يسعى كل من الاعلام والسلطة الى البحث عن مجال حيوي يتمكن بوساطته من توسيع ميدان نفوذه, والهدف هو المجتمع في النهاية. واذا كانت السلطة تتحرك بثلاثة اجنحة هي التشريعي والقضائي والتنفيذي بالاضافة الى امكانيات “تغولها” فيما لو كانت شمولية فان للاعلام ميدانا واحدا يظل يركض خلفه “والعشا خباز” ويتمحور حول البحث عن الحقيقة الغائبة بين هذه السلطات الثلاث. في العراق وبعد عام 2003 فان المنجز الاهم لما تحقق على كل المستويات هو “حرية التعبير” طبقا لما عبرت عنه المناقشات التي جرت عبر ندوة “واقع حرية التعبير في العراق” في مركز “انهيدوانا” على قاعة عبد الهادي الجلبي السبت الماضي. لكن هذه الحرية تبدو مشروطة بممارسات ذات طابع سلطوي مثلما عبر عنه الاستاذ عدنان حسين رئيس التحرير التنفيذي لجريدة “المدى” في ورقته او بقوانين واجراءات قضائية بامكان موظف تنفيذي “زغير” تعطيل بند دستوري بكامله مثلما ذهب الى ذلك القاضي اياد محسن في ورقته باعتبار ان حرية التعبير مكفولة دستوريا.
المجال الذي يبحث عنه كل من الاعلام والسلطة اليوم هو النفوذ. السلطة تحاول احتكاره حتى بادوات الديمقراطية احيانا (مثل رفع الدعاوى القضائية بجرائم النشر بتهمة الاهانة) فيما يسعى الاعلام الى اختراقه بما يعتبره طرقا مشروعة للاختراق. نحن اذن حيال معادلتي نفوذ يسعى كل طرف الى توسيع ميدان نفوذه باسم القانون. فالاعلام سلطة تملك في كثير من الاحيان مفاتيح التغيير الكبرى مجتمعيا. الانتقال من اعلام النخبة الذي تمثله مقالات واعمدة لكتاب من وزن توماس فريدمان او محمد حسنين هيكل او فؤاد زكريا الى اعلام مجتمعي تقوم المعلومة فيه بالدور الاهم في الحشد والتغيير مثلما راي الدكتور ماجد الصوري وهو رجل اقتصاد لا رجل اعلام في مداخلته بالندوة ذاتها.
حرب الخليج الثانية التي اسماها الاميركان “عاصفة الصحراء” حملت اسما ثانيا هو “الحرب التلفزيونية” قبل انتشار وسائل التواصل الاكثر حداثة والاكثر قدرة في اختراق العقل والوجدان مثل شبكة الانترنت التي انتجت لنا وسائل التواصل الحديثة واخرها الفيس بوك وتويتر. وخلال الحروب والمواجهات التي حصلت خلال الخمسة عشر سنة الماضية كانت قناة “الجزيرة” لعبت دورا استثنائيا حملت بوش الابن على التهديد بقصفها كاية قاعدة عسكرية. ومع ان الجزيرة تراجعت عن مجال النفوذ بعد تبنيها خطابا اخوانيا فانها بقيت تحتكر التصنيف الخامس عالميا كاقوى علامة تجارية تنافس كبريات شركات النفط والاتصالات في العالم. مع ذلك فان مجال نفوذها السابق لم تملؤه ما كان ينافسها من قنوات بمن في ذلك “العربية” لان مجالات النفوذ توسعت مدياتها وضاقت سبل التعبير عنها باختلاف مديات الرؤية وسبل التعبير عنها.
وبالمحصلة النهائية فاننا حين نتناول حرية التعبير ووسائل تجسيدها على ارض الواقع فانه لاينبغي ان يغيب عن بالنا ان هناك صراعا مفتوحا بين الاعلام والسلطة بات يتسع مفهومه بقدر ما تتقلص حدوده باتساع المسافات. ولعل عبارة النفري الشهيرة “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة” يمكن ان تعبر عن فحوى هذا الصراع بعيدا عن مغزاها الصوفي.