(( شعوبكم المبادة تنبثق من العدم، ومليكتاكم الطعينات يتحوّلن إلى يمامات في العاصفة، في اقليم الصواب ، عاش آخر فرسان القرون الوسطى، ورجال العنف ينتعلون المهاميز لأجل العلم. وبكتابات التاريخ الهجائية تلتحق نحلة الصّحراء، وعزلات الشرق تمتلئ بالخرافات.))
الشاعر الفرنسي سان جون بيرس
في كتاب كافافي 100 قصيدة والذي ترجمه في سبعينات القرن الماضي الشاعر العراقي سعدي يوسف، ونشره متسلسلا في الجريدة الاسبوعية للحزب الشيوعي العراقي (الفكر الجديد) ، هناك قصيدة لم تغب في دهشتها ومعناها عن خاطري عنوانها (في انتظار البرابرة) واتخيل كيف حفظت صورها وهاجسها وانا لم اتجاوز 15 عاما حيث عاشت معي بكل طقوسها الغامضة وقصدها في متاهة متى يجيء البرابرة ليخلصونا من رتابة خطابات السناتور وقيصر التي يلقوها في مجلس الشيوخ، وذاتها القصيدة ونهايتها كنت قد تخيلتها بانتظار شغوف وأنا اشاهد في ذات العمر فيلم سقوط الامبراطورية الرومانية الذي كان من بطولة صوفيا لورين وريتشارد بريتون كما اظن.
القصيدة كأثر أدبي تُحسب واحدة من روائع القرن العشرين الشعرية والتي كتبها الشاعر اليوناني ــ الإسكندري قسطنطين كافافيس (1863 ــ 1933) بقت شاخصة مثل من ينتظر نبوءته لهذا العصر الجديد.
والآن افترضها حية ومكتوبة لعصر مثل هذا في ظل المواسم الصاخبة للزمن الرئاسي والملوكي للمعمرين المتوارثين حنان الرب ليكونوا سلاطينا هم ومن يرثوهم والى الابد.
لأولئك الذين تحملهم البارجات والذين يجيئون من وراء المحيط ، لردع وطمر وتصفية بعض من شذوذ الفكر عند بعض صُناع ربيعنا العربي وأحداث الكثير من المتغيرات حتى ظن البعض ان العولمة هي البرابرة التي علينا ان ننتظرهم تخلصا من رتابة التيجان والهوس الجنسي لدى قائد ثورة الفاتح من سبتمبر وغيره من الطغاة القساة.
بين البرابرة والاسكندر الاتي مع البوارج واجهزة الاي باد والطائرات المسيرة أتخيل الأمر في جنونه ومجونه وربيعه فأقف عند رغبتي بالهروب من هذا الانتظار لأحمل انوثة هذا الاسكندر في براءته قبل ان يكون جنديا او امبراطورا وأعيش لحظة تلقيه الدروس من معلمه الفيلسوف.
فبين الدرس والطموح الموروث نعيش النقائض خاصة عندما تكون عقولنا مجيرة ومتطبعة لنمط خاص من الثقافة والعيش ، ولهذا كان مُعلم الاسكندر الفيلسوف أرسطو يعاني كثيرا في زرع مثالية الفلسفة في تلميذه والذي أدركَ ان ما يزرعه في قلب الصبي هو منطق العبارة وبهذا المنطق استطاع أن يسيطر على اسماع جنده وبهم يغزوا العالم ويصل الى بابل ويلاقي منيته.
روح الرؤى في البرابرة والاسكندر واحدة.
صورة الاسكندر في منطقها كانت ارق من صورة البرابرة ولكنها يلتقيان في بربرية الاتساع بمساحته الامبريالية.غير ان الامر يختلف الان، فصناعة البربرية قد تأتي من خلال فيلم سينمائي تمثل فيه اجمل نساء هوليود أو من خلال خطاب متلفز لإعلان حرب تقدمه في النشرة الاخبارية اجمل مذيعات السي أن أن او الجزيرة او الاسكاي نيوز.
متغير الرؤية يضغط على هاجسي أن ابتعد الان عن تلك الدهشة الغامضة بقصيدة البرابرة التي كتبها كافافيس واتخيل هاجسا صوفيا ورومانسيا لعالم اتمناه حديقة وليس فصيل جند……!