19 ديسمبر، 2024 5:59 ص

الاستقبال الكبير للبارزاني في الرياض .. قراءة سعودية للواقع الجديد في المنطقة

الاستقبال الكبير للبارزاني في الرياض .. قراءة سعودية للواقع الجديد في المنطقة

تعود العلاقات الكوردية الخليجية الى سبعينيات القرن الماضي عندما بعث البارزاني الخالد قائد ثورة ايلول العظيمة في اواسط سبعينيات القرن الماضي وفدا الى المملكة العربية السعودية برئاسة الراحل ملا عثمان بن عبدالعزيز بأعتباره احد الشخصيات الدينية المعروفة على الساحة الكوردستانية آنذاك ولكن تلك الزيارة والرسائل المتبادلة بين الطرفين بعد الزيارة لم تثمرعن دعم سعودي للثورة الكوردية ضد نظام البعث في ذلك الوقت بسبب العلاقات الوطيدة التي كانت تربط بغداد بواشنطن والرياض والضغط الامريكي على المملكة العربية السعودية في تلك الحقبة بأتجاه عدم دعم الثورة الكوردية ، حفاظا على المصالح الاقتصادية والعسكرية والامنية الامريكية في المنطقة من جهة ووجود الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو من جهة اخرى التي اثرت على قمع معظم حركات التحررفي المنطقة التي كانت تشكل خطرا على مصالح القطبين الدوليين في تلك الحقبة.

بعد انتفاضة عام 1991 وتشكيل البرلمان والحكومة الكوردستانيين ، سعت القيادة الكوردستانية وعلى رأسها الرئيسين مسعود بارزاني و جلال طالباني لبناء علاقات متوازنة مع دول الجوار والمنطقة بغية كسب الدعم الاقليمي والدولي للقضية الكوردية التي اصبحت من اهم القضايا المطروحة على مستوى الشرق الاوسط ، لتأثيراتها المباشرة على تطورات الاحداث في المنطقة.

وفي نيسان 2010 زار الرئيسان بارزاني وطالباني كل على حدة الرياض واجريا مباحثات رسمية مع كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية وعلى رأسها العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، حيث تمت خلال الزيارتين بحث

تطورات الوضع السياسي والامني في العراق الى جانب السعي لبناء وتعزيز العلاقات الكوردية الخليجية بناء على المعطيات الجديدة في المنطقة، باعتبار ان السعودية هي احدى الدول المهمة في الخليج ودورها المحوري للتأثيرعلى الدول في منطقة الشرق الاوسط وايضا لعلاقاتها القريبة من دول صاحبة القرار في العالم مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الاوروبية بشكل عام.

واستمراراً للجهود الحثيثة لحكومة الاقليم بالانفتاح على دول العالم وفتح اكثرمن ثلاثين ممثلية ومكتباً لدول العالم في العاصمة اربيل ، سعت حكومة الاقليم لبناء علاقات دبلوماسية مع العربية السعودية حيث زاروفد من الخارجية السعودي برئاسة عبدالرحمن بن غرمان الشهري العاصمة اربيل في يناير من العام الجاري والتقى كبار المسؤولين في اقليم كوردستان وعلى رأسها الرئيس مسعود بارزاني وطالبت اربيل باسم حكومة بلاده بالموافقة على فتح قنصلية للمملكة في اربيل حيث تمت الموافقة على الطلب ، وبدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين الجانبين.

وفي يوم السبت 28 تشرين الثاني 2015 زار رئيس اقليم كوردستان مسعود بارزاني على رأس وفد حكومي رفيع المستوى دولة الامارات العربية المتحدة والتقى كبار المسؤولين فيها ، حيث بحث الجانبان تطورات الاوضاع في المنطقة الى جانب العلاقات الثنائية ، وكانت المحطة الثانية لجولة البارزاني الخليجية المملكة العربية السعودية حيث وصل يوم الاثنين 30 تشرين الثاني العاصمة الرياض ، وكان في استقباله في المطار كبار المسؤولين السعوديين ، وخلال الزيارة التي استغرقت يومين ، التقى الرئيس بارزاني العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز وكبار المسؤولين في المملكة حيث تم بحث اهم القضايا التي تهم الجانبين الى جانب سبل تعزيز العلاقات الثنائية.

بناء على ماتقدم من سعي الجانبين لفتح آفاق جديدة في العلاقات الثنائية ، حملت زيارة الرئيس بارزاني الاخيرة لدبي والرياض في طياتها اموراً مهمة يمكن تلخيصها كالآتي :

اولا / موعد الزيارة : الزيارة اتت بعد التطورات الاخيرة التي شهدتها الساحتان السورية والعراقية واستمرار الحرب ضد الارهاب ، وتشكيل الحلف الرباعي بين روسيا وايران والعراق وسوريا وخلق توازن جديد وتداخل مصالح تلك الدول في المنطقة واستمرار الحرب ضد الارهاب في سوريا والعراق وبالاخص بعد الانتصارات التي حققتها قوات البيشمركة في تحريرمناطق مختلفة في محافظتي كركوك ونينوى وخاصة تحرير مدينة سنجار بدعم من طائرات التحالف الدولي وايضا تحريرمناطق كبيرة في محافظات ديالى وصلاح الدين والانبار على يد قوات الجيش العراقي والقوات الامنية الاخرى والحشد الشعبي والانتكاسات الكبيرة التي لحقت بمسلحي داعش الارهابي نتيجة الضربات الجوية الروسية والفرار من بعض جبهات القتال نتيجة الضغط المتواصل عليها ، فضلا عن الانفجارالذي هزالعاصمة الفرنسية باريس وادى الى اصابة العشرات من الفرنسيين والسياح الاجانب والتي ادت الى تهديد الامن والاستقرار في القارة الاوربية برمتها ، الى جانب اسقاط المقاتلة الروسية من نوع سوخوي من قبل المقاتلات التركية وقتل احد طياريها مما تسبب في ازمة خطيرة وتهديد جدي لأمن المنطقة فيما لو قررت موسكو الرد العسكري على العملية التركية ، هذه التطورات الخطيرة جعلت من دول المنطقة وخاصة السعودية بالتفكيرفي كيفية التعامل مع الوضع الجديد واحتوائه وبالاخص المحاولات الرامية الى تغييرالخارطة الجيوسياسية في المنطقة والتي سيتمخض عنها فناء دول من خارطة المنطقة وظهوردول جديدة بناء على المعطيات الجديدة.

ثانيا / رسالة سعودية الى الحكومة والاطراف السياسية العراقية : لاشك ان اتساع الهوة في العلاقات بين بغداد واربيل خلال السنتين الاخيرتين بسبب اقدام بغداد على قطع ميزانية الاقليم وسعي اربيل لتصديرالنفط بشكل مستقل الى الاسواق العالمية لتأمين رواتب الموظفين و نفقات الحرب ضد الارهاب التي تمتد الى اكثر من الف كيلومتر وتقديم الخدمات الاساسية للمواطنين مثل الماء والكهرباء واستمرار الخدمات في قطاع التربية والصحة وبقية الخدمات العامة الاخرى ، حيث ارادت الرياض توجيه رسالة الى بغداد مفادها في حال استمرار قطع موازنة الاقليم ، فان الرياض ستدعم الاقليم ولو معنويا في الاستمرار بتصديرالنفط ومساعدتها ماديا ان لزم الامر لحين تجاوز الازمة الحالية وذلك بناء على الاصطفافات الطائفية التي تقودها تركيا والسعودية من جهة وايران وحلفائها في المنطقة من جهة اخرى.

ثالثا / الاستقبال الكبير للسيد مسعود بارزاني بصفته رئيسا لأقليم كوردستان في دبي والرياض كما جاء في البيان الصادر من الديوان الملكي وحضور كبار المسؤولين في المملكة في المباحثات بين الجانبين وخاصة القادة العسكريين والامنيين كانت رسالة واضحة للاطراف السياسية في اقليم كوردستان بان الرياض تدعم البارزاني لا اقل في هذه المرحلة الحرجة لأن يستمر في قيادة الاقليم نظرا لشخصيته الكارزمية وعلاقاته القوية مع قادة معظم دول المنطقة والعالم وايضا قيادته شخصيا للحرب ضد الارهاب نيابة عن العالم الحر.

رابعا / القراءة السعودية للواقع الجديد في المنطقة : يبدو ان الرياض قرأت الواقع الجديد والمستجدات السريعة في المنطقة بشكل دقيق وهي تعتقد ان الازمة السورية الحالية والحرب على الارهاب ستفرز واقعا جديدا ورسم خارطة جديدة تنسف معاهدة سايكس بيكو وظهور دول جديدة في المنطقة ، ربما ستكون اهمها الدولة الكوردية التي سيكون لها دور محوري في المنطقة لموقعها الجيوسياسي ووجود

مكامن الطاقة وخاصة النفط والغاز فيها ، والتي يمكن ان تكون تلك الدولة احد مصادر الطاقة المهمة في العالم وستلعب دورا اساسيا في المعادلات السياسية والاصطفافات الجديدة في منطقة الشرق الاوسط.

أحدث المقالات

أحدث المقالات