يحتاج الحكم في العراق كثيرا من ألاصلاح , وألاصلاح عملية معرفية قبل كل شيئ , والمعرفة فن أستعمال العقل عبر رحلة قوامها كل من :-
الفهم
الحلم
الحكمة
وقد وردت كلمة ألاصلاح على لسان النبي هود عليه السلام في القرأن الكريم حيث قال تعالى :” … أن أريد ألا ألاصلاح ما أستطعت وماتوفيقي ألا بالله عليه توكلت واليه أنيب “- 88- هود-
ونلاحظ هنا أنه أستعملت من قبل نبي الله هود عليه السلام كلمة ” ما أستطعت ” وهو تعبير عن نية ألاصلاح والعزم على تحقيقه بالمستطاع البشري المتكل على الله , وأستعمال كلمة ” ما أستطعت ” دليل على وجود معوقات وموانع قد تقف حائلا من قبل قوى مضادة دون تحقيق ألاهداف كاملة ” أن الشيطان عدو لكم فأتخذوه عدوا ” .
وعدم أستكمال مشروع ألاصلاح يفتح لقوى الشر المضادة مشروع الفتنة , وهذا ما حدث مع نبي الله أبراهيم عليه السلام , قال تعالى :” يا أبراهيم أعرض عن هذا أنه قد جاء أمر ربك وأنهم أتيهم عذاب غير مردود ” – 76- هود – وحدث مع موسى عليه السلام , قال تعالى :” قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون ” – يونس – 77-
وأذا كان مشروع ألانبياء ألاصلاحي يعتمد في بعض جوانبه على القدرة وألاستطاعة البشرية مع عدم أغفال التسديد ألالهي بشروط خلوص نوايا المشتركين مع النبي , والمثال على ذلك فارق النتائج في معركة بدر الكبرى , ومعركة أحد .
فأن مشروع ألاصلاح عند غير ألانبياء , محاط أكثر بالمشاكل والمعوقات التي تصل الى حد أتهام القائمين بألاصلاح بالفساد وعدم الصلاح , ومن هنا نحتاج في عملية ألاصلاح توفر عوامل الثقة بين من يقوم بألاصلاح والقاعدة الشعبية أي الناس , وفي يومنا هذا , بين السلطات الزمنية , وبين رعايا الدولة , وعدم وجود الثقة تذهب كل أعمال ألاصلاح أدراج الرياح وهذا مايحدث اليوم في سورية , بين المعارضة والحكومة .
وما يحدث في العراق بالرغم من وجود أغلبية شعبية لاتؤيد التظاهرات بالمطلق في المنطقة الغربية , وعدم التأييد هذا للتظاهرات لايتحول تأييدا مطلقا للحكومة , ولكنه يشكل جانبا مطمئنا للحكومة , وهذه النظرة المتفحصة بمعرفة الحراك السياسي وأصطلاحاته لم تكن حاضرة عند كل من يتحدث ويحاور في موضوع : ألاصلاح , ومطالب المواطنين , والتظاهرات , وألاعتصامات التي تحولت الى بيئة حاضنة للتكفيريين ومعهم من باتوا يشعرون بالحيف رغم ماجنته أيديهم , ألا أن السلطة لم تكن متفهمة لحاجات الناس , وضرورات الحكم , وخيارات الشعب , فبرزت مشاكل مصحوبة بمشاكل , وطفح كيل الفساد , فأصبح ألاصلاح صعبا رغم توفر النوايا الحسنة التي لوحدها لاتكفي في أجواء أنعدام الثقة التي تقف ورائها عوامل محرضة كثيرة .
ولذلك يخطأ المتحاورون اليوم حول ما يجري في العراق من أزمة , مثلما أخطأوا في تفسير مايقع في سورية من أزمة ؟
ومن مفردات تلك ألاخطاء مايلي :-
<!–[if !supportLists]–>1- <!–[endif]–> عدم التمييز بين ماعرف عن تنظيم القاعدة في المحيط السني , وما عرف عن تنظيمات متطرفة في المحيط الشيعي , وعدم التميز والخلط هذا جعل البعض يسمي التنظيمات الشيعية ذات الطابع المسلح أحيانا بالقاعدة الشيعية , وهو أصطلاح غير صحيح , لآن تنظيم القاعدة الذي نشأ في الوسط السني وأهل السنة أغلبهم منه براء , هو تنظيم تكفيري يرجع في أصوله الفكرية والفقهية الى أبن تيمية الذي خالف علماء أهل السنة والجماعة بخمسة عشر مخالفة فقهية ثم مضى على نهجه محمد بن عبد الوهاب , وا لوهابية التي أتخذت من السعودية منطلقا جغرافيا , ثم تحولت الى القاعدة التي أتخذت من تنظيم ألاخوان المسلمين محطة للآنتشار ثم ألانفصال عبر مجموعة التنظيمات الجهادية التي لعب رأس المال دورا كبيرا في ولائها وأنتشارها عبر حرب أفغانستان التي جعلها صيدا ثمينا للمحور التوراتي الصهيوني التي وجد فيها تحقيق مأربه في تفتيت وتقسيم المنطقة وزرع الفتنة حتى تبقى أسرائيل أمنة , وتتفرغ دول المحور التوراتي لآستثمار النفط والغاز بعد أن أصبحت أنظمة المنطقة متعبة تلعق جراحها .
فالقاعدة : هي تنظيم وهابي أرهابي تكفيري عرف بالقتل على الهوية , والذبح بالسيف والسكين , والمنشار الكهربائي مع التفجيرات والمفخخات العشوائية وتهديم المساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس وتخريب ممتلكات الناس وبيوتهم والتعاون السري والعلني مع المحور التوراتي ألاسرائيلي وأخرها أستقبال أسرائيل لعلاج جرحى جبهة النصرة والجيش الحر في سورية ووجود ألية متخصصة بألارسال أسرائيلية مع المجموعات المسلحة التابعة لجبهة النصرة في القصير السورية ؟
والتنظيمات المسلحة التي تتخذ طابع الميليشيات الشيعية التي وجدت كردة فعل لماقامت به القاعدة التكفيرية الوهابية في العراق أيام أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يصدر منشورات لآتباعه يعتبر الشيعة أخطر من اليهود , والتي مارست القتل على الهوية في حي العامل والجهاد والخضراء , وعمليات ألاغتصاب والتفجيرات العشوائية
أما التنظيمات الشيعية المسلحة مثل جيش المهدي , وعصائب أهل الحق , وحزب الله , وجيش المختار , وألالوية الا دموية , رغم تحفظ الوسط الشيعي ألا أنها ليست تكفيرية للاخرين وليست موغلة بالدم والعنف كما هي القاعدة الوهابية ولا تمارس التفجيرات العشوائية والمفخخات ولا تمارس أغتصاب النساء ولا تقيم علاقات مع المحور التوراتي الصهيوني , وعليه فليس من الصحيح أصطلاحا الحديث عن قاعدة شيعية بالقياس بالقاعدة السنية كما يحلو للبعض تسميتها , أما مايقال عن عمليات ألاغتيال بكاتم الصوت التي تنسب الى بعض التنظيمات الشيعية فهو أسلوب مدان شرعا ومن يقترفه يتحمل مسؤوليته والحكومة أعلنت رفضها لذلك وأدانتها لهذا العمل وهي من مارست ذلك عمليا في البصرة , وكذلك المرجعية تدين أعمال القتل وتتبرأ منها علنا .
أما الخطأ ألاخر الذي يقع فيه المتحاورون عبر الفضائيات فهو الخلط مابين العامل ألامني والعامل السياسي لحل ألازمة في العراق وسورية , وهذا الخلط تارة يكون متعمدا كما في الحدث السوري وتارة يكون ناتجا عن قلة خبرة كما في الحدث العراقي , والحل ألامني والسياسي يعتمد على طبيعة الطرف ألاخر سواء كان معارضا داخليا أو وافدا خارجيا كما في تنظيم القاعدة ومن معه , فالوافد الخارجي قادم مسلحا محاربا , والمحارب المسلح لايمكن مواجهته بالسياسة فقط , ومن هنا يكون أدخال العامل العسكري عملا واجبا ومن يغفل عن ذلك لاينفعه الندم , والعراق اليوم يجب عليه التوسع في العمل السياسي مع أطرافه الداخلية , والسياسة تحتاج عقول مجربة , أما أستعمال العامل العسكري فيجب أن يكون مضيقا ولكن حاسما على قاعدة :” ردوا الحجر من حيث أتى فأن الشر لايرده ألا الشر ” وتنظيم القاعدة التكفيري ودولة مايسمى بالعراق ألاسلامية كلها شر ولا يردها ألا القوة والحسم العسكري ومن يتصور غير ذلك فهو واهم , لاسيما أذا كان لايرتبط تنظيميا وفكريا بالقاعدة فمصيره الى الهلاك ولا تنفعه غفلته ولا ندمه بعد ذلك .
لذلك نريد لجمهورنا العراقي أن يعي هذه الحقيقة حتى لايظل حائرا بين دوامة ألافكار والتحليلات غير الناضجة والتي تتلاعب بعواطف الناس على غير هدى
فما يجري في العراق اليوم ولاسيما في المنطقة الغربية وعلى الحدود السوررية العراقية هو تحضير عدواني لعمل عسكري أستقدمت له مختلف ألاسلحة لاسيما بعد زيارة ” جو ماكين ” النائب ألامريكي الى المجموعات المسلحة السورية على الحدود التركية السورية , وبعد زيارة مسؤول أمني أستخباراتي أمريكي كبير لبيروت , وأجراء بعض التحضيرات ألامريكية الفرنسية البريطانية في ألاردن والتي أجتمعت مع سعوديين لهذا الغرض , وهناك رصدت أموال هائلة نشرت ضمن وثيقة في مجلة روسية تسربت عبر بعض الدبلوماسيين , وقد وصلت تلك ألاموال من قطر والسعودية وألامارات الى بعض العراقيين منهم مسؤولين في الدولة ومنهم غير مسؤولين , وعرفت أسمائهم , وكشفت مواقفهم عن نواياهم , وما جرى في التظاهرات كان بدوافع تصب في أطار ذلك التحرك الخارجي لآيجاد فتنة في العراق كما حدث في سورية , وظاهرة كثرة المفخخات ألاخيرة في بغداد هو لآحداث أرباك أمني يعقبه بعد ذلك هجوم واسع على بغداد بعنوان أسترجاعها من الشيعة؟ هذه هو المخطط , ومن يحلو له أن ينظر للحلول السياسية فقط فأنه واهم على أخف تعبير .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]