22 ديسمبر، 2024 11:33 م

“الاستغفال”… في مكتب الرئيس

“الاستغفال”… في مكتب الرئيس

في بلادنا التي أصبحت أفضل الأماكن لاكتشاف “المواهب” على مختلف أنواعها، ومسرحا لعرض “السلع” من جميع المناشئ، يستمر “ولاة الأمور” بممارسة سياساتهم المتعددة، ولعل واحدة منها “سياسة الاستغفال” التي اصبحت “عدوى” تنتقل من سياسي الى آخر، وحتى اصحاب المناصب الجديدة الذين أفرزتهم انتخابات 2018، يحاولون تقليد “كبرائهم” والدليل على ذلك، ان “تشرشل العراق” السيد فالح الفياض، خرج علينا يوم “طرده” رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي قائلا “ان جميع المناصب التي حصلت عليها لا قيمة لها، وان معتقداته هي من اوصلته لتلك المناصب”، لكن السيد الفياض “هرول” الى القضاء ليطالب بإعادته، للمناصب التي “لا قيمة لها” ليقرر ايقاف القرار قبل تدهور الاوضاع الامنية ونسف الإنجازات التي تحققت على يديه.
إن قصة الفياض لن تكون اخر حكاية “استغفال” نتعرض لها، فالقوى السياسية جميعها تنادي بمنح “الحرية” لرئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي في تشكيل كابينته الحكومية، لكنها تبحث عن المناصب والحصص الوزارية تحت عنوان “الاستحقاق الانتخابي”، وتهدد ايضا بعدم المشاركة في حكومة تعيد “انتاج” المحاصصة السياسية، في حين اعترضت العديد منها على “النافذة الالكترونية” التي اخترعها عبد المهدي للخروج من “نهج المحاصصة”، جميع تلك الأحداث تضعنا امام حقيقة واحدة لا يمكن انكارها، وهي تنوع “فنون” القوى السياسية في اختيار طريقة “الاستغفال”، فمثلا كيف تفسر احالة رئيس الجمهورية السابق فؤاد معصوم ونوابه “الفرسان الثلاثة” (نوري المالكي وإياد علاوي واسامة النجيفي) على التقاعد، بعد الإنجازات التي تحققت في عهدهم حينما أصبحنا ننافس جميع الدول المتقدمة في مجال الخدمات وتحقيق الرفاهية للمواطنين، حتى ان المئات من العراقيين خرجوا لأسوار الخضراء منددين بقرار الإحالة على التقاعد رافعين لافتات “تتغنى” بالفرسان الثلاثة، وتذكرنا بمواقفهم البطولية التي يشهد لها “القاصي والداني” لكن “حزن” التقاعد لن يطول وسيعود “اصحاب الفخامة” من بوابة اخرى في تشكيلة الحكومة.
قد يتسال البعض ويتهمني اخرون بمحاولة رسم صورة متشائمة عن قادم الايام، بالعكس ياسادة، التفاؤل بشخص عادل عبد المهدي والتوجه نحو الإصلاح لا يمكن إخفاؤه، لكن ماحصل خلال حوارات تشكيل الحكومة وتقسيم المناصب الوزارية يدفعنا لطرح العديد من الاسئلة عن حقيقة التغيير والطرق الي يمكن اتباعها للخروج من النفق الذي دخلناه منذ 15 عاما، فحين نتحدث عن حركة اصلاحية كبيرة تلبي طموح “عُبَّاد الله”، لا يعني ذلك ازاحة “الفيلسوف” ابراهيم الجعفري لنضع مكانه ابو مازن “عراب الصفقات” او اعادة هوشيار زيباري لوزارة المالية، اوفسح المجال لاستحداث مناصب جديدة ترضي قادة الكتل السياسية، في حين مازال “الخطأ” الذي وقع فيه العبادي بالإبقاء على مستشاري المالكي في مكتبه، يهدد خطوات عبد المهدي الذي يحتاج الى “ثورة” حقيقية تعيد هيكلة رئاسة الوزراء.
للاسف ان مهنة “الاستغفال” لم تعد تقتصر على الساسة، انما تعدت لتكون صفة تلازم “الاقلام الماجورة” الذين يستغلون وضع بعض الساسة أصابعهم في آذانهم للابتعاد عن سماع الحقيقة والاصوات التي ترشدهم الى الطريق الصحيح، ليبحثوا بين “بقايا المطبلين” الذين يرسمون واقعا مغايرا يخدم “نزواتهم” الشخصية فقط، كما فعلها “المرتزقة” مع مسعود البارزاني حينما “اوهموه” بان الاستفتاء على الانفصال سيفتح الباب امام اعلان “الدولة الكردية” وستكون بغداد مجبرة على الاعتراف بها، لكن وبعد فشل تلك الخطوة كان هؤلاء اول من “التزم” الصمت وتركوا البارزاني يواجه مصيره لوحده، واليوم تحاول تلك “الاقلام” التسلق مرة اخرى لرسم سياسة المرحلة المقبلة.
الخلاصة.. ان التفاؤل بتشكيل الحكومة المقبلة يتطلب من عبد المهدي الثبات على موقفه بتسمية “كابينة كفوءة غير متحزبة” وبعكسه ستتحول جميع الخطوات والتوجهات الإصلاحية الى احلام لا يمكن تحقيقها وستعود “دفة” القيادة لزعامات القوى السياسية وهو ماسيجعل رئيس الوزراء مجرد موظف لا يستطيع اتخاذ قرارات تخالف إرادة تلك الزعامات وحينها سيكون القرار للشارع العراقي… اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. هل سينتبه الرئيس لبطانته الإعلامية قبل ان يصبح ضحية جديدة “للاستغفال”؟..