17 نوفمبر، 2024 5:27 م
Search
Close this search box.

الاسلوب اللغوي القراني في الحذف .. استفتاء المحقق الصرخي إنموذجاً !!

الاسلوب اللغوي القراني في الحذف .. استفتاء المحقق الصرخي إنموذجاً !!

الحذف ظاهرة لُغوية عامَّة ومشتركة بين جميع اللغات الإنسانيَّة؛ حيث يميل الناطقون بها إلى حذْف بعض العناصر بُغية الاختصار، أو حذف ما قد يُمكن للسامع فَهْمه اعتمادًا على القرائن المصاحبة: حاليَّة كانت أم عقليَّة، كما أنَّ الحذف قد يَعتري بعض عناصر الكلمة الواحدة، فيُسقط منها عنصرًا أو أكثر, فالحذف في اللغة يُحيل على القطْع والقطف والإسقاط، كما أنَّ المحذوف من الشيء هو المقطوع منه والساقط.
واصطلاحًا: إسقاط وطرْح جزءٍ من الكلام أو الاستغناء عنه؛ لدليل دَلَّ عليه، أو للعِلم به وكونه معروفًاً
وهذا التعريف الاصطلاحي لا يختلف عن التعريف اللغوي المشار إليه آنفًا، بل يُضارعه ويَجري في مجراه، والحذف من المباحث المهمَّة التي أشار إليها كلٌّ من النحويين والبلاغيين، واهتمُّوا بها اهتمامًا كبيرًا، وخصَّصوا له أبوابًا كاملة في مؤلَّفاتهم وكُتبهم، وإن اختَلفوا في طريقة التفسير والتحليل، وكذا في الجانب الذي اتَّخذوه مجالاً للدرس والتفسير، فالنحاة مثلاً انطَلقوا من المنطق الإعرابي، متوسِّلين ببعض التأويلات النحوية؛ مثل: “التقدير الإعرابي، والإضمار، والاستتار.
فقد وجه بهذا الخصوص سؤال للأستاذ المحقق الصرخي الحسني عن كيفية تقطيع الكلمات في الشعائر الحسينية (الشور.. سين سين.. لي لي.. دي دي.. طمة طمة)
سماحة المرجع الحسني (دام ظله)، السلام عليكم : ما هو رأيكم (بالذكر أو التسبيح) وهو إصدار أصوات وحروف وكلمات مقتطع منها بعض حروفها، وكل ذلك يستخدم في عزاء الشور، حيث أن بعض الرواديد يقتطعون حرفًا أو حرفين من أسماء المعصومين (عليهم السلام)، مثلًا (سين) ويقصد (حسين)، و (لي) ويقصد (علي) أو (ولي)، و (دي) ويقصد (مهدي)، و (طمة) ويقصد (فاطمة)؟! وقد تعرّض هؤلاء لحملات تكفير وتفسيق وتسقيط وعداء وقطع أرزاق خاصة من الجهات التابعة لمراجع الدين!! فيما يدّعي بعض المسبّحين أن ما يقومون به هو ذكر وتسبيح لله سبحانه وتعالى كتسبيح الزهراء عليها السلام (( الله أكبر..الحمد لله.. سبحان الله)).
وعليكم السلام: الإجابة على التساؤل تحتاج إلى بعض المقدّمات، والكلام في خطوات:
1ـ اللهم اجعلنا من أهل القرآن اللهم آمين. لا يخفى على أجهل الجهّال، أنّه قد تنوّعت الاستعمالات القرآنية لظاهرة الحذف في اللغة بحيث صارت الأحرف المقطّعة أحد العناصر الرئيسة في القرآن_الكريم، كما في الآيات المباركة: {ن}، {ق}، {ص}، {حم}، {طه}، {طس}، {يس}، {الم}، {الر}، {طسم}، {المر}، {المص}، {كهيعص}، وورد في الروايات والتفاسير أن كلّ حرف منها يدل على لفظ أو أكثر وأن كلا منها يدل على معنى أو أكثر.
2ـ الحذف ظاهرة موجودة في اللغة العربية وتعدّ أيضًا من أساليب القرآن الكريم ويراد بها في اللغة: “قَطْفُ الشَّيْء من الطَّرَف كما يُحْذَف طَرَفُ ذَنَب الشّاة”، وفي الاصطلاح، أن يَحذِف المتكلم من كلامه حرفًا أو كلمة أو جملة أو أكثر ليفيد مع الحذف معاني بلاغية، بشرط وجود قرينة ولو حالية تعين على إدراك العنصر أو العناصر المحذوفة .

3ـ وللحذف أغراض عقلائية من قبيل الحذف للترخيم كقولنا: (يا سُعَا) في ترخيم (سُعَاد،) أو الحذف للتفخيم والتعظيم كما في قوله تعالى: { وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } والتقدير: يعلم السرّ وأخفى علمه، أو الحذف بقصد زيادة اللذَّة بسبب استنباط المعنى المحذوف كما في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ والبرد، وغير ذلك من أغراض وفوائد لغوية وبلاغية.
4ـ في هذا المجال يقول الجرجاني عالم البلاغة: “ما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها، إلّا وحذفه أحسن من ذكره”.
5ـ وابن الأثير قد اعتبر أنّ اللغة العربية تتصف بالشجاعة لقبولها الحذف؛ إذ يقول: “هو نوع من الكلام شريف لا يتعلق به إلّا فرسان البلاغة ومن سبق إلى غايتها وما صلى وضرب في أعلى درجاتها بالقدح المعلّى وذلك لعلوّ مكانه وتعذّر إمكانه ” .
6-ورد عن الإمام علي (عليه السلام ): كلّ ما في القرآن في الفاتحة، وكلّ ما في الفاتحة في بسم الله الرحمن الرحيم، و كل ما في بسم الله الرحمن الرحيم في باء بسم، وأنا النقطة التي تحت الباء .
7-في ضوء ما تقدم يتضح أنه :-
إذا كان يقصد بالتسبيح والتقطيع (مورد السؤال) تسبيح كتسبيح الزهراء(عليها السلام) المتضمّن لأسماء الله وصفاته فإنّ هذا تشريع محرّم وغير جائز.
وإن كان ما يصدر مجردَ حرف أو كلمة ترجع إلى عنوان موسيقى أو غناء، فيشملها حكمها، فإذا كان مثلًا في الأناشيد الحربية وأناشيد الذكر الشرعية والأدعية والأذكار ورثاء المعصومين والأولياء (عليهم السلام)، جاز ذلك إذا لم يستلزم الحرام.
أمّا إذا كان ذلك من باب الحذف مع وجود ما يدلّ على المعنى المقصود وهو ما يُفهم من السؤال، حيث يعلم السائل والمستشكل أن الحرف يقصد به الإمام الحسين أو الحسن أو أمير المؤمنين أو الزهراء أو المهدي أو باقي الأئمّة أو جدّهم النبي الأمين(عليهم الصلاة والتسليم)، وبحسب ما هو ظاهر حال المجالس المنعقدة عادة، وهذا جائز ولا إشكال فيه لا شرعًا ولا لغة ولا بلاغة ولا أدبًا ولا أخلاقًا، وهو أسلوب لغويّ بلاغي متّبع ومعروف وتتميز به اللغة العربية ومن إبداعات البلاغة فيها، بل ومن إبداعات القرآن الكريم، وكما ذكرنا سابقًا بأن أسلوب البلاغة والبلاغة القرآنية قائمة على حذف الحرف الواحد والأحرف المتعددة؛ بل وحتى حذف الكلمة والجمل مع وجود ما يدلّ عليها من قرائن حالية أو مقالية، وكما في قوله تعالى: { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا } والكلّ يفسّرها بأنّ المقصود منها: واسألوا أهل القرية، فتمّ حذف كلمة كاملة وهي أهل .انتهى كلام السيد الأستاذ
وهناك الكثير من الشواهد القرآنية واللغوية للحذف التي لا يسعنا ذكرها في المقام

أحدث المقالات