الامام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام أجمعين، هو منتهى المكارم سبق الدنيا بعلمه وامتلأت الكتب بحديثه، هو مجمع الفضائل ومن أبرز رجال الفكر ومن ألمع أئمة المسلمين، حيث سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبل ولادته بعقود بـ”الباقر” في حديث عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رض)، لأنه بقر العلم بقراً، أي فجّره ونشره فلم يُروَ عن أحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام .
الامام الباقر(ع) نبع من ينابيع العلم والمعرفة والاخلاق والايمان والهداية الالهية، وفرع من فروع الامامة والنبوة الختمية التي أخرجت البشرية من الضلالة والظلام والظلم والجاهلية والقبلية والعنف القسري نحو ساحل البر والأمان والهداية والوعي والعلم والثقافة والسكينة والعدالة والمساواة بين البشر، بين السلطان والرعية وبين القائد والجندي وبين الغني والفقير وبين الأبيض والأسود وبين العبد وشيخ القبيلة وبين الرجل والمرأة إلا بتقوى الله عزوجل، حيث قوله تعالى “يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” الحجرات الآية 13 .
عاش الامام محمد الباقر مع جده الامام الحسين عليهما السلام حوالى ثلاث سنوات ونيف وشهد في نهايتها فاجعة كربلاء التي جسدت الحقد الأموي الدفين البغيض لآل النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الميامين، بكل ما للكلمة من معنى ذلك الحقد الذي زرعه جدهم الطليق أبو سفيان (صخر بن حرب بن أمية الأكبر) والذي لم يدخل الإسلام إلا يوم فتح مكة بعد أن رأى مرحمة الرسول الاعظم محمد (ص) عندما قال: “من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن“.
الحقد والحسد والجاهلية التي أعمت قلوب بنو أمية قبل أبصارهم توارثوها واحداً بعد آخر هم وأبنائهم وأحفادهم وأتباعهم وأنصارهم حتى يومنا هذا وما من فترة زمنية تمر على الأمة الاسلامية حتى يرسم بنو أمية وأتباعهم صورة من صور الإجرام الدموي البشع الذي يقترفوه ضد أهل بيت النبوة والرسالة والإمامة عليهم السلام وأنصارهم وأتباعهم وما يحل ومنذ عشر سنين من إرهاب وإجرام يستهدف شيعة وانصار ومحبي أهل البيت في العراق وباكستان ولبنان وسوريا واليمن والبحرين والسعودية وغيرها من بلاد المسلمين، والانتهاكات الصارخة بحقهم هي نموذج من تلك السياسة الأموية الحاقدة والإجرامية.
تفنن بنو أمية الأجرام بحق أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم ومحبيهم من القتل بالسيف حتى دس السم والغدر والخيانة والطعن من الخلف بجنح الليل الدامس خلال فترة سلطتهم على رقاب المسلمين والتي بدأها “معاوية بن أبي سفيان” أبن “هند بنت ربيعة” صاحبة العلم الأحمر في مكة، عندما تولى السلطة بأمر من الخليفة الثاني عام 21 للهجرة بعد أن مات أخوه “يزيد بن أبي سفيان” من “طاعون عمواس” عندما كان حاكماً على الشام والذي شمل جميع أنحاء الشام سنة 18 للهجرة (وقيل تأخر موته حتى فتح قيسارية سنة 19 للهجرة)، وكانت فاجعة الطف بكربلاء والتي استشهد خلالها العشرات (72) من خيرة بني هاشم والصحابة والمؤمنين الذين كانوا مع الامام الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام حتى طفله الرضيع الذي لم يبلغ الأشهر الستة بعد ، أبشع صور الحقد الأموي ناهيك عن المؤامرات التي استهدفت اغتيال وقتل الامام الحسن بن علي عليهما السلام رغم توقيع “معاوية” وثيقة السلام معه حتى دس اليه السم عبر زوجته اللعينة “.
لسنا بصدد استعراض الاجرام الأموي كله لأن المقال والمكان والزمان لا يسعان لذلك ومن أراد أن يقف على حقيقة بنو أمية عليه مراجعة كتب التأريخ التي كتبها العامة قبل الآخرين ومنها المسانيد والصحاح والتاريخ الدمشقي وشرح نهج البلاغة لأبي الحديد المعتزلي وغيرها وما آخر ما كتب بهذا الخصوص هو المقال الذي كتبه الأديب المصري “أسامة أنور عكاشة” تحت عنوان “هؤلاء هم الرجال الذين اسسوا الدولة الاسلامية” واستند فيه الى مصادر ومراجع معتبرة في التاريخ والسيرة .
للإمام الباقر عليه السلام دور كبير في إحياء الروح الثورية الحسينية، وإلهاب الحماس في النفوس المؤمنة بالله عزوجل ورسوله (ص) ضد الحكام الظالمين، حيث جعل الثورة الحسينية حية في نفوس الناس تمنحهم طاقة ثورية لخوض المواجهة مع الظلم والظالمين في كل الظروف والمناسبات وقتها وظروفها المناسب عبر تأكيده على إحياء الشعائر الحسينية عبر أقامة مجالس العزاء والدعوة لزيارة قبر الامام الحسين (ع) وأصحابه الميامين (ع) وإنشاء الشعر والمراثي يصور الفاجعة الدموية المؤلمة التي دارت يوم عاشوراء عام 61 للهجرة .
جعل الامام الباقر من الثورة الحسينية ودورها الكبير في إحياء الروح الثورية، وإلهاب الحماس في النفوس المؤمنة بالله عز وجل ورسوله (ص) ضد الحكام الظالمين، بان تبقى حية في نفوس الناس تمنحهم طاقة ثورية لخوض المواجهة مع الظلم والظالمين في كل الظروف والمناسبات وقتها وظروفها المناسب عبر تأكيده على إحياء الشعائر الحسينية بالطرق التالية:
1 ـ الحزن وإقامة مجالس العزاء: حيث كان يقول:”من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل البعوضة غفر الله له ذنوبه”( بحار الأنوار: 98 / 1) .
2 ـ الزيارة: حث الامام الباقر (ع) على زيارة قبر جدّه الامام الحسين (ع) لتعميق الارتباط به شخصاً ومنهجاً، واستلهام روح الثورة منه، ومعاهدته على الاستمرار على نهجه.وكان يقول:”مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي، وزيارته مفروضة على من أقرّ للحسين بالإمامة”( بحار الأنوار: 44 / 293) .
3 ـ انشاد الشعر: كما كان (ع) يشجع على قول الشعر في الامام الحسين (ع) وقد بذل من أمواله لنوادب يندبن بمنى أيام الموسم(مقتل الحسين للمقرّم: 106) .
تلك الصور الإجرامية الدموية المأساوية البشعة في يوم الطف بكربلاء، لم ولن تكون بعيدة عن امامنا ومقتدانا الامام محمد بن علي الباقر (ع) والتي حضرها وهو في سن الخامسة من عمره الشريف، ولم تغب عنه طيلة حياته الشريفة حتى قتل مسموماً بحقد الطاغية الأموي ونحن نعيش اليوم ذكرى استشهاده المفجع والمؤلم، بعد أن اغتاله الحاكم الأموي “هشام بن الحكم” المعروف عنه من أكثر حكام بني أمية حقداً وكراهية لآل البيت (ع)، فقام باعتقال وسجن الامام محمد الباقر بعد أن ذاع فضله (ع) بين أهل الشام عندما كان الامام الباقر (ع) هناك بأمر من “هشام”، وفي السجن بدأ الامام الباقر يلقي محاضراته وعلومه وآدابه أمام السجناء الذين احتفوا به وقدروه تقديراً عظيماً؛ ولما علم بذلك الطاغية العباسي “هشام” أمر بإخراجه من السجن وإرجاعه الى المدينة المنورة خوفاً من الفتنة.. وهناك كلف واليه في المدينة المنورة “إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك” بدس السم اليه مخلوطاً بالماء والعسل المسموم (الأئمة الاثني عشر لابن طولون ص281- المناقب ج4 ص 690 والبحار ج11 ص 75).
دفن الى جوار أبيه الامام السجاد (ع) وعمه الامام الحسن (ع) في مقبرة “بقيع الغرقد” حيث جاوره بعد ذلك ولده الامام الصادق (ع) ، الى جانب جمع كثير من الصحابة منهم ابن النبي إبراهيم وأم النبي (ص) .
كان عليه السلام يقول: “من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل البعوضة غفر الله له ذنوبه”(بحار الأنوار: 98)، وقال (ع):”مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي، وزيارته مفروضة على من أقرّ للحسين بالامامة”( بحار الأنوار: 44 / 293)، فيما بذل من أمواله لنوادب يندبن بمنى أيام الموسم(مقتل الحسين للمقرّم: 106).