18 ديسمبر، 2024 7:59 م

الاستراتيجية السعودية لمحاربة التأثير الايراني

الاستراتيجية السعودية لمحاربة التأثير الايراني

منذ انشاء المملكة السعودية على يد الملك المؤسس عبد العزيز ال سعود عام 1932 عرفت السياسة السعودية بانها سياسة منغلقة تبتعد عن الصراعات التي تضطرب بها المنطقة العربية ووانها تسدل دائما ستارا حديديا عن اي صراعات او نزاعات داخلية وخصوصا بين اوساط العائلة المالكة . استمرت تلك السياسة طيلة فترة حكم الملك عبد العزيز واولاده سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله ولم تخرج عن تلك السياسة الا في حالتين هما مساندة قوات امام اليمن ضد قوات جمال عبد الناصر التي ساندت ثورة اليمن في حكم الملك سعود بن عبد العزيز وقيادة التحالف الدولي لاخراج القوات العراقية من الكويت في حكم الملك فهد وفي كلا الحالتين كانت التدخلات السعودية مبررة بان الخطر قد وصل الى حدودها المباشرة . بوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز وتولي الملك سلمان الحكم تغيرت تلك السياسة بصورة كاملة كانت بدايتها باطلاق حرب اليمن التي اطلق عليها اسم (عاصفة الحزم ) بعد اقل من شهرين من تولي الملك سلمان سدة الحكم . في خضم الحرب توجهت الانظار السعودية الى سوريا لتأخذ مكان الصدارة من قطر في ادارة جهود معارضة الرئيس السوري بعد ان كان دورها طيلة الفترة السابقه يقتصر على مساندة الجهود القطرية . لقد ترافق هذا التغيير مع اتجاه الجهود السعودية الى محاربة النفوذ الايراني في المنطقة ولسان حالها يصرخ من لم يكن معنا فهو ضدنا .
في الايام الاخيرة ارتفعت نغمة العداء ضد ايران ووصلت الى التهديد بالحرب المباشرة حتى اصبح العالم يراقب بحذر وعيونه تتوجه مباشرة الى الرياض لمعرفة الاسلوب الذي ستتبعه للرد على ايران خصوصا ان حربا مباشرة مستبعدة نتيجة للعامل الجغرافي وعدم وجود حدود مباشرة . مع اعلان رئيس الوزراء اللبناني من على شاشة قناة العربية السعودية لاستقالته المفاجاة موجها هجوما غير مسبوقا الى ايران معللا الامر بما وصفه تدخلات ايران والخوف على حياته بفعل هيمنة حزب الله على مقاليد السلطة في لبنان . وقع المتتبعون للازمة في صدمة بالغة لهذا القرار المفاجئ ولهذه الاسطوانة التي لا تقنع احدا.خصوصا وان هذه الاستقالة جاءت بعد ساعات من انقضاء اجتماع سياسي عالي المستوى جمع الحريري مع مستشار مرشد الثورة الايراني السيد علي اكبر ولايتي . جاءت هذا الاستقالة لتلقي الضوء على الاستراتيجية التي قررت المملكة السعودية اتباعها وهي استهداف القوى المحسوبة على ايران في المنطقة في حربها التي لاتستطيعها بسبب العامل الجغرافي . سنحاول في السطور التالية معرفة الخطوط العامة التي ستتبعها المملكة السعودية في كل منطقة .
السؤال الاهم الذي يجب الاجابة عليه هو السبب الذي دفع السعودية الى تغيير سياساتها من الانعزال الى التدخل في شؤون الدول الاخرى وللاجابة على هذا السؤال يجب العودة الى ما قبل شهر مايس من عام 2017 اي قبل الزيارة الشهيرة للرئيس ترامب الى الرياض وهي الزيارة التي فسرها المراقبون على انها رسالة دعم من الولايات المتحدة الى السعودية وتعزيز للعلاقات القديمة بين الدولتين ولكن فات المحليين ملاحظة حدث بسيط حدث قبل الزيارة بشهر وهو تحويل ملف العلاقات السعودية الامريكية من ملفات مستشارية الامن القومي الامريكي الى وزارة الخارجية الامريكية . المطلعين على اسلوب ادارة السياسة الامريكية يعرفون بان هذا يعني ان المملكة العربية السعودية وامنها لم يعد جزء من الامن القومي الامريكي كما كان الوضع منذ الاجتماع الشهير بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت عام 1945 الذي عرف باجتماع كوينسي . تأكيدا لهذا التغيير كان الوفد الذي رافق الرئيس الامريكي ولاول مرة خاليا من مستشار الامن القومي ورافق الرئيس هذه المرة وزير الخارجية والخبير النفطي تليرسون في حين كان مستشار الامن القومي في اواسط اسيا ضمن اطار ايجاد موقع اخر بديل . من ناحية اخرى فيمكن ملاحظة ان كل ماجرى في الزيارة الشهيرة هو تعزيز التعاون مع عائلة ترامب اكثر منه تعاون مع حكومة الولايات المتحدة الامريكية بحيث اصبح صهر الرئيس جاريد كوشنر زائرا دائما الى الرياض وعرابا لبناء علاقات مباشرة بين السعودية واسرائيل وحتى صفقة السلاح الشهيرة والتي بلغت خمسمائة مليار دولار كانت نوعا من الدعم للرئيس ترامب الذي سبق له وان وعد (بحلب ) اموال الخليج .
بالنسبة للسياسة السعودية فقد ادركت ان رفع الغطاء الاميريكي عنها يجعلها عرضة لتغيرات كبيرة خصوصا على الصعيد الداخلي لذلك لجأت الى الاسلوب القديم في خلق منطقة اضطراب من حولها لابعاد اي اضطرابات داخلية وكذلك اجبار الولايات المتحدة الامريكية على القدوم لمساعدتها بصورة مباشرة . حيث ان من المعروف بان الادارة الامريكية في كافة العهود سواء الجمهورية او الديمقراطية لاتتحرك الا باتجاه الملفات الساخنة لذلك عمدت السياسة السعودية لتسخين المنطقة لاجبار الادارة الامريكية للتدخل بصورة مباشرة . من هذا المنطلق اتجهت الاستراتيجية السعودية الى محاربة القوى المتهمة بانها اذرع ايرانية في المنطقة وهذا ماسنستعرضه فيما يلي .
في اليمن حيث الحرب المنسية التي تفتك بالملايين من النساء والاطفال والشيوخ اعلنت السعودية انها ستقوم باغلاق كافة المنافذ البحرية والبرية والجوية لمنع وصول الامدادات الى حكومة صنعاء . بمعنى اخر ان السعودية قررت الاستمرار في الحرب على اليمن بمساعدة التحالف الذي انشأته عام 2015 مع تشديد الحصار البحري باستخدام القاعدة البحرية الاماراتية في الصومال لاغلاق ميناء الحديدة وهو المنفذ البحري الوحيد الذي مازال تحت سيطرة حكومة صنعاء . تبقى امامها مشكلة الحدود البرية اليمنية العمانية والتي رفضت السلطنة اغلاقها في وجه حكومة صنعاء بالرغم من الضغوط السعودية . ان سلطنة عمان الدولة الخليجية المسالمة ذات الاغلبية الاباضية تدرك بانها وبالرغم من عضويتها في مجلس التعاون الخليجي الا انها في محيط معادي لها لاسباب مذهبية وطائفية وسبق لها ان اعلنت القاء القبض على مجموعات تجسسية تابعة لدول خليجية اخرى اخرها عام 2011 ولذلك قررت عدم التدخل في اي صراعات في العالم لذلك مما دعاها لابقاء حدودها البرية مفتوحة امام حكومة صنعاء . تعتمد الاستراتيجية السعودية اتجاه اليمن على تشديد الضغوط من خلال تكثيف الغارات الجوية على المناطق التابعة لحكومة صنعاء ودعم الجماعات الاصولية في منطقة الحدود بين اليمن وعمان لمنع اي امدادات قد تصل الى حكومة صنعاء من ايران ولكن هذا الموضوع يبقى صعبا بسبب الجبال التي تسيطر عليها حكومة صنعاء .
في لبنان وسوريا وبعد ان تبين جليا ان الحكومة السورية والجيش السوري وحلفاؤهما يحققان انتصارات كبيرة توحي بان نتيجة الحرب في سوريا اصبحت شبه محسومة لذلك كان لابد من ايجاد خطة لانقاذ المشروع السعودي في المنطقة . فالسعودية لم تنسى انها قد خسرت مائة مليار دولار في لبنان قبل ان تضطر لللانسحاب امام تأثير حزب الله عام 2005 كما ان الحزب هو اقوى الحلفاء الذين وقفوا مع حكومة الرئيس بشار الاسد في سوريا لذلك كان القرار بالعودة الى لبنان لمعاقبة حزب الله . في الحالة اللبنانية ايضا يلعب العامل الجغرافي عامل معطل لاي تدخل مباشر لذلك يجب الاعتماد على التحالفات الدولية لضرب حزب الله . تعتمد الاستراتيجية السعودية في هذا المجال على ان تكون البداية استقالة الحريري كمقدمة لزعزعة الاستقرار في لبنان واثارة صراعات بين الفرقاء في لبنان مع احتمال وقوع بعض الاغتيالات لاشعال الوضع . اثارة الخلافات والنزاعات في لبنان ستكون مقدمة وحجة لتدخل امريكي فرنسي في لبنان لايقاف الحرب الداخلية التي يتم العمل على اشعالها . في هذه الحالة تكون قواعد حزب الله هي المستهدفه حسب المخطط السعودي ولايبقى امام حزب الله سوى توجيه ضرباته الى اسرائيل لتضطر اسرائيل للتدخل المباشر للقضاء نهائيا على مراكز انطلاق الصواريخ . الا ان هذه المخططات تتنسى ان الوضع الدولي مختلف وان الادارة الامريكية الحالية لاتميل الى التدخل العسكري المباشر كما ان اوربا مشغولة في مشاكلها الاقتصادية التي لن تساعد كافة المليارات السعودية على حلها كذلك الحكومة الاسرائيلية ليست في وضع للقيام بمغامرات حربية مع ترسانة حزب الله الصاروخية .
الاتجاة الاخر الذي تتجه اليه الاستراتيجية السعودية هو العراق حيث توجد اغلبية شيعية تسيطر على رئاسة السلطة التنفيذية . شهد عامي 2016-2017 فشل مخططات دعم الجماعات المتطرفة مع سقوط معاقل داعش الواحدة تلو الاخرى . فالاستراتيجية الجديدة تعتمد على دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني في شمال العراق لخلق منطقة تخلخل واشغال القوات التركية في محاربة حزب العمال الكردي لمنعها من مساندة قطر . في المناطق الغربية تستمر الجهود السعودية لدعم مجموعات سنية للدعوة لانشاء اقليم سني في المناطق الغربية من العراق . اما في منطقة بغداد فقد بداء العمل منذ فترة على شراء الصحف والمجالات والقنوات الفضائية بصورة مباشرة او ربطها بالسياسة السعودية بالاضافة الى انشاء العديد من المواقع على الشبكة العنكبوتية استعدادا للتاثير على الانتخابات القادمة عام 2018 لوضع مجموعات موالية للسعودية داخل مجلس النواب العراقي . بالاضافة لما تقدم فقد عملت السعودية على استمالة تيار كبير من داخل التحالف الوطني ليكون مخلب قط سعودي داخل التحالف بالاضافة الى مد علاقات مباشرة مع رؤساء العشائر في منطقتي الفرات الاوسط والجنوب من توزيع تأشيرات الحد المجانية بسخاء . تعمل السعودية حاليا على انشاء قنصلية في مدينة النجف الاشرف لمراقبة الاوضاع عن كثب لخلق تيار مؤيد للسياسات السعودية داخل الاوساط الشيعية ومحاولة استخدام المال السياسي للتدخل في اختيار خليفة للمرجع الاعلى في حالة وفاة السيد السيستاني .
تركز السياسة السعودية في العراق على محاربة الحشد الشعبي الذي اثبت انه قوة عسكرية لايستهان بها في محاربة الجماعات المتشددة ولذلك كان العرض السعودي واضحا لكافة القوى السياسية هو راس الحشد مقابل الدعم للوصول الى رئاسة الوزراء .
ان هذه المخططات قد دخلت حيز التنفيذ بالفعل ورياحها قادمة للعراق لامحالة سواء احببنا ذلك او لا ومهما كانت التصريحات السعودية مغلفة بالكلمات الطيبة الا ان موقف السعودية من سيطرة الاحزاب الشيعية على الحكم في العراق موقف اساسي في الحكم السعودي كما هو موقفها من الحشد الشعبي . لذلك يمكن القول ان الايام مازالت حبلى ونحن بانتظار ماتلده .