23 ديسمبر، 2024 2:19 م

في منظومة تنمية التخلف هنالك جوانب متعددة، امم فاعلة في احداث فوضى بسلبية المشاعر والافكار، وامم فاعلة في مضمار العجز والانتظار، وما بين اوهام واحلام تضيع مهمة الادمية في العمارة وصناعة الحياة الى الافساد في الارض والظلم، وأضحت المعايير نسبية فبالتالي يعيش العالم متبعا أهواءه بان لا شيء مؤكد في الحياة، فانا من وجهة نظرك حين آخذ حقي واتبع قيمي، ظالم بلا قيم، وانت بالنسبة لي شيطان رجيم ينبغي ان يختفي لتصبح الدنيا لي وقد أجد ممن معي شيطان متخفّي اسعى لتحييده، وهكذا يجدني هو فيستمر الصراع، وكأن رسالة الادمية ان تعيش الصراع والسلبية، بينما الكل يقرأ ان الانسان وجد في الارض لإحيائها بعمله ونسله.
هنالك اذن أناس تعمل وتخطط بالمقابل بقية الناس وهي الاكثرية تعيش مأزقا اسميته (مأزق نتائج الظرف) فهي معظم الامة في امة تنتظر وتتحمل وتتألم ولا قدرة لها على صناعة الظرف بل تنتظر لعل نتائج الصراعات تأتي لها بحياة فيها استقرار عندما تتقاطع المصالح وتكون هذه الناس العاجزة بعجز نخبتها وتشتتهم وتمزقهم وصراعاتهم التي هي سبب كونهم في مأزق نتائج الظرف، كالمتسول الحامل لصحنه لعل احدا يتفاعل مع ذاته انسانيا فيضع في ذاك الصحن بعض النقود، اذن هو انتظار ان تكون مصلحة القوة المالكة لأمره متوافقة مع ما يحلم به القاعد.
ربما يفهم القارئ ان اللوم يقع على هذه الناس، ويفهم قارئ آخر ان اللوم يقع على النخب، وهنا الظرف يحكم ايضا ففي الامم تتوافر اسباب العجز لكن اغلبها يأتي من سوء التخطيط، او التعلق بأهداب امل لم تصنعه تلك الامم بل اتى متناغما مع معاناة الغريق، فتقترب منه يد وهو لا يعلم اهي يد لترفعه من غرقه ام هي اتت لتتأكد من انه لا يطفوا قبل ان يغرق لذا يخشى ان ينظر الى الايادي وهو لم يعد يتذكر كيف يعوم.
المسألة ببساطة تتلخص بنقطتين لغرض تبسيطها للفهم وليس تسطيحها بالتبسيط:
الانا: وهي الصراع على الصدارة والمكاسب والمراتب والعوائد وهي الهدف والغاية وانما يتخذ العمل والنشاط في تحقيق تنافس يصل الى الكراهية والحقد بل تعطيل أي جهد مهما كان بسيطا من أحد للشعب كي لا يسجل من يكرهه او ينافسه نقطة ايجابية هذا يعني مثلا يأتي شخص ويساعد شخصا آخر في ايجاد عمل او تقديم مشورة، فيأتي كاره المساعد ليفسد هذا وهنا نرى بوضوح الانا الابليسية وكل مساوئ تلك المخلوقات المتحولة، المتضرر هنا ليس منافسه، وانما الشخص المحتاج للخدمة.
غياب الرؤية: وهذا يعني غياب برنامج حقيقي يعمل عليه ولتحقيقه، او حتى امرا معرّفا عند عامة الناس أنفسهم، فالناس رأيها متقلب عندما تكون عاجزة، ومن يخاطب ضعفها يجد طريقه الى ذاكرتها الضعيفة، وغالبا ما تفتقر المجتمعات لبناء استراتيجيات او منهج سلوكي موحد، فهذا يبدو سلوكا فرديا، ومن هنا كانت التجمعات المهنية التي ترعى موقف فئة كالعمال والمحامين والمعلمين، لان هذه الناس لا يمكن ان تجد ما يتفق عليه كليا في المجتمع بلا تنظيم من نوع ما، وليس بالضرورة حزبيا، الا في العمل السياسي فالأحزاب تصبح معبرة عن توجه ورؤية، وان كانت هذه ايضا مفقودة في عديد من المجتمعات، وتترافق هذه مع حالة فقدان الاستقرار.
الوهم حاجة العاجز
الناس توهم ذاتها وليس هنالك من يوهمها حقا، بل احيانا تبحث عن الوهم في وسائل التواصل هذا العصر او الكتب في فترة سابقة او التلفاز والمذياع للهروب او القناعة بالعجز والالم، فالحاجة الى الوهم عند الشعوب العاجزة او المنهزمة نفسيا الغارقة في الالم كالغلاصم التي تتنفس بها في بحر الظلم والالم، ولن تستغني عنه حتى ترتفع الى السطح لترى شمس الحقائق وان عملا مطلوبا فعلا لتجفيف بحر الظلم والالم، وهو امر صعب ان يتحقق الا بقفزات تاريخية قد تمر فرص عدة وقاطرات كما يشبهها الدكتور عماد الدين خليل باللحظة التاريخية؛ قبل ان يقرر الانسان القفز الى احد عربات النجاة والامل المثمر بالتخطيط والعمل والاختيار.
ما خلا ذلك تبقى الناس تصغي لمن يمنحها الوهم الذي يحتاجه عجزها ليسكن ضميرها بالاستكانة وتنتظر نتائج الظرف المثرة على بيئتها، فإما هو اجترار للوهم او اجترار مع تقليب صفحات الازمان المرة التي تتعاقب على العاجزين الهاربين من الايام.