28 ديسمبر، 2024 2:15 م

الالتزام التاريخي للفلسفة السياسية

الالتزام التاريخي للفلسفة السياسية

” لقد كان التناقض في الماضي ألد أعداء المنطق، وهو… اليوم منطق مجتمع في وسعه الاستغناء عن المنطق ، مجتمع يلعب مع التدمير ويسيطر تكنولوجيا على الفكر والمادة”1[1]

من نافل القول أن الفيلسوف هو وعي بهذا العالم الذي يعيش فيه وأنه يهدف الى توضيح جملة من الاجراءات الضرورية التي يفترض أن يقوم بها ويلزم بها كل مشتغل بتطبيق المعرفة في الحقل السياسي:

– مساعدة الوعي السياسي قصد الالمام بالمعطيات والحيثيات من زاوية المبادئ الفلسفية الكبرى التي تستند عليها الممارسة اليومية أولا ، وعلى مستوى سراديب العمل السياسي وألاعيبه المتحكمة فيه ثانيا.

– تسهيل فهم المشاكل المطروحة بين الفينة والأخرى والأزمات المشتعلة التي تحدث بشكل دائم في المشهد السياسي ويترتب عنها كوارث اقتصادية ومخاطر اجتماعية تعصف بمقدرات الأفراد والجماعات.

– اطلاق جملة من النقاشات الهادئة والحوارات العقلانية يكون الغرض منها توضيح فائض القيمة في المواقف الخاصة وتفكيك ما أمكن من الأحكام المسبقة والصور النمطية وتنقية أشكال اللُّبس وسوء الفهم.

– اتاحة فرصة للتفكير في الذات من خلال معرفة الغير وتغيير المرجعيات واستبدال البراغيدمات القديمة بأخرى معاصرة وتقوية المنهج الفلسفي وتسديده نحو الاهتمام بالحاضر والتخطيط الاستراتيجي للمستقبل.

– انتقاء التمشي الملموس للمنهج الذي يرصد مواطن الفساد في الوجود السياسي ويبوب الآفات الكبرى ويحلل الأبنية الدقيقة للحياة الادارية ويعالج المسائل المستعصية بصبر وتأني ويقوم بحلحلتها تدريجيا.

لا يمكن انكار صعوبة المهمة التي يطلب من الفلسفة في الساحة البشرية الاضطلاع بها وأن الأمر ليس متروكا للحظ والصدفة والاتفاق وانما يتطلب جودة الروية ورجاحة العقل وسداد الارادة وجدارة التصميم.

لا شيء يقدر على تعريف الفلسفة سوى هذه القدرة على التناول الاشكالي للذات والغير في نفس حركة الذهاب والاياب سواء في صورة امكانية جدلية في نفس فضاء التجربة أو عبر انتاج قراءة نقدية متعاكسة.

بهذا المعنى تعمل الفلسفة السياسية المعاصرة على تجديد المنظور البنائي بالتركيز على عمليات التكوين والتشييد والتجسير قصد محاربة النزعات العدمية وتفخيخ خطاب النهايات ونقد الدعاوي الإسكاتولوجية. كما تهيء الفلسفة الشروط الضرورية للانخراط في الفعل والمباشرة الميدانية للجميع في العملية الابداعية بالتوقف عن اللغو والجدل والثرثرة العقيمة والتوجه لاعادة وضع الفكر في حقول التاريخ وميدان التجربة.

قد لا يكفي الاقتراب من الديمقراطية في السياسات العامة بصورة تدريحية الا من خلال اعتماد سياسات القربِفي الاقتصاد والبيئة والخدمات ومنظومة الرعاية الاجتماعية وقد لا تقوم دولة رعاية بالمعنى الحقيقي للكلمة دون اعتناء بالجانب الحيوي للسكان ودون توفير الحياة للارض وبلا سيادة للشعب ومواطنة للأفراد.

في الواقع لا تقوم السياسة الحيوية على الصراعات الدامية بل على الخلافات المعقولة وبالتالي”ان المجتمع الذي يتفاقم فيه الصراع في سبيل البقاء بنتيجة تزايد عدد سكانه لهو مجتمع مجرم. فالحاجة الى مجال حيوي متعاظم لا يمارس تأثيرها على مستوى العدوانية الدولة فحسب بل أيضا داخل الأمة نفسها”2[2].

من هذا المنطلق تكون الفلسفة التزما وجوديا بالتغيير وتعمل على بناء مشروع انعتاقي للانسان من الاغتراب وهذا المشروع الفلسفي لا يرنو الى التعرف على أسس الحياة ومصادر الروح وطبيعة الأصلي وجوهر الكائن بل يكتفي بالتساؤل عن معنى وقيمة السلوك البشري في الكون ويتبنى خيارا علاجيا للوعي الايتيقي ولا يتقيد بالكشوفات والاضافات التي قدمتها الشخصيات الاستثنائية بل يحارب اللامعقول والوثوقية ويُجذّر التفكير النقدي في الأنساق ويجري تمارين مراجعة للموقف الجماعي تجاه الذات والكائن. فكيف يمكن الانتقال بالسياسي من أبواب سد الذرائع الى طرق تنظيم الشأن العام من جهة الاجراء والتدبير؟

الاحالات والهوامش:

[1] ماركوز (هربارت)، الانسان ذو البعد الواحد، ترجمة جورج طرابيشي، دار الآداب، بيروت، الطبعة الثالثة 1988، ص126.

[2] ماركوز (هربارت)، الانسان ذو البعد الواحد، مرجع مذكور، ص254

المرجع:

ماركوز (هربارت)، الانسان ذو البعد الواحد، ترجمة جورج طرابيشي، دار الآداب، بيروت، الطبعة الثالثة 1988،

 

[1] ماركوز (هربارت)، الانسان ذو البعد الواحد، ترجمة جورج طرابيشي، دار الآداب، بيروت، الطبعة الثالثة 1988، ص126.

[2] ماركوز (هربارت)، الانسان ذو البعد الواحد، مرجع مذكور، ص254