22 ديسمبر، 2024 2:53 م

الاستراتيجية الجديدة في المنطقة!

الاستراتيجية الجديدة في المنطقة!

الأهداف الاستراتيجية لامريكا في منطقة الشرق الأوسط بعد هجمات سبتمبر عام 2001 على المركز التجاري العالمي في نيويورك والتي أمتدت اثارها المدمرة الى العراق وأفغانستان من خلال غزو البلدين واسقاط نظامي الحكم فيهما (أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003) هي نشر الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة وفق المشروع القديم الجديد المسمى (الفوضى الخلاقة)، فنشبت سلسلة من الثورات “الربيعية” في العالم العربي ضد الأنظمة الشمولية (2011) وسقوط عدد منها ، ما شكل أولى الخطوات باتجاه تطبيق المشـروع الأمريكي على أرض الواقع.. فانتشر العنف الطائفي والعرقي على نطاق واسع ً، ودبت الفوضى في كثير من الدول المفصلية في المنطقة، كاليمن والعراق وسوريا وليبيا وتونس، ودول أخرى أكبر وأوسع نفوذاً، جري إدخالها بالقوة في المشـروع الفوضوي الأمريكي، كتركيا وإيران.
وتركّز اهتمام الدوائر الغربية على منطقة الشـرق الأوسط لانها من أكثر مناطق العالم استجابة لدعوات العنف والفوضى والثورات الدموية قديما وحديثا .
ويتلخص مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي ؛ بتدمير كل ما هو قائم، ومن ثم إعادة بناءه من جديد ، وفق مصالحها الاستراتيجية.. ومن أكثر المفكرين الذين تحدثوا عن هذا المشروع (صامويل هانتنكتون)، صاحب نظرية (صراع الحضارات)، حيث بنى نظريته على أساس أن الصراع العالمي القادم سيكون حضارياً ، مع التركيز على معاداة الحضارة الإسلامية التي يرى أنها لا يمكن بحال أن تنسجم مع الحضارات الأخرى.. والنظرية تعني باختصار “أنه عندما يصل المجتمع إلى أقصـى درجات الفوضى ، المتمثلة في العنف الهائل ، وإراقة الدماء ، وإشاعة أكبر قدر ممكن من الخوف لدى الجماهير، فإنه يصبح من الممكن بناؤه من جديد، بهوية جديدة، تخدم مصالح الجميع.”
وجاءت (كوندوليزا رايس)، لتتبنى المشروع ، وتجرّبه على أمم وشعوب الشـرق الأوسط بكاملها، كحقول تجارب بشرية بحجة أن حكومتها تريد نشـر الديمقراطية ، بعد عمليات فوضوية عارمة تشمل المنطقة بأكملها! حيث قالت صراحة أن “(الولايات المتحدة) ستلجأ إلى نشـر الفوضى الخلاقة في الشـرق الأوسط ، في سبيل إشاعة الديمقراطية” وهذه هي نتائج الديمقراطية العظيمة التي بشرت بها “رايس”حيث لا توجد بقعة واحدة في المنطقة دون اضطراب وقلاقل وصراعات دموية.
وكان لظهور (داعش) المفاجئ ، في العراق وسوريا، ودخول روسيا في المشهد السوري (2015)، وتوسيع إيران وتركيا لنفوذهما في المنطقة ، وصمت أمريكا والدول الغربية المريب من استعمال القوة من جانب القوات العسكرية العراقية والحشد الشعبي ضد الكرد في مدينة كركوك بعد عملية استفتاء الانفصال التي جرت عام 2017..
كل هذه الأحداث المتتابعة ، دخلت ضمن إطار التحضيرات الأمريكية لترسيخ مشـروعها الاستعماري الفوضوي في المنطقة، وجرّها إلى دوامة العنف الشديد وتدميرها باسم الديمقراطية، وإعادة تأهيلها، وتأديبها (من أول وجديد)!.
ولكن ما لم يكن بالحسبان ولا على الخاطر اندلاع الحرب المباغتة بين روسيا وأوكرانيا في قلب أوروبا ، ما دفع بامريكا والدول الغربية الى تغيير استراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط بشكل كامل والتركيز على سير الحرب في أوكرانيا التي قد تتحول بحسب بعض الدوائر السياسية الى حرب عالمية ثالثة لاتبقي ولاتذر.
وظهرت اولى بوادر هذا التغيير الطاريء في الاتفاقية التي ابرمت بين ايران والسعودية بوساطة الصين المنافسة الرئيسة لامريكا في قيادة العالم! وتطبيع الأوضاع بين سوريا والدول العربية وزيارة الرئيس بشار الأسد الى تلك الدول وكذلك الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الوزراء العراقي “محمدشياع السوداني” الى إقليم كردستان والتوصل مع قادة الكرد وعلى رأسهم رئيس الإقليم “نيجيرفان بارزاني” الى اتفاقية وفق بنود الدستور لتصفير المشاكل العالقة بين الطرفين وفتح صفحة جديدة في العلاقات بما يخدم مصلحة الشعوب العراقية ويرسخ الاستقرارفي المنطقة.