ما نراه اليوم ورأيناه في السابق من تجاوزات مشينة لا تعد ولا تحصى ضد ابناء السلطة الرابعة ، يؤكد باننا لم نزل نعيش تحت ظل شريعة الغاب وليس دولة يقودها دستور وتشرع فيها قوانين الحكم الديمقراطي.
ولعل ما حدث الاربعاء الماضي في معقل الدولة ، المنطقة الخضراء ، كان ممارسة غوغائية متكرّرة ، وإعلانا جديدا بأننا لم نزل في دولة اللا قانون.
وكنتيجة حتمية ، يستمر مسلسل الاعتداء على الصحفيين والاعلاميين من قبل اولئك الذين يخشون من أية مرآة صافية تكشف لهم عيوبهم وتظهر فسادهم وانحطاطهم امام الرأي العام ، سيما وان الاعلام بات الحجر الاساس في التغيير بعد ان فعل ما لم تستطع فعله اية سلطة اخرى في البلد.
ففي بلدان اخرى ، نجح ابناء (صاحبة الجلالة) بتغيير الخارطة السياسية وابعاد زعامات فاسدة والاتيان باخرى وهز عروش.
وفي العراق .. وبعد سقوط النظام في العام 2003 وحتى الان ، يبدو ان هذا التوجس من الصحفيين لم يكن مريحا للبعض ممن يرتعب لمجرد سماعه بوجود اعلامي خارج قفصه الذهبي في اية دائرة او مؤسسة حكومية .
ان تحسس بعض المسؤولين واذيالهم المحيطين بهم ، تجاه الصحفيين ، امر جلي لا يمكن اغفاله ، فجل ما يثيرهم هو قوة الصحفي ، واصراره على نقل المعلومة لابناء الشعب حتى وان كان ذلك على حساب حياته التي تعد اثمن ما يملكه بنو البشر.
لقد بات الاعتداء على الصحفي وسام فخر لدى البعض يتباهى به امام زملائه في العمل وحتى اقربائه وهو يدفع بكتفيه الى الخلف ليبرز عضلات صدره ويقول بملء فمه انه طرد الاعلامي الفلاني واعتدى على اخر.
فقد اصبحت عقدة النقص الذي يشعر بها اولئك (النكرات) ضد الاعلاميين ، واضحة للجميع منذ زمن بعيد ، ولعل الفضيحة التي حدثت يوم الأربعاء الماضي ، بعد اعتداء حماية مركز النهرين للدراسات الستراتيجية التابع لمستشارية الأمن الوطني والواقع في المنطقة الخضراء وسط بغداد ، بالضرب على عدد من المصورين ومراسلي القنوات الفضائية خلال تغطيتهم لمؤتمر البطاقة الوطنية ، هي في الواقع تجسيد عملي لذلك.
نعرف جيدا ، ان تلك التجاوزات لن تنتهي ما بقينا مصرين على فضحهم وتعريتهم وتخليص البلد من غيهم وطغيناهم ، فبمجرد شعورهم بان الاعلامي سوف لن يدخر جهدا لاتمام مهمته النبيلة ، يغتاضون وينتفضون .. حرقة وخوفا.
فعلى مدى السنوات الماضية أُنتهِكت حقوق الصحفيين وكرامتهم على نحو سافر ، ووقع ذلك تحت سمع وبصر الحكومة والبرلمان والقضاء والمجتمع برمته.
ضُرِب الصحفيون بالهراوات لا لذنب اقترفوه سوى انهم كانوا يغطون المظاهرات المطالبة بالاصلاح وتوفير الخدمات والأمن والتنمية.
ولم تكتف القوات الامنية بضرب الصحفي وانما باتت تقتاده الى المراكز الأمنية وتعتدي عليهم لفظياً وجسدياً ، ولُفِقت لبعضهم التهم بتزوير وثائق وهويات لمساومتهم من أجل التوقيع على تعهدات.
لكن ذلك لم يثنهم البتة عن اداء واجبهم وسيبقون على هذا النهج ولن تأخذهم في الحق لومة لائم ..