18 ديسمبر، 2024 8:53 م

الاغتراب .. وعي الأزمة هو جزء من حلِّه

الاغتراب .. وعي الأزمة هو جزء من حلِّه

ليس من السهولة ان يترك الانسان واقعة الى مكان اخرى او مع ذاته وباحثاً عن حياة جديدة و ينفصل فيها الفرد عن المجتمع والثقافة،وتسمى الاغتراب وتعني صراع الفرد مع أبعاد وجوده وشُعُورُ الانسان بِالضَّيَاعِ وَالاسْتِلابِ ،، مع الشعور بالغربة وما يصاحبها من خوف وقلق، وهو يمثل تعبيرًا إنسانيًّا عن معاناة وجودية ذات أبعاد نفسية واجتماعية، من مظاهرها الهوة الفكرية والاستلاب القيمي وآثارهما في عزل الإنسان عن نفسه ومجتمع ، يظهر عند الفرد الذي لا يكون لديه وضوح فيما يعتقد، وكذلك عدم توفر المستويات الدنيا من الوضوح في اتخاذ القرار، و المغترب نفسيًّا يتسم بالتوقع المنخفض لإمكانية القيام بأية نشاطات أو سلوك، وذلك خوفًا من نتائج مريرة سابقة.

كذلك فإن لدى المغترب نفسيًّا عدم استبصار بالأهداف الاجتماعية، لأن لديه قناعة بأن ما يسعى إليه المجتمع في الوقت الحاضر من أهداف تتعارض مع القيم الإنسانية وتعاليم الدين ، فيصبح الفرد مفتقرًا لمرشد أو موجه لسلوكه ، ويتعمق الإحساس لديه بالفراغ الهائل نتيجة لعدم توفر أهداف أساسية تعطي معنى لحياته ويستثمر فيها قدراته، وتعرف هذه الحالة السيكو اجتماعيّة المسيطرة بشكلٍ تام على الفرد، بحيث تحوّله إلى شخصٍ غريبٍ ومن الطبيعي ان روح المغترب ھو الذي يكون وعيه ذات طبيعة منقسمة ومزدوجة ومجرد كائن متضاد وبعيد عن بعض النواحي الاجتماعيّة في واقعه.

وتسيطر فكرة الاغتراب في الوقت الراهن على تاريخ الفكر الاجتماعي ،اواضطرار بفعل اليأس إلى الانشغال بتدبير شؤونه الخاصّة، والصراع فيه مع القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتحديد موقفه التاريخي مما يدور حوله، ويكون مغتربا ً عن ھذا الموقف لأنه لا يتحقق، فيبقى الإنسان مستھلكا ً مسلوب الذات ويفكر في تحسين أوضاعه المعيشية الماديّة بشرط ان لا يكون على حساب كرامته وإنسانيته وطاقاته الإبداعية، الاغتراب له أبعاد متعددة؛ نفسية واجتماعية ووجودية، وتزداد حدته ومجالات انتشاره كلما توافرت العوامل والأسباب المهيأة للشعور بذلك، والإنسان عندما يغترب نفسيًّا، واجتماعيًّا ووجوديًّا، فهو لا يملك سوى ذاته يتمركز حولها ويلتصق بها، ونتيجة ذلك أن يعجز الإنسان عن استثمار طاقاته وقدراته ومواهبه، وبالتالي لن يستطع تحقيق ذاته ، ويتم عادةً التمييز بين أشكال متعددة من الاغتراب، لكن من أهمها الاغتراب الذاتي والاغتراب الاجتماعي. فالاغتراب الذاتي هو انتقال الصراع بين الذات والآخر من المسرح الخارجي إلى النفس الإنسانية، وهو اضطراب في العلاقة التي تهدف إلى التوفيق بين مطالب الفرد وحاجاته ورغباته من ناحية، وبين الواقع وأبعاده من ناحية أخرى، إنه نوع من الخبرة والتجربة التي يجد فيها الإنسان نفسه كغريب، فالشخص المغترب نفسيًّا هو إنسان فقد اتصاله بنفسه وبالآخرين.

ويمكننا وصف مفھوم الاغتراب بأنه صراع الإنسان مع أبعاد وجوده وان المنطلق النفسي والاجتماعي في تحديد مفھوم الاغتراب كان يدور في إطار العزلة واللاجدوى، وانعدام المغزى الذي يشكل” نمطا ً من التجربة يعيش الإنسان فيھا كشيء غريب، ويصبح غريبا ً حتى عن نفسه ، والمقصود بالاغتراب عن النفس ھو افتقاد المغزى الذاتي والجوھري للعمل الذي يؤديه الإنسان وما يصاحبه من شعور بالفخر والرضا، وبديھي أن اختفاء ھذه المزايا من العمل الحديث ويخلق شعورا ً بالاغتراب عن النفس،.اما معاني الاغتراب:كما يلي

1-الاغتراب بمعنى الانفصال بين الذات والواقع (وحتى، أيضا ً، شعور الإنسان باختلاف ذاتھ عن الآخرين)، وافتقاد الإحساس بالعلاقة بينھما؛ ومن بعدُ انعدام الشعور بالقدرة على تبديل الواقع، ثم افتقاد القدرة على اكتشاف المغزى والعبرة القيمية من الحياة.

2-لاغتراب بمعنى تلاشي المعاييروالعزلة النفسية عن المجتمع، ثقافيا ً وحياتيا ً؛ ومن بعدُ الاغتراب عن الذات.

3- أما الاغتراب لغوياً فھو يعبِّر عن حرمان الإنسان من أشياء يحبھا، أو عن ابتعاده عن شيء أو شخص يرغبه أو يحبه بطبيعته أو غريزته؛ وھو تعبير عن ضياع وافتقاد ھذا الشيء.

الاغتراب على المستوى الاجتماعي: ھيجل يھتم بالاغتراب عن الذات على مستوى الأسرة والمستوى السياسي، والمستوى الاقتصادي، وھيجل وھو بصدد تحليله لوضع الأسرة وعلاقه بالاغتراب، فإن الأسرة كانت متحققة بتمامھا في الجماعة، وكانت الجماعة متحققة بتمامھا في الأسرة، وھو بذلك يريد أن يقول أن الوعي الذاتي عندما يعمل تارة من أجل الدولة، وتارة أخرى من أجل الأسرة فإنه حينئذ يحقق فعلا جماعيا حينا، وفعلا فرديا حينا آخر دون أن ينجح في تحقيق أي امتزاج بين ھذين الفعلين، ويعزو ھيجل لھذا النمط من الصراع الكامن في الفعل القضاء على الفرد، وبالتالي القضاء على الجماعة نفسھا في مجتمع المدينة وتحقيق اغتراب الخضوع، الذي يترتب عليه بالضرورة اغتراب الانفصال. على اي حال على الرغم من تشاؤم فروم عمومًا، فقد آمن بقدرة الإنسان الفرد على صنع حياته ومصيره والتأثير في مجتمعه وتغييره إلى حدٍّ ما ، غير أن إرادة التغيير لا تكفي لصنع التغيير، بل لا بدَّ من الوعي بالذات والتصعيد والتحول إلى الإنتاج ، بما يتيح إمكانات للانتصار على الاغتراب، مع التأكيد على الجانب النفسي عند الأفراد ، و أن وعي الأزمة هو جزء من حلِّه .