من السهل إطلاق التعليمات، لكن من الصعب القدرة على تطبيقها وجعلها تسير بالاتجاه الصحيح. خصوصا عندما تتعلق هذه التعليمات بإصلاح نظام سياسي فاسد تنطوي عليه مفارقات كثيرة.
في العراق شرع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بإطلاق حزمة من التعليمات الخاصة بالإصلاحات ضد الفساد الذي نخر كل شيء حتى عظم السلطة نفسها التي لم تفكر يوما بأن هدرها لمليارات الدولارات سيطيح بها لاحقا حتى تربع العراق على مراكز متقدمة في مؤشر الشفافية العالمي واصبح لا ينافسه أحد بذلك واحتل المرتبة الرابعة في الفساد بين 174 دولة.
وهو الأمر الذي أثار حفيظة الشارع العراقي الذي انتفض مؤخرا وخرج للشوارع ليقارع الفساد مدعوما من قبل المرجعية الدينية التي نصحت رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ان يكون جريئا من خلال التصدي للفساد الذي يعصف بالبلاد، حيث لاقت حزمة الاصلاحات التي اطلقها قبولا واسعا بين مختلف الجهات السياسية والشعبية، لكن آلية تنفيذ هذه الاصلاحات وطرق تنفيذها غامضة لدى الشارع العراقي، مما فتح الباب أمام التكهنات التي تُجمع على ان حزمة الاصلاحات قد تواجه مصاعب تؤدي الى خلافات وانقسامات حول تطبيقها وبنود الاتفاق عليها وتنفيذها.
وكانت أحزاب عراقية معروفة لعبت دوراً أساسياً في إشعال جذوة الفساد مستغلة المناصب السياسية، وان قسم من افرادها تلاحقهم مذكرات اعتقال بسبب تهم بالفساد.
التدابير الاصلاحية المتخذة من قبل حكومة العبادي بمثابة حد فاصل للبلاد مع المحاصصة والفساد، وأنها لحظة تاريخية تستطيع من خلالها الحكومة العراقية احداث تغيير جذري للنظام السياسي الفاسد، وهي الخطوة التي تعتبر فيها مخاطرة كبيرة تهدد منزلة “الحرس القديم” ومن المتوقع ان يتوجه المتضررون من هذه الاصلاحات للمحكمة الاتحادية التي تتهم هي الأخرى بانها غير حيادية في عملها من أجل التصدي لهذه الاصلاحات. في وقت تكافح فيه الحكومة أبعاد الاصلاحات وتداعياتها الاقليمية حيث ساهمت دول المنطقة برسم السياسة العراقية وتخوض دورا قويا في العراق فإن حظوظ هؤلاء السياسيين الفاسدين تصبح وافرة في بقائهم بالسلطة من خلال الدعم الدولي المقدم لهم.
تداعيات الاصلاح على الحكومة العراقية
لم يكن هناك شك في أهمية الاصلاحات على أمل تحقيق المطالب، لكن هناك سؤال كبير يدور في ذهن المواطن العراقي، هل يصلح الحراك الشعبي وحزمة الاصلاحات الوضع الحالي؟
بطبيعة الحال ان أي حركة اصلاحية تتعرض لهجمات تعرضها للخطر خصوصا عندما تكون في مهدها وطور نشأتها، ومن المتوقع أن تتعرض المؤسسات التي تتصدى لمكافحة الفساد لضغوط من قبل الفاسدين من أجل عرقلة نشاطاتها والضغوط عليها من قبل شخصيات نافذة في الحكومة. حيث حذر رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي من محاولة ما أسماهم “السياسيون الفاسدون” تخريب جهوده لإصلاح الحكومة.
وقال عنهم أنهم “لن يجلسوا مكتوفي الأيدي بشأن هذه الإجراءات”. معتبرا أن بعضهم يلجأ إلى القتال لحماية مصالحهم، دون أن يذكر اسماء بعينها. داعيا مختلف القوى السياسية والأمنية الى عدم الانجرار لخوض النزاع السياسي.
ومن التحديات الأخرى يبقى العامل الطائفي وضغط دول الجوار على الحكومة، والخلافات على النفط والاراضي مشاكل أخرى تظهر حجم التحدي أمام مشروع الاصلاح، وهناك تساؤلات حول الاصلاحات في حكومة اقليم كردستان هل ستبقى بمعزل عن ذلك، حيث يلعب الاكراد دورا مهما في السياسية العراقية حيث بدأت حكومة إقليم كردستان العراق ببيع النفط بعيدا عن موافقة الحكومة المركزية أو استشارتها. حيث يقوم الاقليم بتصدير قرابة 17 مليون برميل من النفط الخام خلال يوليو/تموز الماضي. وان الاقليم يصدر 600 الف برميل من النفط يوميا.
أما على الصعيد الأمني فان المناصب الأمنية هي الأخرى عرضة لمشروع الاصلاح، حيث طالبت لجنة الامن والدفاع النيابية العبادي الى اجراءات اصلاحية في المؤسسة الامنية ولكن تحديات الإصلاح شاقة لأسباب عديدة ترتبط بتوزيع المناصب عن طريق المحاصصة في وقت تخوض القوات الأمنية العراقية المعركة ضد تنظيم داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة من الاراضي العراقية.
خيارات الإصلاح
إذا ما واجهت الحكومة العراقية أية صعوبات في تنفيذ حزمة الاصلاحات، هناك خطوات هامة يمكن أن تقوم بها الحكومة العراقية للتخفيف من حدة الضغط المترتب على تنفيذ مقرراتها. وهذه تشمل ما يلي:
1. اقناع الأحزاب الكبيرة بمشروع الاصلاح وانعكاساته الايجابية مستقبلا على الجميع.
2. اجراء تقييم لأداء عمل المؤسسات الحكومية وتشخيص مكامن قوتها وضعفها، ودراسة ما تقدمه من خدمات و إنذار كل من يعارض هذه الاصلاحات.
3. العمل مع المنظمات الدولية لأسباب عديدة منها ان هذا التواصل يضم العراق الى الاتفاقات الدولية التي تناقش قضايا الاصلاح السياسي والاقتصادي، وهو أمر مهم جداً لأمن العراق على المدى البعيد وأساسي للتغلب على التحديات الخارجية.
4. تشجيع منظمات المجتمع المدني NGO بأن تأخذ دورها الحقيقي الذي يقع على عاتقها مسؤولية ذلك.
5.الانفتاح على قوى المجتمع بمكوناته المتعددة، بحيث يعمل هذا الانفتاح على تشكيل وتبلور الثقافة والأنظمة الاجتماعية وتشجيع المؤسسات والأفراد من أجل تخفيف القيود على الاعلام والكشف عن ملفات الفساد وحمايتهم.
إن التحديات التي تقف بوجه حزمة الاصلاحات تبدو صعبة، لكن بنفس الوقت فان العبادي بمشروعه الاصلاحي المدعوم شعبيا ومن قبل المرجعية الدينية يستطيع ان يلعب أدوارا عامة. لذا ينبغي تشجيع الحكومة العراقية على تشديد التزاماتها المعلنة بمحاربة الفساد عن طريق المضي قدماً بمساندة شعبية كبير