22 ديسمبر، 2024 10:04 ص

الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتشكيل الحكومة الفرنسية

الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتشكيل الحكومة الفرنسية

بعد مرور أكثر من أربعين يوما على الانتخابات التشريعية، ما يزال الفرنسيون ينتظرون من الرئيسماكرون تعيين رئيس حكومة من كتلة القوى السياسية المتحالفة الفائزة تحت اسم الجبهة الشعبية الجديدة! اذ تعد هذه الفترة الطويلة سابقة في تاريخ فرنسا السياسي منذ العام 1953 حيث شهدت فيه أطول عطلة للسلطة انئذاك. وقد تعلل الرئيس ايمانويل ماكرون بداية بدورة الألعاب الأولمبية التي اقامتها فرنسا في شهر تموزالماضي، لكن قرار حله للجمعية الوطنية الذي لم يحظبتأييد حتى القريبين منه، لم يأخذ بالاعتبار تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في هذا التاريخ ومثله قرار أجراء الانتخابات التشريعية في هذه الفترة القصيرة جدا، وعند قرب نهاية الألعاب الأولمبية، أدعى ماكرون ان سبب تأخر تعينه رئيس حكومة بانه ليس هناك من فائز في هذه الانتخابات لأن الجبهة الشعبية الجديدة ليست اغلبية في الجمعية الوطنية، علما انه يحكم أيضا بأقلية وقد اتخذت أكثر قراراته دون اغلبية في الجمعية الوطنية! تلت ذلكحجة أخرى هي عدم استعداد الجبهة الشعبية الجديدة للحكم وعدم اتفاق اعضائها على اسم لرئيس وزراء بسبب الخلافات بينهم في محاولة لشق وحدة اليسار واضعافه ودفعه الى التنازل عن برنامجه الذي وعد بهالفرنسيون وأنتخب من اجل تحقيقه وبالأخص منه فقرة الاعتراف حالا بالدولة الفلسطينية ، وحينما قدمت الكتلة الفائزة بضعة أسماء اخذ الاعلام بشيطنة الأسماء المقترحة وكأنه مدفوع بأوامر لإسقاطها استلموا أوامر ليرسل بعد ذلك اسم آخر للإليزيه من حزب البيئة، ومع ذلك فقد رد الرئيس ماكرون على سؤال صحفي عن تشكيل الحكومة وتقديم اليسار لاسم “لوسي كاستيهلرئاسة الوزراء فقال ماكرون ان المشكلة ليست بتقديم اسم بل بالأغلبية التي ستتشكل ! واعترف لأول مرة علنا هْزمت لكن أحدا لم يفز؟ وأقول للأحزاب ان يتفاهموا بينهم ليشكلوا تحالفا وهو ما يريده الفرنسيون! يتضح من كلام الرئيس هذا انه يتهرب من تعيين رئيس وزراء من كتلة الفائز بالانتخابات ويتلاعب بالكلمات مناقضا أقواله نفسها! إذا كان هناك خاسر فهناك حتما فائز لكنه ببساطة يرفض فوز اليسار الذي لم يكن في حساباته عند حل الجمعية الوطنية!

ان المتعارف عليه في مثل هذه السياقات هو ان يتصل الرئيس بالحزب الفائز ويطلب اسما لتعيينه رئيسا للحكومة التي سيشكلها فقط لكن الرئيس يماطل بشكل غريب منذ نهاية الانتخابات التشريعية. وبدل ان يعٌين رئيس حكومة من اليسار احتفظ بحكومته المستقيلةلبتسيير الاعمال من دون أي صلاحيات كبيرة وفقاللدستور، ورغم ذلك فأن هذه الحكومة أستمرت بالعملحكومة دائمه تصدر قرارات ليست من صلاحيتها بل منصلاحيات الحكومة التي يشكلها رئيس الوزراء الجديد الفائز في الانتخابات الاخيرة. لقد أثارت هذه المناوراتغير الدستورية عددا من السياسيين والقانونيين المتخصصين وعلى رأسهم دومينيك دوفيلبان رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك الذي قال بحدة غير معهودة يمكن للرئيس في هذه الحالة ان يأخذ بعض الوقت لكن لا ان يأخذ وقته كله وينشغل بكتابه رسائل للصحفيين بدل تعيين رئيس حكومة!. وللمرة الأولى عبٌر أكثر من أستاذ قانون ومتخصص ومحام عن دهشتهم لتعامل الرئيس ماكرون بهذه الطريقة مع انتخابات تشريعية ومع نتائجها بطريقة لا تخدم استقرار الدولة وتسيء الى سمعة فرنسا والى مصداقية احزابها السياسية وديمقراطيتها بنظر الفرنسيين والعالم!

يبدو واضحا ان تأخر الرئيس ماكرون عن الاتصال بالكتلة الفائزة لم يكن بسبب الألعاب الأولمبية وهذا ما أشار له اكثر من سياسي وقانوني ولا علاقة له بقضية الأغلبية فالحجة مردودة على صاحب الأغلبية النسبية في الجمعية الوطنية نفسه ، بل له علاقة وثيقة ببرنامج الحزب وبالأخص بقرار زعيمه جان لوك ميلنشونالاعتراف في اول أسبوعين من الوصول للسلطة بالدولة الفلسطينية” وهو الامر الذي يرفضه ماكرون بشكل كامل لأنه يرى ان الوقت لم يحن لمثل هذا الاعتراف ولأنه من المؤيدين والداعمين بقوة لحكومة الاحتلال ولحربها ضد الشعب الفلسطيني، وهذا هو ايضا سبب استبعاد زعيم الحزبميلنشون من تولي منصب رئاسة الوزراء، الذي رد بالقول انه لا يهتم بالحصول على منصب رئيس الوزراء بل ان هدفه هو الانتخابات الرئاسية لعام 2027. ليس ذلك فحسب بل شمل الاستبعاد من منصب رئيس الوزراءنوابا في حزب فرنسا الابية ممن يتميٌزون عن غيرهم من النواب في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وإدانة الحرب الهمجية عليه سواء في الجمعية الوطنية او في المناسبات التي حشٌدوا لها لدعم الشعب الفلسطيني مثل رئيسة كتلة حزب فرنسا الابية في البرلمان النائبة ماتيلدبانو والسياسي البارع ومنسق الحزب ايمانويل. ورغم تقديم الجبهة الشعبية الجديدة اسم من خارج حزب فرنسا الابية مثل لوسي كاستيه من حزب البيئة لرئاسة الوزراء، فأن الرئيس ماكرون رفض تعيينها لتمسكها في لقائه معها ومع ممثلي اليسار بتنفيذ برنامج الجبهة ونيتها تعيين وزراء من حزب فرنسا الابية في تشكيلة حكومتها.

ان اعلان الدولة الفلسطينية من قبل كتلة اليسار سيكونضربة كبيرة وضياع عمل عقدين لما قام به ماكرونواللوبي الصهيوني ومن سبقه لتغييب القضية الفلسطينية عن الفضاء الفرنسي وهو ما لا يمكن قبولهمن الرئيس، ولا من اللوبي، ولا حتى من بعض الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة العنصرية التي تساند اليوم حرب الإبادة الصهيونية في غزة، لان ذلك سيعيد القضية الفلسطينية بقوة الى الساحة الفرنسية ويقضي على كل القوانين والإجراءات التي اتخذت لتشوية وتجريم المدافعين عن الحق الفلسطيني وخاصة الفرنسيين من أصول عربية.

أزاء هذا التعنت ورفض الاعتراف بنتائج الاقتراع الديمقراطي للشعب الفرنسي ورغبة الرئيس ماكرون بتشكيل الحكومة بنفسه، واختيار رئيس وزراء على هواه في خرق للدستور، قررت الجبهة الشعبية الجديدة استخدام المادة 68 من الدستور التي تتيح اقالة الرئيس من منصبه، وهو اجراء يتخذ في حال عدم التزام الرئيس بمهامه التي يحددها الدستور كما قررت عدم الموافقة على اية حكومة لا ترأسها لوسي كاستيه علما انه ليس هناك أي اغلبية لاي حزب في الجمعية الوطنية دون حزب فرنسا الابية او التجمع الوطني الامر الذي سيحبط كل مناورات ماكرون. كما دعت الجبهة الى تظاهرات شعبية يوم السابع من الشهر القادم لمطالبة الرئيس باحترام الديمقراطية واحترام تصويت الشعب على التغيير ورفض سياسته من غالبية الشعب الفرنسي.

بضراوة يحاول الرئيس ماكرون وحزبه ومعهم بقيٌة الأحزاب وخلفهم اللوبي الصهيوني ابعاد الجبهة الشعبية الجديدة التي فازت في الانتخابات التشريعية عن الحكم وبالطرائق كلها، ولكن عبثا حتٌى الان. وأضافة الى مايقوم به الرئيس ومعه اتباعه في الأحزاب الأخرى ، وجه51 نائبا من حزبه رسالة الى رئيسة البرلمان الأوربي روبيرتا ميتسولا يطلبون فيها رفع الحصانة عن النائبة الاوربية الفلسطينية الأصل ريما حسن لمشاركتها في تظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في عمان في محاولة للنيل منها ومن هويتها ونزع شرعية تعيينها الذي آلم حكومة الاحتلال كنائبة لرئيس لجنة حقوق الانسان في الاتحاد الأوربي والإساءة لحزب فرنسا الابية رغم ان مثل هذه الدعوة غير مقبولة وفق قانون الاتحاد الأوربي، لكن حزب فرنسا الابية ونوابه تصدٌوا بقوٌة لهذه المحاولات الخبيثة ودعموا بقوة ريما حسن بالمبدئية نفسها وبالانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ضد حرب الإبادة الصهيونية التي اظهروها للعالم منذ 7 أكتوبر 2023.