قبل الخوض في جوانب الاستجواب من الناحية السياسية لابد من تناول الموضوع بجنبته القانونية، فقد تناول الدستور العراقي موضوع الاستجواب في المادة (61) مهام واختصاصات مجلس النواب وأهمها تشريع القوانين الاتحادية والرقابة على اداء السلطة التنفيذية، ونص في (سابعاً-ج) على التالي ” لعضو مجلس النواب وبموافقة خمسة وعشرين عضوا توجيه استجواب الى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد سبعة ايام في الاقل من تقديمه “.
كما بينت الفقرة (ثامناً) اجراءات مجلس النواب في حالة سحب الثقة من احد الوزراء وحق استجواب مسؤولي الهيئات المستقلة باعتبار ان البرلمان أعلى سلطة تشريعية يناط بها وظيفة تشريع القوانين ومراقبة السياسات العامة في الدولة، والرقابة على الاموال العامة للمجتمع ورقابة عمل السلطة التنفيذية (الحكومة)، لذلك فالاستجواب يعد احد صور الرقابة على اداء السلطة التنفيذية بواسطة اللجان البرلمانية والتي هي عادة ما تكون متخصصة بمختلف مجالات وتفرعات انشطة الحكومة، والتي تقوم برفع وتقديم التقارير والتوصيات الى مجلس النواب، الذي يقرر ثبوت الاخلال أو التجاوز وله اتخاذ ما يراه مناسباً من إجراء الاستجواب والمساءلة داخل قبة البرلمان، وهذا الاجراء هو تقليد يمارس في كل البرلمانات الديمقراطية، عليه فهو من الوسائل الرقابية المهمة التي تخشى مواجهتها السلطة التنفيذية لما له من أهمية في كشف الخلل في أداؤها وتتمثل اهميته وخطورته في حق إقالة الحكومة وسحب الثقة منها أو من بعض الوزراء إذا أثبتت الأدلة تورطهم.
بالعودة الى مسيرة وأداء مجلس النواب العراقي فقد شهد مراحل متعددة اثرت على ادائه التشريعي والرقابي مما ولد احباطاً لدى الشارع العراقي لعدة امور، اولها ان النظام في العراق هو برلماني وبالتالي يقوم على اسس التعاون والموازنة مابين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، في حين تسلسل الاحداث ما بعد عام 2005 يظهر عكس ذلك وهناك شبه سيطرة للسلطة التنفيذية على بقية السلطات مع وجود ترهل واضح في عمل مجلس النواب العراقي وتلكؤ في مسار عمله الاساسي من رقابة وتشريع وهذا واضح عندما نراجع مجموع الاستجوابات لا تتناسب وحجم المشاكل الموجودة وانتشار الفساد، كذلك الضعف في تشريع القوانين المهمة والتي تساهم في بناء اسس الدولة لا سيما القوانين الدستورية والتي لم يقر منها إلا القليل في حين تعتبر جوهر بناء العملية السياسية.
وهذا لا ينفي دور مجلس النواب في تشريع بعض القوانين او ممارسة الدور الرقابي لا سيما في الدورة الحالة ربما تعد من أكثر الدورات استجواباً للمسؤولين مع اقالة بعضاً منهم، إلا ان المشكلة لا تزال قائمة بحد ذاتها فطبيعة الاستجواب في العراق يدخل ضمن لائحة الشكوك حتى وان صدقت نية المُستجوب فالوزير او المسؤول هو ينتمي لإحدى الكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية وليس من السهل ان تتنازل كتلته لصالح القبول بالاستجواب ومن ثم التصويت بالإقالة او الرفض.
لذلك اغلب الكتل السياسية تستبق الاحداث قبيل موعد استجواب وزرائها عبر الخوض في مضامير المفاوضات مع بقية الكتل وبالأخص كتلة الطرف المستجوب فتلجأ لطرق عدة وهي اما ان تبادر لتقديم طلب باستجواب أحد وزراء الكتلة الخصم او انها تسعى لفتح ملفات اخرى وتساوم عليها، وفي بعض الاحيان وعند وصول الامور للمراحل النهائية يبادر بعض المفاوضين ومن تكليف من كتلهم لفتح تحالفات جديدة والاصطفاف في مواقف موحدة لهم لضرب الطرف الذي يود الاستجواب وربما هذه الحالة هي الاكثر شيوعاً من خلال الاستجوابات السابقة.
الخلل بالمنظومة السياسية ككل وبطبيعة الاصطفاف السياسي داخل السلطة التشريعية والحل ليس بالسهل وإنما هناك حاجة ملحة لإعادة النظر بقوانين الانتخابات وتقليص اعداد اعضاء مجلس النواب العراقي عبر تعديل دستوري ووضع مزيد من الشروط بمن يود تمثيل الشعب داخل القبة البرلمانية والاتفاق على ابعاد المحاصصة والمجاملة والصفقات عن موضوع الاستجواب حتى يصار الى اتفاق يتم بموجبه إلزام الجميع بمبدأ محاسبة من يثبت تقصيره ولأية كتلة سياسية كانت.
ايضاً اعطاء فرصة لأعضاء السلطة التنفيذية لتحقيق برامجهم وخلال مدد غير مفتوحة والتي على اساسها يتم مسائلتهم، وان يتم اللجوء للمتخصصين ومن هم ضمن الكفاءات لما له من أثر في عملهم وضمن تخصصهم اضافة الى تفعيل دور اللجان البرلمانية بشكل أكبر ليتسنى لهم متابعة ومراقبة تلك الوزارات وهذا جوهر عملهم.