلاّ أن يبذلوا وسعهم في تحقيق هذه الغاية الشريفة والرغبة الأكيدة للمعصومين (عليهم السلام)، ومهما قيل من مبرّرات للاكتفاء بواحد أو اثنين من الأبناء فإنّها لا تصمد أمام هذه المعطيات، إلاّ أن يكون السبب خارجاً عن الإختيار كما لو جرى القضاء الإلهي بذلك أو حصلت موانع صحيّة قاهرة ونحوها.
والسؤال الآن هو بأي عدد من الذرية يتحقّق معنى تكثير النسل؟ ويجيب الشيخ اليعقوبي بإنّه يتحقق بأربعة على الأقل، لأنّ الزوجين إذا أنجبا اثنين –ذكوراً او اناثاً- فإنّهما لم يزيدا شيئاً فإن اثنين ولدا اثنين، ثمّ هما يحتاجان إلى واحد آخر لتعويض حالات النقص في المجتمع لأنّ كثيراً يموتون في عمر الطفولة أو الصبى أو الشباب قبل الزواج بالموت الطبيعي أو الحوادث كالتفجيرات وحوادث السير أو في الحروب ونحوها، أو يتزوّجون ولكن لا ينجبون أو ينجبون دون العدد، فيحصل نقص في المعدّل يسدّه انجاب الثالث، ويتحقق التكثير بالرابع، وكلما زاد على ذلك كان أفضل وأقرّ لعين رسول الله (صلى الله عليه واله).
هذا درس نستفيده من حياة الإمام الكاظم (عليه السلام) أحببنا بيانه لأن فيه إدخالاً للسرور على النبي وآله الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولأنه يدلّنا على تكليف مهم موجّهٍ إلينا فاعتبروا يا أولي الأبصار.