الاقتصاد العراقي — الانكماش و التوازن المالي المطلوب

الاقتصاد العراقي — الانكماش و التوازن المالي المطلوب

توقع صندوق النقد الدولي، انكماش الاقتصاد العراقي بنسبة 1.5 هذا العام، على أن يعود للنمو في 2026 بمعدل 1.4%، على خلفية تراجع أسعار النفط وتوقعات بتباطؤ الطلب بسبب ركود الاقتصاد العالمي المحتمل الناتج عن الحرب التجارية.
وهو يعكس واقعاً اقتصادياً معقداً يمر به العراق في هذه المرحلة، مرتبطاً بعدة عوامل متداخلة، في مقدمتها تذبذب أسعار النفط وانخفاضها إلى مستويات لا تكفي لتحقيق التوازن المالي المطلوب، ما يضع العراق أمام تحديات مالية حقيقية، من أبرزها اتساع العجز المالي وتراجع القدرة على تمويل المشاريع، بحسب مختصين بالشأن المالي. ويقدّر صندوق النقد الدولي، أن العراق يحتاج إلى سعر نفط يبلغ 92 دولاراً للبرميل لتغطية الإنفاق الحكومي العام الجاري، فيما يجري تداول عقود خام برنت المستقبلية قرب مستوى 65 دولاراً, في هذا الصدد، أكد ت لجنة النفط النيابية، أن “العراق يعتمد على النفط في ميزانيته وأي انخفاض في الأسعار لها تأثير على الوضع الاقتصادي العراقي، لكن هذا في حال استمرار الانخفاض، أما إذا كان الانخفاض مؤقتاً فيمكن للعراق اتخاذ إجراءات بما يتماشى مع الوضع الاقتصادي لتجاوز الفارق من خلال اللجوء إلى الاحتياطي من الذهب والأموال لسد العجز,, وأبدى المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، استغرابه من هذا المؤشر، معتبراً أنه عكس الحقيقة,,وعلل صالح في تصريح صحفي، ذلك إلى أن “العراق يعتبر ثالث اقتصاد عربي من حيث قوة الناتج المحلي الإجمالي بعد السعودية والإمارات، وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في العام 2024 نسبة 4 بالمئة، وهذا يعود لوجود نهضة في التنمية ونشاط وتنوع في الاقتصاد واستقرار سياسي للمرة الأولى منذ عشرين سنة,, وقال ان الانطباع يستند إلى بيانات قديمة أو فكرة غير صحيحة عن ما يجري في العراق من تقدم وإصلاح اقتصادي وتعاون إقليمي ودولي بهذا المجال”. ورجح أن “حرب التعرفات الكمركية التجارية التي يعيشها العالم حالياً بين الصين وأمريكا هي قصيرة الأجل وفي طريق التسوية، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية، وجميع العالم في طريقه إلى التسويات للبدء بعصر جديد للتنمية والإنماء وبالتالي زيادة الطلب على النفط
ويرى اكاديميون مختصون بالاقتصاد الدولي،، أن تقرير صندوق النقد الدولي الأخير غير مفاجئ، بل يعكس واقعاً اقتصادياً معقداً يمر به العراق في هذه المرحلة”. واوضحوا، أن هذا الانكماش مرتبط بعوامل متداخلة عديدة، في مقدمتها تذبذب أسعار النفط وانخفاضها إلى مستويات لا تكفي لتحقيق التوازن المالي المطلوب، خاصة وأن العراق لا يزال يعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط لتمويل نفقاته العامة, وعندما تنخفض هذه الأسعار إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل، كما يحدث حالياً، فإن الدولة تجد نفسها أمام تحديات مالية حقيقية، من أبرزها اتساع العجز المالي وتراجع القدرة على تمويل المشاريع الاستثمارية والخدمية ,, العراق لم ينجح بعي بناء اقتصاد متنوع قادر على امتصاص الصدمات النفطية، مما يبقي العراق في دائرة التبعية للأسواق الخارجية والدعم الحكومي، ولذلك، فإن أي تغير في الإيرادات النفطية أو تقلب في أسعار الصرف يُترجم فوراً إلى تباطؤ اقتصادي قد يتطور إلى انكماش
في 22 أيار من عام 2003 أصدر الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش أمراً تنفيذياً لحماية صندوق تنمية العراق الذي كانت تودع فيه عائدات مبيعات النفط بهدف حمايتها من أية ملاحقات قانونية.– الرغم من مرور أكثر من عقدين على التغيير في العراق، فإن شكل الاقتصاد العراقي لم يستقر حتى الآن على هوية واضحة ومستقلة، فالسمات الغالبة على هذا الاقتصاد لا تزال تمزج بين اشتراكية الماضي ورأسمالية الحاضر، في توليفة غريبة قد تستمر لعقود قادمة، بسبب وجود الكثير من المعوقات والتحديات المالية والسياسية والأمنية والإدارية والتشريعية، التي أخرت كثيرًا عملية إصلاح الاقتصاد الوطني والنهوض به مرة أخرى— يُعد الفساد المالي والإداري بمثابة الورم الذي استشرى في جسد الاقتصاد وينخر في كيان الدولة، إذ تُقدر الأموال المنهوبة خلال عقدين من الزمن بمئات المليارات من الدولارات، وهو ما يضع العراق في مركز متقدم في سلم الفساد العالمي
في قلب السياسة النقدية والمالية العراقية، تكمن قصة مالية وقانونية معقدة، تتشابك فيها السياسة بالسيادة الاقتصادية، فبموجب اتفاقيات ما بعد 2003، فإن عائدات النفط العراقية لا تذهب مباشرةً إلى خزينة الدولة العراقية، بل تحوّل إلى وتودع في حساب خاص باسم “تنمية العراق” البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي,واضيح يُعرف لاحقًا بـ عراق2 ,,والهدف المعلن من هذا الإجراء، فهو توفير حماية أميركية لأموال العراق من المطالبات الدولية وقضايا التعويضات، وفقًا للأمر التنفيذي الرئاسي الأميركي رقم (13303)، والسماح للعراق بسحب كميات الدولار التي يريد، وتوجيهها نحو الاستثمارات في سندات الخزانة والذهب وغيرها، وتحويل جزء منها إلى مزاد العملة الذي يديره البنك المركزي العراقي
من جانب أخر, حذر مختصون وخبراء في الاقتصاد، من “خطورة” إقدام حكومة محمد شياع السوداني في الاعتماد على مبالغ الأمانات الضريبية لدفع رواتب الموظفين. وكشفوا عن قرار الحكومة الجديد، والتي جاء فيها، أنه “بناء على ما عرضته وزيرة المالية عرضاً طارئاً خلال اجتماع مجلس الوزراء، وما جاء في كتاب وزارة المالية المرقم (11س/ 373)، بتاريخ 14/ 4/ 2025. قرر مجلس الوزراء في جلسته الاعتيادية الـ15 المنعقدة في 15/ 4/ 2025، الموافقة على (تخويل وزيرة المالية صلاحية سحب مبلغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، البالغ 3 ترليونات و45 مليار و7 ملايين و500 ألف و252 ديناراً، لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة المودعة في حساب وزارة المالية لدى البنك المركزي العراقي (70019)، والتي ستودعه به لاحقاً بحسب الحاجة لإجمالي الدولة، على أن تجري التسوية النقدية شهرياً عند المطالبة بها عن طريق عكس مبلغ الأمانات من الإيرادات المستحصلة الفعلية شهرياً عند إجراء التحاسب الضريبي , واعتبروا أن الوضع المالي في العراق وصل لمرحلة خطرة جداً، والحكومة ستكون عاجزة عن دفع الرواتب خلال الأشهر المقبلة
العراق لم ينجح بعد في بناء اقتصاد متنوع قادر على امتصاص الصدمات النفطية، مما يبقي العراق في دائرة التبعية للأسواق الخارجية والدعم الحكومي، ولذلك، فإن أي تغير في الإيرادات النفطية أو تقلب في أسعار الصرف يُترجم فوراً إلى تباطؤ اقتصادي قد يتطور إلى انكماش ,, ما يجعل هذا العام من الناحية الاقتصادية أكثر صعوبة من سابقه هو تراكم الأزمات، فإلى جانب أزمة أسعار النفط، هناك اضطرابات في سوق صرف الدولار داخل العراق، حيث بدأت الأسعار تنخفض ولكن بطريقة لا تعكس بالضرورة استقراراً نقدياً حقيقياً، بل نتيجة تدخلات إدارية أكثر منها ناتجة عن قوة في العرض النقدي أو استقرار تجاري
ويشير مختصون ان العام الجاري 2025 يعد من أصعب السنوات الاقتصادية للعراق مقارنة بالسنوات التي أعقبت انتهاء جائحة كورونا نتيجة عوامل عديدة، في مقدمتها تذبذب أسعار النفط عالمياً وانخفاضه إلى مستويات غير كافية لتغطية نفقات الدولة العراقية ,, واوضحوا أن التقديرات الأخيرة لصندوق النقد الدولي أظهرت حاجة العراق إلى أن يكون سعر برميل النفط من 90 إلى 92 دولاراً لتحقيق التوازن المالي، في حين أن الأسعار الحالية مازالت تتراوح ما بين 65 إلى 72 دولاراً، ما يضع العراق في ضائقة مالية وتوسع في فجوة العجز,فالامر يتطلب ضرورة “إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية واستراتيجية واضحة لتنويع مصادر الدخل الوطني، وتمكين القطاع الخاص لقيادة جزء كبير من النشاط الاقتصادي بعيداً عن النمط الريعي الذي يعيشه العراق حالياً واثبت هشاشته الاقتصادية, وهو ما يتطلب،، بناء منظومة اقتصادية قوية تعتمد على الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الدخل وهذا هو الأساس لدى الاقتصاد العراقي لتحقيق استقلال نسبي بالقرار النقدي بعيداً عن الضغوطات السياسية والإقليمية والدولية التي تحيط بالعراق.