تشهد الانظمة السياسية المضطربة التي دخلت عتبة الديمقراطية ولم يعم الاستقرار في بلدانها جراء تنامي ظواهر الانفلات والتمرد وما يرافقها من سلوك التشدد والعنف ، وكلما اطلق هامش الحرية للمواطن سادت الفوضى لتعم شرائح المجتمع ، مما ينتج ردود فعل لدى الاطياف والمكونات الثقافية والحضارية لمواجهة التحديات فتلجأ الى مظاهر الاحتماء الذاتي باشكال دينية او مذهبية او عشائرية للمحافظة على هويتها المستقلة واكسابها الشعور الجمعي الرابط بين ابناءها في المكون او المذهب او العشيرة ، وبالتالي يفرز المجتمع عدد من الافراد والذي يعتقد انهم رموزه وممثليه سواءاً كانوا سياسيين او رجال دين او شيوخ عشائر . في المقابل نجد ان النخُب قد تخلت عن دورها وتراجعت وانزوت مما جعل الصوت المدوي للشباب من ذوي الحس الارتجالي ونزعة التمرد على الواقع بدافع المطالبة بالحرية واعطائهم حقوقهم لا سيما توفير فرص التعين لهم . نرى اليوم الشارع العراقي اصبح مثالاً لتلك الحالة المتولدة بفعل وصوله الى قناعة مفادها ان مصالحه قد تضررت وعدم حصوله على مكاسب اجتماعية كان افراده يمنون انفسهم بها بعد عملية التغيير الديمقراطي عام 2003م . ان اندفاع الشباب وتحريك الشارع ضد الاوضاع هو بحد ذاته انقلاب على الواقع وعدم قناعة المواطن بما يجري . وبالتالي بدأت الاملاءات وسقوف المطالب العالية التي لا نهاية لها على انغام وامال الساسة والمرشحين باطلاق الوعود التي لا حصر لها كي يتم استقطاب الشارع الغاضب واقناعه كي يكون مع تلك الكتلة اوالحزب ، فيما يمارس العقلاء لا سيما المرجعيات الدينية والنخب المستقلة ضغوطهم على الكتل والقوائم الانتخابية بتحديد البرامج السياسية للمرشحين مما وضع الكتل السياسية امام مسؤولياتها لا سيما الكتل الكبيرة وخلق توتراً واضحاً ازاء ما يحدث والذي اعتبرته تحريضاً ضدها . امام هذه الوقائع ينبغي تبني الاعتدال السياسي والذي هو نقيض التشدد . اذاً كيف يمكن الوصول الى الاعتدال السياسي ؟ والذي بات شعاراً يرفعه الساسة تروج له الكتل . لذا نعتقد ان اشاعة الاعتدال و تعميم ثقافته وتعليم الافراد عامة والسياسين خاصة على انتهاج فن الاعتدال في العمل السياسي الميداني سيكون له مردودات ايجابية لتعميق الدور التوعوي في ايضاح مدلولات وقيم الاعتدال في لغة الحوار وحرية الرأي والرأي الاخرلا سيما في الحملات الانتخابية وشطب الوعود غير القابلة للتحقق وابراز الجانب الاستشراقي في البرنامج السياسي للمرشح والابتعاد عن التنظير الذي سيكون قولاً فقط مما يفوت الفرصة على ممارسة ثقافة الاعتدال باعتبارها نهجاً وليس شعاراً .