17 نوفمبر، 2024 5:35 م
Search
Close this search box.

الاستفتاءان التركي والكردي.. صراع بين سيناريو شمال قبرص وجنوب السودان

الاستفتاءان التركي والكردي.. صراع بين سيناريو شمال قبرص وجنوب السودان

سواء ردت تركيا على الأكراد بالنموذج القبرصي أو ردّ الأكراد بسيناريو جنوب السودان، ففي الحالتين فإن الجغرافيات العربية ستشتعل وتصهر على نار القوميين الأتراك والقوميين الأكراد لتعدّل أميركا وغربيا في كيانات جديدة مركبة ودول قديمة مبرّكة.

الاستفتاءان التاريخيان اللذان سيرسمان معالم جغرافية وسياسية وإستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، الأوّل يتمثل في الاستفتاء التركي على تحويل رجب طيب أردوغان من رئيس بصلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية شبه شاملة إلى إمبراطور عثماني بصلاحيات ملكيّة، أما الثاني فيتجسد في إعلان كردستان العراق الاستعداد لإنجاز استفتاء شعبي موفى العام الجاري لتقرير مصير الإقليم وعلاقاته بالعاصمة بغداد وبالدولة العراقية.

من الواضح أنّ تداعيات الاستفتاءين ومفعهولهما الجغراسياسية ستتكرسان ضمن جغرافيا المشرق العربي عموما وسوريا بالتحديد، ذلك أنّ تصدعات الحدثين التاريخيين لن تقف عند حدود كردستان العراق أو ضفاف الأناضول التركية.

الملاحظة الواجب الانتباه إليها كامنة في أنّ الاستفتاءين يجسدان مكاسرة إستراتيجية خطيرة بين تركيا العثمانية القومية من جهة والأقوامية الكردية من جهة ثانية.

ستتصدع المناطق الجنوبية ذات الغالبية الكردية وجبهة الرفض المتنامية لسياسة أردوغان، تأثرا بنموذج الجغرافيا المتمردة و’الدولة الهجينة’ في أربيل
يدرك الأكراد أنّ استحضار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعثمانية الجديدة من بوابة الاستفتاء إنما يهدف من جملة الأهداف إلى استرداد الإنسان والمكان سوية، ولئن تكفّل أردوغان باستدرار تاريخ عائلة آل عثمان فإنّ فريقه الحكومي أكد أكثر من مرة إصرار تركيا على إلغاء اتفاقية لوزان في 1923 والامتداد إلى الجغرافيا السليبة في الشمالين السوري والعراقيّ.

وهو امتداد بدأت أولى إرهاصاته عبر احتلال أجزاء واسعة من التراب السوري وإقامة قواعد عسكرية فيها، إضافة إلى تركيز قاعدة عسكرية ثانية في مدينة بعشيقة بالشمال العراقي ونشر فرق أمنية وعسكرية ومخابراتية على الحدود التركية العراقية.

الاستفتاء التركي ظاهره أردوغان وباطنه استرداد لخلافة بني عثمان، بما تمثله من شوكة التتريك والعصبية القومية المنغلقة التي أفضت بأصحابها سابقا إلى احتلال لواء الاسكندرون من سوريا والاستيلاء على الجزء الشمالي من قبرص، في مقابل رفض أي طلب إقليمي أو دولي للانسحاب من الأراضي المحتلة، والتي قد تفضي مستقبلا إلى “قبرصة” الشمال العراقي وضم شظايا الجغرافيا السورية إلى لواء الاسكندرون السليب.

استجلى أكراد العراق خاصة والمؤمنون بكردستان الكبرى عامة الحملة التركية المحمومة لإنجاز الاستفتاء، على أنها خطوة نحو القومنة المحلية والقبرصة الخارجية واستجلابا للتاريخ لسرقة الجغرافيا.

فما كان منهم سوى أن ردوا على التوسع الجغرافي بالجغرافيا المتمردة على العاصمة المركزية عبر الإعلان عن استفتاء الانفصال عن بغداد أواخر العام الجاري.

يدرك الأكراد أن استفتاء تركيا القادم ليس سوى تكريس للسلطنة القومية وللسلطة المطلقة وللسلطان الشمولي على كامل الجغرافيا العثمانية لما قبل اتفاقية لوزان
المقاربة الدستورية لمسألة انفصال كردستان العراق عن العراق تحيل النقاش إلى سياقات فنية ونصية صرفة، فيما القضية مرتبطة بتشظي الكيان العراقي طائفيا ومذهبيا وإثنيا كما تشظى الإنسان العراقي عشائريا وقبليا وهوياتيا وهو السيناريو والمشروع الذي عكفت ولا تزال تعكف عليه واشنطن منذ احتلال العراق وإلى حين لحظة كتابة هذه الأسطر.

فشلت كافة صيغ المحاصصات والترضيات الإثنية في شدّ الأكراد إلى الوطن العراقي، وفشلت كافة الصيغ بمجرد أن تمّ اعتماد المحاصصة الإثنية والطائفية في تقسيم الأوطان إلى غنائم بين شيوخ المذاهب وأباطرة الإثنيات.

ولن نتخطى الصواب إن اعتبرنا أنّ أربيل متجهة صوب سيناريو جوبا، حيث اختار جنوب السودان أن ينفصل عن الخرطوم التي كانت محشورة بين خياري تجرع العلقم أو شرب السمّ، بين تحمّل الصراع المسلح والسلام المستحيل أو القبول بتحييد السودان عن أرضه ومصادرة ثرواته تحت مسمى تقرير مصير الجنوبيين.

ترفض أنقرة الفيتو السياسي في وجه الدولة الكردية الوليدة في الشمال العراقي، والفيتو الميداني حيث تكرّس حضورها العسكري في معاقل كردستان الأصيلة والبديلة في سوريا، والفيتو الاقتصادي ملوّحة بورقة إيقاف اشتراء النفط من أربيل.

تدرك أنقرة أنّ الكيانات القومية القلقة، على غرار كردستان العراق وسوريا، تحمل في طياتها نسفا لفكرة القومية التركية النقية على أرض الأناضول حيث ستتصدع المناطق الجنوبية ذات الغالبية الكردية بقيادة حزب العمال الكردستاني وجبهة الرفض المتنامية لسياسة أردوغان، تأثرا بنموذج الجغرافيا المتمردة و”الدولة الهجينة” في أربيل.

في المقابل يدرك الأكراد أنّ استفتاء تركيا القادم ليس سوى تكريس للسلطنة القومية وللسلطة المطلقة وللسلطان الشمولي على كامل الجغرافيا العثمانية لما قبل اتفاقية لوزان.

وسواء ردت تركيا على الأكراد بالنموذج القبرصي أو ردّ الأكراد بسيناريو جنوب السودان، ففي الحالتين فإن الجغرافيات العربية ستشتعل وتصهر على نار القوميين الأتراك والقوميين الأكراد لتعدّل أميركا وغربيا في كيانات جديدة مركبة ودول قديمة مبرّكة.
نقلا عن العرب

أحدث المقالات