23 ديسمبر، 2024 4:59 ص

الاعلام وثقافة المتلقي

الاعلام وثقافة المتلقي

بعد العولمة توسع نطاق حرية الاختيار لدى الفرد في العديد من دول العالم خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وذهاب الانظمة الديكتاتورية والشمولية. وبعد الثورة العارمة في تكنلوجيا المعلومات  تضاعفت سرعة  انتقال  المعلومات بشكل فلكي مما جعل مسألة الزمن مسالة غير مهمة ابدا كما كانت في السابق , كما لم تعد الحدود الجغرافية عائقا امام انتقال الكم الهائل من المعلومات وتدفقها اطلاقا. والاهم من ذلك كله  اصبح سهلا جد ا بالنسبة للأفراد في معظم دول العالم امتلاك وسيلة الاتصال.

 فهذا التظافر الثلاثي الجديد للزمن والمكان والالة  احدث  ثورة لم تشهدها البشرية من قبل وبدأت اثارها الاولى بالظهور وبدأت تتحكم بسلوك الانسان بشكل غير عادي في اوائل الالفية الثالثة.  حيث بدت العلاقات بين مكونات الاسرة  اضعف بكثير من العلاقة بين الة الاتصال والفرد.

والاهم من كل هذا بدأت نزعة عند الافراد في التنوع في استلام المعلومة  وبما ان التنوع يتطلب سرعة في استلام المعلومة والانتقال الى الاخرى فلذلك لم تعد المعلومة الطويلة تهم المتلقي  بل اصبحت عائقا امام الرغبة في الحصول على كم هائلة من  سيل المعلومات المتدفقة.

واصبح حجم المعلومة  ونوعها اهم شيء عند المتلقي ويرجع السبب في ذلك الى توفر سيل هائل من المعلومات مصحوب برغبة عارمة  عند المتلقي لاحتواء اكبر كمية من المعلومات في  اقصر وقت لذلك اصبحنا لا نستغرب  الاهتمام  بحجم المعلومة.

وكدليل على ما قلنا اعلاها من ناحية النوع نرى ان المتلقي يفضل مواد الاعلام المرئي المسموع  في مواقع التواصل  الاجتماعي على  مواد الاعلام المسموع  او على الاعلام المرئي غير المسموع  (صور + توضيحات كتابية). ونراه يبحث عن النكتة والطرفة ولا تهمه الاشياء التي لا تتفق مع ميوله واتجاهاته.

اما من ناحية الحجم نرى المتلقي يفضل التعامل مع الفيديوهات  القصيرة  ويواصل مشاهدتها كي ينتقل بسرعة الى معلومات اخرى في الانتظار وذلك لسرعة تدفق المعلومات كي لا يفوته التعامل مع  اكبر عدد ممكن من المعلومات . فلا نستغرب في عصرنا هذا  ان لا تلقى الانتاجات الفنية العربية القديمة كأغاني ام كلثوم وفريد الاطرش وعبدالحليم حافظ ذلك الاهتمام الذي كانت تحظى به في الزمن الجميل.

والملاحظ ايضا ان هناك تنافس شديد بين التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي ويبدو ان الكفة الراجحة هي لوسائل التواصل الاجتماعي   حيث نرى شبابنا اليوم يقضون ساعات طويلة مع وسائل التواصل اطول بكثير من مشاهدة التلفاز.

من هذا يتبين لنا ان  ثقافة الاعلام في هذا الزمن اصبحت ثقافة مبتورة  اي غير مفصلة  فبدلا ان تكون لدى المتلقي فكرة كاملة عن امر ما نرى لديه معلومات موجزة وقصيرة عن ذلك الامر قد تتساوى مع خبر قصير  او جميلات  ان صح التعبير . فقبل ظهور الفيس بوك او الوتس اب عندما كنا نتحدث عن فيلم سينمائي ما  في الماضي تظهر التفاصيل و ونتذاكر باسماء الممثلين  واهمية الحدث لأنه  تمت مشاهدة العمل بالكامل وبتشوق . والشيء المحزن الان عندما يتحدث المرء  مع شباب  هذا الجيل حول فيلم ( Troy )حصان طروادة او فيلم الرسالة لمصطفى العقاد وغيرها من الاعمال السينمائية المهمة يجد نفسه يتحدث لغة غير مفهومة.