23 ديسمبر، 2024 3:17 ص

الاستقالة حالة غائبة في الفشل عند سياسيينا

الاستقالة حالة غائبة في الفشل عند سياسيينا

إن ثقافة تقديم الإستقالة إذا ما أخفق المسؤول في أبسط الأمور تعبير عن الاعتراف بالتقصيرو تُعد من الأمور الحضارية والديمقراطية المتقدمة، ومن لا يعترف بثقافة الاستقالة هو من يريد الاستمرار في إخفاقاته ولا يهتم بنتائجه من باب الإنانية لكي يحظى بوهج المنصب أو للتحكم بالمال والجاه ومع الاسف الشديد لم نصل نحن إلى ذلك المستوى الحضاري منها ليؤهل مسؤولينا في تقديم الاستقالة بعد الفشل في تحقيق مطالب الجماهير؟ وليس من المنتظر أن نشهد بداية صحوة لفهم معنى ومغزى العلاقة بين الذات والكرسي، لأن الفرق كبير وهائل في أن تكون خارج السلطة وداخلها كما يعتقدون بسبب المغريات والغرورالذي يعتليهم،

نعم كلا، والف كلا لم نصل بعد الفشل في الاداء والتخبط الذي يعلوا كل شئ.على العكس من دول مختلفة في العالم ترسّخت لديهم ثقافة الاستقالة وتطبق بكل شجاعة ، وتجسّدت لديهم الحكمة الخالدة «المسؤولية تكليفاً وليست تشريفاً». فإذا شعر المسؤول عندهم أنه ليس بالكفاءة وليست لديه القدرة على أداء مهامه بالشكل الأمثل والأنجع، وأن تكلفة وجوده على الكرسي أكثر بكثير من الإنجازات التي سيحققها يقدم براحة بال وقلب مطمئن استقالته من منصبه مهما كان مستوى ذلك المنصب .

ومن هنا أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، اخيراً عزمها التخلي عن زعامة حزب المحافظين يوم 7 يونيو/ حزيران المقبل .بعد ان بذلت مافي وسعها ” لتنفيذ نتيجة استفتاء 2016 للخروج من الاتحاد الأوروبي وخرجت وهي تشعر “بأسف عميق” لأنها لم تتمكن من تنفيذ قرار الاستفتاء، لكن اختيار رئيس جديد للوزراء سيكون “في مصلحة البلاد”.

ورئيس وزراء نيوزيلندا «جون كي» قدم استقالته لأسباب عائلية بحتة بعد ثماني سنوات في منصبه، في قرار لم يكن منتظراً لرئيس الحكومة الذي كان يتمتع بشعبية واسعة في بلاده. لقد قال في كلمة مؤثرة خلال المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه استقالته «إن القادة الجيدين يعرفون متى يجب عليهم الرحيل، وقد حان الوقت بالنسبة لي للقيام بذلك». السؤال: أين المسؤولون العراقيون من هذا النموذج الحضاري؟

والمثال الاخر استقالة الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول الشهيرة في عام 1969، عندما ربط مصيره السياسي بنتيجة استفتاء شعبي طالب خلاله بتعديل عضوية مجلس الشيوخ وأعطاء صلاحيات موسعة لمجالس الاقاليم، وعندما لم تأت نتيجة الاستفتاء كما اراد، استقال وانسحب بهدوء من الحياة السياسية بعد تاريخ وطني حافل. مثل هذه الامثلة كثيرة -كريس هيون وزير الطاقة البريطاني اكتشفت الصحافة أنه ارتكب مخالفة تجاوز السرعة وعوض رخصة سياقته برخصة زوجته السابقة.
-أولاندو سيلفا وزير الرياضة البرازيلي اكتشفت الصحافة فساد مالي قام به في توليه تنظيم مونديال 2014 وأولمبياد 2013 فاضطر للإستقالة.
– مونا سالين الوزيرة السويدية استقالت بعد فضيحة شرائها شكلاطة ببطاقة الوزارة واضطرت لمغادرة الحياة السياسية.
-محمد المثيني وزير النقل المصري في الفترة الاخيرة قدم استقالته مباشرة بعد حادث اصطدام قطار بحافلة الأطفال وتوفى 50 منهم.

وكذلك الرئيس السوداني الراحل عبد الرحمن اسوار الذهب نموذج يدعوالى الافتخار والاعتزاز لأنه لم يقبل أن يعرض بلاده للخطر واضافت إليه قدرا كبيرا من الاحترام فى عيون الآخرين طالما لم يستقل وهو متهم فى قضية مخلة بالشرف أو بمقتضيات وظيفته انما بدافع وطني وحرصاً للقضاء على الفتن .

هذه الحالة غائبة عند سياسيينا الحالين وفي العالم الثالث حتى في حالة الفشل والتمسك بالمسؤولية مهما كان الثمن ويحتاج أمر شيوعها كثقافة إلى حاضنة شعبية تتفهمها. وإذا كانَ اعتزال السياسيين واستقالة المسؤولين في البلدان الديمقراطية مسألة شائعة، مبدئية واخلاقية فإنّ الاستقالة من المنْصب غير متداولة عندنا ويعتبرها البعض بالكارثة والسقوط السياسي لا بل الافلاس ،وخاصة في العراق حيث يتشبّث المسؤولون بمناصبهم حتّى إنْ فشلوا في مهامّهم، أوْ ارتكبوا جرائم غسيل للاموال او الفساد او اعتداء على حقوق الشعب اوأخطاء تثير غضب الرأي العامّ، ولا يتخلّوْن عنْها إلا إذا أُقيلوا بقوة القانون حتى ان القانون في كثير من الاحيان عاجز من ان يكون سببا لاحالة ذلك المسؤول من مسؤوليته، كمَا حصل مع وزراء في الحكومات السابقة وحتى الحالية. ويماطل وينفرد برأيه، ويتهرب من فشله، ويقوم برمي وتوزيع الأعذار بما يمكنه من التمسك بكرسيه، برغم ضعفهم في أدائهم الوظيفي؛ وهذا هو الواقع الذي قاد مجتمعاتنا لما وصلت إليه من تردٍ وأزمات وسلبيات لا تعدّ ولا تُحصى.”أنَّ ثقافة اللامسؤولية والإفلات من المسائلة، وعدم الاستجابة لمنطق التداول على السلطة سيد الموقف الان ، بسبب غياب ثقافة مؤسسات الدولة ودولة القانون من جهة، وسيادة منطق الزبونية من جهة أخرى”، و لأنَّ مناصب المسؤولية تندرج ضمن سياق الاعتبارات الشخصية والامتيازات الحزبية والمناطقية والعشائرية ، ولا يحكُمها منطق الكفاءة وتحمُّل المسؤولية؛ وهو ما يجعل صاحبَ المنصب يتشبّث بمنصبه، الذي يحقّق له مصالح مادّية أو رمزية في حين ان الاستقالة عملية ارادية يثيرها الموظف او المسؤول او العامل في حال الشعور بضرورة ترك العمل او المسؤولية لأي سبب من الأسباب واهمها الاخلاقية لأي حال من الأحوال واتباع الطريقة الصحيحة و المعتمدة على الكفائة المهنية للإحتفاظ بماء الوجه و إشعار الآخرين بأهمية الاستقالة وهو قرار مصيري يحتاج إلى الكثير من التفكير قبل اتخاذه،لان المسؤول تجده ملتزماً تجاه أمته بتقديم كل ما يستــطيع لضمان عدم حدوث خلل من جانبه قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بمواطنــيه .

لكن قد يجد الشخص نفسه أحياناً مضطراً تحت ضغوط معينة لاتخاذ القرار السريع بطلبه وتنتهي الخدمة فيها بالقرار الموافق عن الجهة الادارية ، لبيان عدم الرغبة في الاستمرار في الخدمة لسبب خاص او عجز اوعدم الارتياح من المسؤولية به او لوجود السلبيات إلا أنه يتم في معظم الحالات بسب عوامل خارجية سواء منها ما يتعلق بالعمل أو بأسباب شخصية والتي تعود بالضرر على العمل ،منها الارتباك الذي يحصل للمهام الموكلة ويقوم بتقديم استقالته، والمستقيل الذي يقدم استقالته هذا لا يعني ان الاستقالة عملية تعاقدية تتم بايجاب من الجهة المسؤولة عن مقدم الطلب . وثمة قلة قليلة من تستجيب لنداءات الضميروتحلق في سماء الانصاف، نتيجة الفشل الذريع في إدارة المكان المسؤول عنه، بسبب سيطرة المصالح المادية والسلطوية على النزعات الأخلاقية. وهوجزء لا يتجزأ من طبيعة النفس الانسانية التي يُفترض بها رفض البقاء في مكان أو منصب فشلتْ أو أُفشلت في تحقيق أبسط متطلبات نجاحه.
إن المتأمل والمراجع لحال واقعنا يلاحظ غياب كلمة «الاستقالة» من قاموس المسؤول،وينتقل الافتخار: من الاعتزاز بالنفس إلى خداع النفس كما يحدث في الكثير من البلدان ، بل على النقيض منها نجد مسؤولاً يتشبث حتى آخر رمق بالمنصب والاستقالة لا يقوم بها إلا شخص واثق من نفسه، خصوصاً إذا كان سببها قصوراً في أداء بعض المهام المنوطة به والاعتراف بالخطأ فضلية ، وإعلاء لشأن القيمة الوطنية والمسؤولية الأدبية والالتزام الأخلاقي أمام الرأي العام.

فهل ستبقى ثقافة العظمة والنظرة الدونية للغير التي يتسلح بها مسؤولينا هي السائدة؟ متى سيأتي اليوم الذي نعترف فيه بأخطائنا ونتحمل المسؤولية بكل معانيها وننسحب ونعود الى اخلاقنا السامية؟ لان الوظيفة أو المنصب تكليف قبل أن تكون تشريف “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” .فهل سيمتلك المسؤول عندنا القدرة على اتخاذ مثل هذه القرارات الشجاعة؟ …لماذا تغيب ثقافــة الاستقالة في مجتمعاتنا مع أنها من أساسيات القيادة الرائدة في المجتمــعات المتقدمة؟!

صحيح أننا سنحتاج إلى عشرات السنين حتى نصل إلى ذلك المستوى من الرقي في التعامل، ولكن ليس عيباً أن نستفيد من دروس الآخرين عندما لا نجد انفسنا قادرين للقيام بمسئوليتنا فنقدم استقالتنا بكل ذوق رفيع.. بكل احترام وتقدير من الاخرين لأننا أخلصنا لوطننا ولا نريد أن يغرق بلدنا بالفساد الى ما لا نهاية.