بداية اشير الى ان هناك كتابا مهما لم أر في حياتي طالب علوم شرعية أو حافظا للقرآن الكريم او قارئا مواظبا لكتاب الله تعالى الا وعنده نسخة منه يرجع اليها بين الحين والاخر لتسعفه في فهم معاني المفردات القرآنية،من تأليف مفتي الديار المصرية الاسبق الشيخ حسنين محمد مخلوف رحمه الله تعالى ، والذي حرص وكما ذكر في مقدمته على ، أن ” يكون كتابه هذا رفيقا للمقيم ، و زادًا للمسافر،خفيف المحمل ،سهل المأخذ ،داني القطوف ،يسارع إليه التّالي و السّامع فيسعفه بطلبته ،ويعينه على بلوغ غايته ، دون تجشّم و عناء” …الفه وبحسب ما جاء في سيرته وعلى لسانه “بعدما رأى كثرة السائلين في أثناء دروسه عن بعض معاني الآيات القرآنية، فوجد من الاهمية بمكان تأليف كتاب في هذا المجال بعنوان -كلمات القرآن تفسير وبيان -” طبع الكتاب مذ طرحه بداية خمسينات القرن الماضي مئات المرات وبمئات الاف النسخ ولاتكاد المكتبات العامة والخاصة تخلو منه البتة ..حتى عرف صاحبه ورفع ذكره به وحري بكل طالب علم وقارئ للقرآن ان يقتني هذا الكتاب ويضعه الى جوار مصحفه ،وحبذا لو ان دورات تعليم وتحفيظ القرآن الكريم “تخصص جزءا من دوراتها الصيفية لتدريس معاني القرآن الكريم ولعل -كلمات القران تفسير وبيان – من ايسرها واسهلها ” فمن غير اللائق ان يحفظ بعضهم كتاب الله تعالى كله من الفاتحة الى الناس على قواعد واصول وأحكام التجويد والتلاوة علاوة على الانغام الخاصة بها ويصير قارئا مٌجيدا ومتقنا يتلهف الناس لسماع صوته الرخيم وتلاوته العطرة ، واذا ما سأله احدهم عن معنى قوله تعالى ” عزين ؟” فلايجد جوابا ويقف حائرا ومحتارا مكتفيا بـ “هممم” ، مامعنى ” مهطعين ؟ ” ، مامعنى ” فأمه هاوية ؟” ، مامعنى ” قسمة ضيزى ؟” ، مامعنى ” فشروه بثمن بخس ؟”، مامعنى “إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ”؟ لا جواب ، اما فيما لو سئل عن تفسير آيات كاملة من القرآن الكريم ،عن اسباب نزولها ، عن المكي والمدني ، عن المحكم والمتشابه منها ، عن امثال القرآن وانزالها على واقعنا المعاصر، عن قصص القرآن والعبر والعظات المستنبطة منها للفائدة في كل زمان ومكان لاسيما وان الايات القرانية تؤخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،عن ايات الاحكام ، عن علم القراءات والفرق بين قراءة واخرى ،عن علم الناسخ والمنسوخ، عن المترادف في القرآن ،أما عن اعراب الايات ” فهذه مسألة ثانية تماما لايجيدها الا الراسخون في العلوم الشرعية ” وغيرها من العلوم القرانية التي اوصلها الامام السيوطي الى 80 نوعا !
واقولها وبصراحة مذكرا بها نفسي الامارة بالسوء، المتبعة للهوى اولا ، ان “واحدة من اسباب تخلفنا وفشلنا وتراجعنا وغياب البركة عن منازلنا وقلة ارزاقنا في – الحلال – وضيق معايشنا واكتئابنا ،وضيق صدورنا ، وقسوة قلوبنا ، وكثرة سقطاتنا وزلاتنا ،وكثرة خلافاتنا وتناحرنا وتفرقنا ، هو اتخاذنا لكتاب الله العزيز بين ظهرانينا مهجورا “هجر تلاوة ، هجر سماع وانصات ، هجر حفظ ، هجر مراجعة ، هجر فهم ،هجر تعلم ، هجر تعليم ، هجر التزام بأوامره ونواهيه ، هجر تمسك بالاحكام ، هجر اهداء ، هجر طباعة ، هجر مدارسة ، هجر مذاكرة ، هجر تأمل ،هجر ترجمة لمعانيه الى لغات الشعوب الاخرى ” حتى صار القرآن الكريم لدى الكثير منا مجرد ” كتاب للبركة يوضع في ركن من اركان المنزل كجزء من الديكور لا اكثر ” وصار القرآن الكريم قرين مجالس العزاء وجزءا لايتجزأ منها والكل منشغل عنه داخل المجلس مفضلين الثرثرة بحضرته على السماع والانصات اليه ، الكل مشغول بالعزاء والقيل والقال فيما بينهم ،مع شرب القهوة والماء البارد وتدخين السجائر الاجنبية – المضروبة والمغشوشة – البلوشي ثوابا على روح الميت والذي قد لايكون مدخنا ولربما يكره التدخين ..او انه مات بسبب التدخين ” فيما بعض – اكرر بعض – المقرئين في مجالس العزاء بثمن يقرأون القرآن لايجاوز حناجرهم وغايتهم التطريب والاثارة ولفت الانتباه والحصول على الاجرة والمنافسة مع اقرانهم ونظرائهم واستجداء السلطنة وسط جو صاخب تكثر فيه اصوات هي اقرب الى التهريج منها الى الضجيج تطغى على القراءة فتضيع معناها وغايتها واجرها وثوابها وتشوش على المستمعين نحو “عظمة على عظمة ، الله عليك ياشيخ …الله يفتح عليك يا ابهة …اعد كمان وكمان ..كدة ولا بلااااش …انانناه آآه ، كما فعلها ملحن اغان بصوت مسموع على بعد امتار من الشيخ محمود الشحات انور ، في احد مجالس العزاء المصورة ما دفعه للضحك والتوقف عن القراءة وصارت مادة للتندر والتفكه على مواقع التواصل والفضائيات الى يومنا “اكثر من سعيهم الى الاجر والثواب ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس” …..
ولاشك ان الاصلاح المجتمعي والاخلاقي الشامل إنما يبدأ بالقرآن الكريم وينتهي اليه ، فهذا الكتاب المعجز الذي فصلت آياته من لدن حكيم خبير، الكتاب الذي تكفل الله بحفظه من التحريف والتجديف ، وهيأ له من يتعهده حفظاً، وتدويناً، وتفسيراً، وتعليماً، وتلاوة الى يوم الدين، هذا الكتاب العظيم المعجز، الذي لا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه، أدرك المشركون والمنافقون والمستعمرون عظمته فاتخذوه لهم نداً وما كانوا له ندا، وذهلنا عنه نحن المسلمين فإتخذناه مهجورا وما كان ينبغي لنا ذلك، فلو أنا تلوناه حق تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ووقفنا عند حلاله وحرامه لكنا اليوم كما كان أسلافنا في سابق عهدهم سادة الأمم في العلم والمعرفة والحضارة .
وانوه الى دورات القران الكريم ..تحفيظ القرآن الكريم يجب ان يصاحبها – حتما ولزاما – فهم معاني الكلمات والمفردات القرآنية ، بل ويتوجب منح الاجازات مشروطة بحفظها وتعلمها وفهمها” فمن غير المعقول ولا المقبول ان يسأل احدهم عن معنى” تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا “فيقول” يعني ارواح الاموات ..!” معقولة ” الناطق العربي بإسم الجيش الصهيوني افيخاي ادرعي ، يظهر صوت وصورة وهو يقرأ القرآن ويفسر الاية الكريمة “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم” ، بأنها دعوة صريحة لكل المسلمين للتطبيع مع الكيان الغاصب لتحقيق الازدهار والسلام والرخاء على حد زعمه ، لقد فعلها ادرعي وفسرها على هواه مستهزئا بعقول ومشاعر مليار و500 مليون مسلم حول العالم لأن عشرات الملايين منهم لم يقرأوا القرآن في حياتهم قط ، وان قرأوه لم يحاولوا فهم اياته واحكامه وعبره وعظاته قط ، وان فهموا لم يعملوا بمقتضى فهمهم ذاك قط ، وان عملوا لم يخلصوا ، وان اخلصوا لم يحسنوا ، وان احسنوا لم يواظبوا ولم يداوموا .
واختم بأن الاصلاح والتغيير والنهضة الكبرى انما تبدأ من القرآن الكريم لامحالة ” تلاوة وحفظا وتأليفا وتعلما وتعليما وتفسيرا وعملا بالاحكام وتطبيقا وشرحا وترجمة الى لغات اخرى واي تجاهل لهذه الحقيقة الدامغة = البقاء في المستنقع وتداعي الاكلة على قصعتها من كل حدب وصوب الى ماشاء ربك …واقترح :
– استخداث مدرسة قرأنية كجزء اصيل من اي جامع يتم بناؤه مستقبلا عبارة عن قاعتين او أربع قاعات دراسية متكاملة بتجهيزاتها تسمى بإسم احد القراء السبعة او العشرة ، أو بإسم أحد المفسرين المشاهير ، أو بأسم اي عالم يشهد له بالصلاح الف وكتب وصنف في علوم القرآن الكريم ، تلحق بها مكتبة قرآنية متكاملة تضم كل التفاسير والكتب المتخصصة بعلوم القرآن الكريم .
– اذا اهديت مصحفا الى اي كان فأرفقه بكتاب لمعاني كلمات القرآن الكريم ، او اهده مصحفا مفسرا .
– جميلة هي عادة توزيع المصاحف ثوابا على ارواح الاموات بغية الدعاء لهم ولا شك ، والاجمل هو توزيع كتب معاني القران الكريم مع كل مصحف منها للأجر والثواب ايضا .
– احرص يا رعاك الله على ان تحتفظ على الدوام في بيتك تحت اليد وتحت الطلب بنسخة او اكثر مترجمة ومعتمدة ومجازة ومحققة لمعاني القرآن الكريم الى الانجليزية او الفرنسية او الالمانية او الروسية واية لغة حية اخرى لتقوم بإهدائها فورا حسبة لله تعالى الى اقرب شخص اجنبي تتوسم خيرا في حرصه على قراءتها وفهمها وعدم اهمالها لاسيما في بلاد الغربة” يعني معقولة يا تاج راسي وحبيب قلبي – رجلا كنت ام إمراة – تعيش ببلد اجنبي وكلهم يسألك هناك وحيثما شرقت وغربت عن دينك وقرآنك ونبيك وانت لا تملك جوابا البتة وبإمكانك ان تهدي كل واحد من السائلين المثقفين الاجانب المتطلعين والمتخمسين لفهم افضل للاسلام نسخة لاتكلفك سوى بضعة دولارات ” عمي اذا ما عندك ثمنها استقرض لحين ميسرة ونحن سنجمعها لك وان كنا عطالة بطالة !” ..ماهذا الخور ..ماهذا الانكسار ..ماهذا الشح ..ماهذا الكسل ؟!
– واقترح استحداث صندوق للتبرعات في عموم اوربا واميركا واليابان وغيرها يخصص حصرا لطباعة وشراء نسخ مترجمة من القران الكريم بلغة البلد الذي يقيم فيه واهدائها مجانا الى المثقفين والمهتمين من الديانات الاخرى هناك لتعريفهم وهدايتهم ولأن يهدي الله بك احدا خير لك من حمر النعم ” كذلك الحال مع الاحاديث النبوية الشريفة “..قبل سنين خلت حدثني صديق اثق به تماما بأنه اهدى نسخة مترجمة لمعاني القران الكريم The Holy Qur’an, an Interpretation in English الى مهندسة اجنبية من اصول هندية لاتفهم من القرآن شيئا قط كانت تعمل في بلده في بداية التسعينات وذهب كل في طريقه ومن ثم وبعد سنين عدة ارسلت له سلاما خاصا بيد جارة لها مسلمة قائلة له وبالحرف ” شكرا لك ..الان فقط عرفت الاسلام ..ولقد ختمت هذا المصحف 100 مرة !” .
وانوه الى ان ترجمة محمد حميد الله هي الافضل الى الفرنسية ..ترجمة عبد الغني ميلارا هي الافضل الى الاسبانية …ترجمة محمد مكين، وترجمة وانغ جينغ تشاي الافضل الى الصينية ..ترجمة محمد عبد الحليم سعيد ، وترجمة محمد باكتال الى الانجليزية ،اضافة الى ترجمة عبد الله يوسف علي …ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الروسية،للدكتورة إيمان فاليريا بوروخوفا، وترجمة الدكتورة سمية عفيفي، أستاذة اللغة الروسية …ترجمة” الساموراي الياباني السابق ” ربوبتشي ميتاي، الذي اسلم وغير اسمه الى عمر ميتا، والذي بدأ ترجمة لمعاني القران الى اليابانية وهو بعمر 69 سنة ( لاعمر محددا في الدعوة الى الله ابدا ومطلقا ..وانت على فراش المرض ، وانت على كرسي المشلولين ، وانت تسير بعصا المكفوفين وتقرأ وتتعلم بلغة برايل ، وانت تدعو اقرانك بلغة الاشارة المخصصة للصم والبكم ، وانت في سفر ، وانت في بلاد الغربة ، في كل مكان بإمكانك ان تدعو الى سبيل ربك على بصيرة وبالقدوة الحسنة ” ولم ينجز كتابه ويطبع الا بعد ان بلغ من العمر 80 عاما لتكون ترجمته هي الاشهر الى اليابانية فصارت له صدقة جارية وعلم ينتفع به الى يوم الدين …وهكذا بقية اللغات الحية .
اودعناكم اغاتي