في عام 1908 أعترف أرنست هيجل الفيلسوف واختصاصي البيولوجيا بقيامه بتزييف صور لأجنه الحيوانات والتي ادعى ومجموعه كبيره من العلماء أنها تشبه اجنة الانسان في تطورها، ليمثل الانهيار الاكبر لنظرية دارون المثيرة للجدل، لتنكشف بعدها في سقوط أكاذيب (بلتا تاون مان) و (انسان جاوا) و (نبراسكا مان) وحجم التزييف باسم العلم ,لأنكار التدبير الإلهي وإشاعة الالحاد في الثقافة الإنسانية.
منذ اللحظة التي افترق فيها وعي الانسان بين اسقاط الصفات البشرية على الأشياء ليعبد الهةً مصنوعة من الحجر او الحيوان، وبين اختراق المطلق والمثالي في التجريد التأملي بحثا” عن الخالق، ظهر الألحاد كقوة متمردة في الوعي التاريخي، فكانت النرفانا الحادا” بألاف الإلهة الهندوسيه والتي سخر منها بوذا وكرس فلسفة الإنسانية في العمق الوجودي.
كان ديمقريطس اليوناني اول من ابتز الجغرافية السرية في الوعي البشري لينشئ عالما” ماديا” صرفا” بنظريته الذرية في 420 ق.م. ولكن بعد ان استنفذت الحضارة اليونانية طاقتها العفوية لتنتج عرضيا” الحادا” منظما” في فلسفة ابيقور صاحب الأسئلة المحرجة في قدرة الله الكلية في خلق الخير والشر، ليبني بعد ذلك الهتة الأهورا مزدا الزرادشتية الفارسية .
تناسل الملحدون عبر التاريخ ليظهروا اما كمصلحين او فلاسفة او قاده عظام لم يكن يعنيهم الله بقدر طاعة الجيش لهم في المعارك.
كان عبد الله بن ابي سرح اول ملحد في الإسلام بعد ان أملى في القران مالم يقل الوحي للنبي محمد (ص)، ليكون سلفا” لمسيلمة وأهل اليمامة الذين ارتدو عن الإسلام لاحقا”. اما يزيد ابن معاوية فيكفيه (لعبت هاشم بالملك…. فلا خبرُ جاء ولا وحي نزل) الحادا مطلقا بديانة الإسلام، ليكون للوليد مثالا” عندما استخار بالقران يوما” فظهرت الآية (وخاب كل جبار عنيد) فضرب الوليد القران بقدمه وقال (تهددني بجبار عنيد…. ها انا ذا جبار عنيد .. إذا ما جئت ربك يوم حشرٍ… فقل يارب مزقني الوليد). ليستمر هذيان الالحاد وتمظهره على السنة الشعراء مثل بشار ابن برد في قوله (إبليس أفضل من ابيكم ادام. …. فتبينوا يا معشر الفجار. النار عنصره وآدم طينةُ. …والطين لا يسمو سمو النارِ).
تميز الالحاد العربي بأنكار النبوه وليس الاله رغم تكافؤ المعنى ولكنه ينم عن أبستمولوجيا الألحاد وليس ثورة ضد الروح السكونيه كما اليونان.
ومن الغريب ان الرموز الفكرية التي يفاخر بها المسلمون الحضارات الأخرى إنهم كإنو جميعا” اما مقتولين او منفيين لتهم الالحاد والزندقة، كالفارابي والكندي والحلاج وأبو العلاء المعري وابن طفيل، وابن رشد والرواندي. وغيرهم. وكأنهم بذلك يظهرون للغرب عمق التجليات الإنسانية لحضارتهم حتى ولو كان على دماء ضحايا الهولوكوست الفكري.
بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي انكسر حاجز الخوف في منطقتنا العربية, اصبحنا نتحاور يوميا” مع أناس يدعون باللاديدنين او ذوي الفكر الحر ..الخ. إذ أصبحت مصر وتونس والعراق وسوريا مهدا” لانطلاق موجات من الإعلان السافر بأنكار الله سبحانه رغم الطبيعة المحافظة. إذْ كشفت مجلة (بيوفورم) ان الالحاد اصبح الديانة الثالثة في العالم والمفاجأة ان السعودية احتلت المرتبة الأولى في الشرق الأوسط في الالحاد ,اذا يشكل الملحدون حوالي 6% من السكان, وهذا الرقم هائل جدا.
ان المزاج الثوري الذي تولد بعد انتشار الانترنيت والساتلايت من أكثر الأسباب التي جعلت الشاب العربي يبحث عن هويه غير موسومة بالإرهاب، بالإضافة الى تطور الشخصية العربية من مرحلة الذوبان الكلي في البعد الجمعي الى مرحلة الفردية واثبات الهوية الذاتية، ولان التاريخ العربي لا يساعد على إنضاج نموذج مثالي، يرى الكثيرين بأن التظاهر بالإلحاد يعزز ثورية المظهر الذي يواصل الجميع كيل المديح له خاصة في تزامنه مع الربيع العربي. وهناك نماذج تاريخيه تؤكد ان الثورات الشعبية دائماً يرافقها رغبه جمعيه في تكسير الثوابت الاجتماعية والدينية كما حدث في الثورة البلشفية في روسيا او الثورة الفرنسية.
يعتقد بعض الخبراء بأن الطبقات الاجتماعية المتصلة بالغرب هي من تروج لثقافة الألحاد المنتشرة في الغرب بكثافة لعقدها الحضارية المزمنة، بحيث أصبح احد مظاهر التحضر والأناقة الفكرية ان تكون لا دينيا”.
يعتقد علماء الاجتماع بأن الشعوب العربية تخضع لناموس الجدلية التاريخية من حيث تعزيزها للأحادية في التقرير، أي انها لا تعرف وسطا” بين الأبيض والأسود، وهذا حفز في اعماقها جذور الانكشاف الحضاري بسهوله بعد تغير المغذيات الحافظة لحرارة التدين. فثقافة العربي لا تجرؤ على الخوض في التحليل العقلي لمظاهر التدين ولذلك عجز عن إيجاد إجابات واضحة عن الأسئلة الشائكه التي تدور في العالم فتدفعه الى الشك والارتداد، لان الطبيعة العاطفية لعلاقة العربي بمعتقداته اورثته عيب حضاري لا تكفي الابتهالات والخطب الحماسية لعلاجها.
إن الغرائز وفنون الهروب من وخز الضمير من الأسباب الجوهرية التي ماطلت العربي حتى خروجه من ربقة التقيد, بعد ان بدأ يرى الإباحية بمظاهرها بأجهزته الصغيره ,والتي عزلته نفسيا” عن الصورة التقليدية في تطبيق الشرع بحيث جعلته يشعر إن مشاهدة فلم او صوره ما قد تدخله الى جهنم، فجعلت الكثيرين ييأسون من التصالح مع الله, فيستسلمون للإلحاد بطبيعة فطريه وليست منظمه.
يقول فرانسيس بيكون (ان القليل من الفلسفة يؤدي الى الالحاد والتعمق فيها يؤدي الى الايمان) والامه التي تحتقر الفلسفة لن تعرف الايمان، وسيحيط بأجيالها ظلام الالحاد مادامت عجهيتها وسطوة تاريخها اقوى من الانثيال مع صوت الله العظيم في المراجعة والنقد وإعادة بناء الذات المتهرئة بقتامة الحقائق وغموض المفاهيم.