ابان موجة القتل المجاني التي شهدها العراق في العامين 2006 و 2007 , الكثير من العراقيين في الخارج لم تكن لديهم اجابات ومواقف صريحة وواضحة بعد ان اختلطت الامور من وجهة نظر قطاع كبير من المتابعين والمراقبين العرب .
وربما كنت من القلائل الذين ادركوا بان ما كان يجري انما ياتي في سياق ستراتيجية ( مصيدة الفئران ) التي انتهجتها الولايات المتحدة وبعض الدول العربية عبر تحويل العراق الى مصيدة للجماعات والخلايا المتطرفة عبر دفعها لمغادرة جحورها في تلك البلدان والتوجه الى العراق وذلك في اطار استنساخ جديد للنموذج الافغاني .
في تلك الفترة كنت اعمل في محطة تلفازية ومعي زملاء من مختلف البلدان العربية الذين لم يخف البعض منهم سعادته بما كان يسيل من انهار دماء بموازاة مجرى الرافدين .
زميل لي من سورية ومن الطائفة العلوية , كان يفسر ما يحصل على انه مقاومة للاحتلال ,واثناء غيابي كان يقول صراحة لبقية الزملاء بان القتل الذي كان يطال في الاغلب العراقيين الشيعة انما هو تحصيل حاصل لانهم لم يقاموا الاحتلال .
في حينها عجزت عن اقناعه فقررت ان اتجاهله لما يسببه لي من الام , فكنت اكتفي بالرد عليه بقول الشاعر :
وقل للشامتين بنا افيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
لم تكن نظرة استقرائية لما ستؤول اليه الامور في وسورية وهو ما يجري حاليا بالفعل ومشابه الى حد كبير ما كان يجري في العراق انذاك .
فجوابي من خلال البيت الشعري وهو للشاعر العلاء بن قرظة , كان هو جوابي نفسه لاخرين من بلدان عربية من مصر وتونس وليبيا .., كانت تعميهم شعارات مقاومة الاحتلال عن المأساة الانسانية التي يخلفها العنف والارهاب في العراق .
تحدثت طويلا معهم ودون جدوى عن المعايير الاخلاقية العربية والاسلامية التي تلزمنا كبشر وانسانيين بالنظر الى قيمة الانسان وهي قيمة عليا لا تعلوها اية قيمة ولا تخضع لاية معايير وشعارات ولا يمكن باي حال من الاحوال تسويفها او تدليسها عبر سرد المبررات والذرائع .
كانت تبريراتهم هي ذاتها التي يسطرها كتاب وصحفيون قساة في اغلب الصحف والقنوات التلفازية والاذاعية ومواقع الانترنيت , وقد تشابهت جميعها مع فتوى اصدرها ابو مصعب الزرقاوي في عام 2006 وهي (( جواز قتل الترس )) والتي شرحها الزرقاوي وقال : انك اذا اردت قتل شخص وسط حشد كبير من الناس , فيجوز لك قتل هؤلاء الناس جميعا كي تصل الى هدفك .
بموجب فتوى ورؤية الزرقاوي , كانت العديد من وسائل الاعلام العربية لاسيما الجزيرة تصوغ خبر تفجير الشاحنة في محلة الصدرية وسط العاصمة بغداد والذي خلف نحو مئتين وخمسين قتيلا كالتالي (.. هذا وكان الهجوم يستهدف دورية للقوات الاميركية ..)
وتحت تبرير العبارة الاخيرة , قتل الاف العراقيين واضعافهم من الافغان ,وكأن دواخل المبررين تريد الهرب من المسؤولية, لان الاعتراف بالحقيقة يستوجب اتخاذ موقف يحتمه الضمير والانسانية والمنطق الشرعي .
كانت التبريرات هروبا الى الامام المجهول ولم يكن يدور في بال اي من المبررين انه هو سيواجه في بلده ذات المصير .
اعتقد ان التاريخ القريب عبرة وعظة سقط امامها كثيرون ممن امتهنوا الكتابة والاعلام فبانت حقائقهم بعد ان تبين ان الذي بينهم وبين الزرقاوي مجرد خيط رفيع .
طرقت في ذهني فكرة هذا المقال وانا اشاهد مدينة حمص ولم يبق فيها حجر على حجر وايضا اشاهد السحل والقتل في بورسعيد المصرية .