18 ديسمبر، 2024 7:15 م

الاستفتاء العام يعزز من الديمقراطية

الاستفتاء العام يعزز من الديمقراطية

دارت نقاشات عديدة في اللجنة المركزية عند التحضير لانتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها في نيسان 2020، حول جدوى المشاركة في هذه الانتخابات، وعلى ضوئها طُلب من منظمات الحزب الاستفتاء حول ذلك، وعلى أثر قيام انتفاضة تشرين الباسلة لسنة 2019، وتصويت مجلس النواب بتاريخ 26 تشرين الثاني 2019 بإنهاء عمل مجالس المحافظات، قد أُسدل الستار عنها.

وعاد النقاش مرة أخرى عند التحضير للانتخابات البرلمانية المبكرة بفعل مطالب الانتفاضة، بعد استقالة وزارة عادل عبد المهدي، وقد حُسم الأمر هذه المرة إلى جانب المشاركة في الانتخابات، مع تحفظ عدد من الرفاق في قيادة الحزب وكوادره.

وعلى ضوء ذلك انضم الحزب إلى التحالف المدني الديمقراطي كتحالف انتخابي وقدم عدد من المرشحين إلى المفوضية المستقلة للانتخابات في العديد من الدوائر الانتخابية وبأغلب محافظات العراق، وعلى أثر اغتيال الشهيد إيهاب الوزني في كربلاء بتاريخ 9 أيار 2021، أصدر المكتب السياسي بيان يشجب فيه الاغتيال (… ويعلق مشاركته في الانتخابات على ما ستتخذه الحكومة والسلطات التشريعية من إجراءات حازمة ورادعة…)، ومنذ تلك الفترة عاد النقاش مرة أخرى حول جدوى المشاركة والمقاطعة للانتخابات والتي انتهت باللجوء إلى الاستفتاء الحزبي الداخلي.

ولأجل الوقوف إمام ماهية الاستفتاء العام وأنواعه وشروط نجاحه وآليات خوضه داخل الحزب على ضوء نص النظام الداخلي بخصوص الاستفتاء، تم إعداد هذه المادة من كتابي الموسوم الإجراءات الشكلية والموضوعية لتعديل الدستور العراقي لسنة 2005، لغرض إعطاء صورة للقارئ عن الاستفتاء العام.

مقدمة نظرية

الديمقراطية تعني أن الشعب هو أصل ومرجع السلطة السياسية وهو مصدر السلطة الوحيد، غير أن أسلوب ممارسة الشعب للسلطة له ثلاث صور، فقد يمارس الشعب سلطات الحكم بنفسه بدون وساطة نواب عنه وهي صورة الديمقراطية المباشرة والتي كانت سائدة في المدن اليونانية القديمة، وهناك صورة أخرى وتسمى بالديمقراطية غير المباشرة، وتعني ممارسة الشعب السلطة والسيادة عن طريق نوابه في البرلمان الذين ينتخبهم لهذا الغرض، وهناك صورة ثالثة للديمقراطية وهي وسط بين الصورتين السابقتين، وفيها عندما ينتخب الشعب نوابه في البرلمان، فأن هؤلاء النواب لا يستقلون بممارسة جميع مظاهر السلطة والسيادة نيابة عن الشعب بل يحتفظ الشعب ببعض مظاهر السلطة ليمارسها بنفسه، ولهذا تسمى تلك الصورة بالديمقراطية شبه المباشرة.

وللديمقراطية شبه المباشرة مظاهر متنوعة منها ممارسة الشعب أو (الهيئة العامة) للسلطة بالرغم من وجود البرلمان، ومن هذه المظاهر: بالاستفتاء الشعبي، الاعتراض الشعبي، الاقتراح الشعبي، طلب إقالة أحد النواب في البرلمان، طلب حل البرلمان وكذلك طلب عزل رئيس الجمهورية. وما يخصنا في هذه المادة هو الاستفتاء العام.

ماهية الاستفتاء

الاستفتاء العام: هو من أهم مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة، ويعني الرجوع إلى جمهور الناخبين لأخذ قرارهم أو رأيهم في موضوع معين يعرض عليهم، إي لا يكفي قرار البرلمان في هذا الموضوع، ويقصد بالاستفتاء أيضا: طرح موضوع معين بصورة عامة على الشعب ليدلي برأيه فيه إما بالموافقة أو بالرفض.

وفي ظل التطور الحضاري للمجتمعات، وتوسع دور الدولة ومؤسساتها، وارتفاع مستوى النضج السياسي للشعب بفعل اضمحلال دور الحكم الفردي والتسلطي، أصبح دور البرلمان وحده غير كاف للتعبير عن السيادة الشعبية، فبدأت بعض الدول، اللجوء إلى الاستفتاء العام لمعرفة رأي الشعب في التحديات المطروحة كشكل من أشكال الديمقراطية غير المباشرة، من خلال النص في الدساتير على الأخذ برأي الشعب عبر الاستفتاء للحد من دور البرلمان على القرارات المصيرية، وتواجه الاستفتاءات إشكالية عندما تكون الأمية متفشية بين الشعب، فقدرته على أن يكون سيد نفسه محدودة، ولهذا ارتبط الاستفتاء الناجح بارتفاع مستوى المعيشة والرفاهية، فعندما يكون الشعب بمستوى ثقافي جيد، يصبح له القدرة على المساهمة في السلطة ومؤسساتها، وإدراك قيمة الحقوق والحريات التي يتمتع بها، ويكون دوره إيجابياً في الاستفتاء العام، من خلال الإجابة على الأسئلة المطروحة.

أقسام الاستفتاء

ينقسم الاستفتاء العام إلى أنواع متعددة من حيث:

1- موضوعاته: من حيث الموضوع هناك استفتاء دستوري، واستفتاء تشريعي واستفتاء سياسي وهو المتعلق بأخذ رأي الشعب( الهيئة العامة) في موضوع سياسي يتميز بأهميته في الاختيارات الأساسية للدولة أو سياستها العامة.

2- مواعيده: وهذا يعني هناك استفتاء سابق على القانون واستفتاء لاحق على القانون، والاستفتاء السابق على القانون يكون بناء على مبادرة استشارية من جانب البرلمان، فقد يرى البرلمان قبل اتخاذ قانون هام استطلاع رأي الشعب على فكرة هذا القانون من حيث المبدأ، فهو استشاري وغير ملزم للبرلمان، أما الاستفتاء اللاحق على القانون فهو يجري بعد وضع مشروع القانون بواسطة البرلمان، ولكن هذا المشروع لا يصبح قانونا نافذا و ملزما إلا بعد الموافقة عليه في الاستفتاء العام، والاستفتاء اللاحق هذا هو وحده الذي يعتبر من تطبيقات الديمقراطية شبه المباشرة.

3- مدى وجوب إجرائه: ينقسم الاستفتاء إلى اجباري واختياري، الاستفتاء الإجباري ينص الدستور على وجوب إجرائه فمثلا الدستور العراقي لسنة 2005 يوجب إجراء الاستفتاء لغرض تعديل الدستور، إما الاستفتاء الاختياري فهو يعني أن الدستور يترك للسلطة التنفيذية أو التشريعية حق التقدير في إجراء الاستفتاء، على ضوء تقدير السلطة المختصة للمصلحة العامة.

4- الزاميته: ينقسم الاستفتاء إلى ملزم أو استشاري، وأن أساس التقسيم هذا هو مدى تقيد السلطة التي أجرت الاستفتاء بنتيجته أم لا، ومن خلال الوقائع يثبت أن السلطة المسؤولة عن إجراء الاستفتاء تجد نفسها عادة مضطرة من الناحية الأدبية إلى التقيد بنتيجة الاستفتاء ولو كان غير ملزم، وذلك خوفا على مكانتها الأدبية أمام المواطنين والرأي العام.

 

شروط نجاح الاستفتاء

 

1- البساطة في الأسلوب:

إن عرض موضوع الاستفتاء، يكون بشكل مبسط ومفهوم، ويسهل ذلك للإجابة على سؤال الاستفتاء، حيث الموضوعات العامة سهلة الإدراك لعموم الشعب، وهي أحد شروط نجاح الاستفتاء وتزايد الإقبال عليه، ومن الأمثلة على ذلك: طرح استفتاء حول أيهما الأصلح للبلاد، النظام الملكي أم النظام الجمهوري، أو التصويت على منح النساء حق التصويت.

وتواجه الدساتير التي تنص على الاستفتاء العام الإجباري، إشكالية عدم فهمه من قبل عامة الشعب والتي تتطلب بعض الثقافة القانونية فمثلاً: توزيع صلاحيات مؤسسات الدولة أو النظم الانتخابية ومسؤولية الوزراء أمام البرلمان وغيرها من الفقرات، أن مثل هذه الموضوعات للتعديل، تتطلب القيام بحملة توعية مكثفة، وأن تتاح لها الفرصة الكافية ما بين فترة إعداد هذه التعديلات حتى إجراء الاستفتاء، ليكون هناك إدراك جيد لما هو موجود في هذه التعديلات، وبالتالي سهولة الإجابة عليها في الاستفتاء.

 

2- الاختيار الأمثل في صياغة الاستفتاء:

إلى جانب البساطة والوضوح في طرح موضوعات الاستفتاء، هناك شروط آخر وهي الاختيار المناسب في صياغة السؤال المطروح للاستفتاء، فهي المفتاح السحري الذي يؤثر على تفكير المستفتين والتأثير على إجابتهم من الاستفتاء بـ (نعم أو لا )، ونظراً لتأثر نتائج الاستفتاء بأسلوب صياغة الأسئلة، فيشترط صياغتها وفق شروط وضوابط معينة، منها إتباع أسلوب البساطة والوضوح، إذ أن غموض الأسئلة وعدم وضوحها وتضمنها لعدد من المقاصد تأثير سلبي على تفكير المستفتين، لكونها تحيره في الإجابة الصحيحة، ومن ثم تأتى إجابته وفقاً للمعنى الذي فهمه هو، في حين أن هذا المعنى ليس هو المقصود.

أن موضوع الاستفتاء إذا ما تحدد بصورة واضحة، وتحققت فيه الوحدة الموضوعية، وصاحب ذلك حياد السلطة العامة وعدم تدخلها لتغيير طبيعة الاستفتاء من استفتاء شعبي إلى استفتاء شخصي، فأننا سنكون أمام استفتاء حقيقي يستهدف إشراك الشعب في ممارسة السلطة ممارسة فعلية.

3- وحدة الموضوع:

إلى جانب الشرطين السابقين، يوجد شرط آخر مهم يرتبط بالجانب الشكلي لشروط الاستفتاء، وهو: وحدة الموضوع، ويحبذ ألا يتضمن الاستفتاء على موضوعات عديدة متباينة، ويتم تحديده تحديداً دقيقاً، وأن لا يتضمن أكثر من موضوع، وأن يكون متاحاً للنقاش العام، إذ كيف يستطيع المواطن أن يبدى رأيه بـ (نعم أم لا) أو (موافق أو غير موافق) إذا كان ما يعرض عليه في موضوعات لا يستطيع أن يبدي رأيه في كل منها على حدة.

أن الاستفتاء ممارسة ديمقراطية تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب، من الضروري أن يكون أسلوب صياغة الأسئلة يتسم بالبساطة واليسر ووحدة الموضوع. وأن يتمتع الموضوع المطروح على الشعب،للنقاش العام، وأن لا يكون من البديهيات والأمور المسلم بها لكي يكون هذا الاستفتاء معبراً عن محتوى جدي.
الاستفتاء في الحزب الشيوعي العراقي

اعتمد الحزب، اللجوء إلى الاستفتاء في مؤتمره الخامس لسنة 1993، والذي أطلق عليه مؤتمر الديمقراطية والتجديد ، حيث نصت الفقرة الخاصة بالاستفتاء الآتي: “رجوع الهيئات القيادية إلى الرأي العام الحزبي عند بحث القضايا الهامة التي تتعلق بشؤون الحزب وسياسته“ (ب،7، المادة 1)، كتعبير عن التطور النوعي في تبني الديمقراطية شبه المباشرة في حياة الحزب الداخلية، ومن الممكن القول انه الحزب الوحيد على الساحة السياسية العراقية الذي كان وما يزال ملتزما بنصوص نظامه الداخلي من خلال انتظام عقد مؤتمراته الدورية وتجديد قوام قيادته عند كل مؤتمر والالتزام بالآليات الديمقراطية عند اختيار مندوبي مؤتمراته وانتخاب هيئاته القيادية .

وقد أُجرى الحزب بعض التعديل بخصوص الاستفتاء الحزبي، في الفقرة الخاصة بالاستفتاء من النظام الداخلي النافذ التي أصبحت الآتي: “رجوع الهيئات القيادية إلى الرأي العام الحزبي عند بحث القضايا الأساسية المستجدة وذلك بإجراء استفتاء داخلي، وطرح الوثائق الخاصة بتلك القضايا للمناقشة الحزبية العامة قبل اتخاذ قرارات بشأنها“ ( ب،6، المادة 1). إن هذه الفقرة تتضمن عدة جوانب ومنها:

1- اللجوء إلى الاستفتاء عند حدوث قضايا أساسية مستجدة، وهي تشمل قضايا متنوعة وأن ما يميزها أن تكون مستجدة تتطلب اتخاذ الموقف إزاءها، وهي تشمل الموضوعات الفكرية والسياسية والتنظيمية. وبالعودة إلى الصياغة الواردة في نص النظام الداخلي بعد المؤتمر الخامس سنجدها أكثر وضوحا و شمولية مما هي عليه ألان.

2- أن الاستفتاء في نص النظام الداخلي يُعتبر استفتاء اختياري وليس استفتاء إجباري، والجهة المخولة بإجرائه هي اللجنة المركزية باعتبارها الهيئة القيادية والتنفيذية العليا للحزب، وهي صاحبة التقدير، التي ترى أن أحد القضايا المطروحة أمامها، هي محل وجهات نظر متباينة في داخلها وعموم الحزب، ولأجل تدارك إبعاد تداعيات أي موقف تتخذه بمفردها، تلجأ للاستفتاء الحزبي العام ليكون مشارك لها في اتخاذ الموقف.

 

3- إن النظام الداخلي في هذه الفقرة ألزم اللجنة المركزية وهي الجهة المختصة بتنظيم الاستفتاء إلى (طرح الوثائق الخاصة بتلك القضايا للمناقشة الحزبية العامة) إي لابد أن تكون هناك وثائق تُطرح للنقاش العام حول القضية التي سيتم الاستفتاء عليها، وهذه المناقشة قد تكون ورقة صادرة من الهيئة القيادية تحدد ما هي القضايا المراد الاستفتاء عليها وما هي سلبيات وايجابيات أي موقف من المواقف التي يتم التصويت حولها ب نعم أو ب لا، أو اعتماد إعداد مقالات للنشر بوسائل إعلام الحزب وبشكل متوازن لقيادته وكوادره إلى جانب او بالضد من القضية المراد الاستفتاء عليها، لإتاحة الوقت المناسب للقاعدة الحزبية للاطلاع وأن تكون على بينة من الاستفتاء وتداعياته، ولكي يكون تصويتها بإدراك ووعي مناسبين.

 

4- أن الصيغة الواردة في النظام الداخلي حول الاستفتاء تعتبر أن الاستفتاء ذات طابع استشاري وغير ملزم للجهة التي دعت إليه، فمن خلال السطر الأخير من فقرة النظام الداخلي والذي جاء فيه (… قبل اتخاذ قرارات بشأنها) أي أن القرار الأخير بشأن القضية المستفتى عليها يعود للجنة المركزية وليس عند إعلان نتائج الاستفتاء، وهذا يحتاج إلى إعادة صياغة عند تعديل النظام الداخلي، بحيث النتيجة المُعلنة عن الاستفتاء هي التي ستكون النافذة.

وفي العادة وعند كل الاستفتاءات التي أُجراها الحزب، تعتمد اللجنة المركزية نتائج الاستفتاء، أساسا للقرار الذي تتخذه، لان هذه النتيجة هي قيد أدبي وأخلاقي أمام أعضاء الحزب والرأي العام.