22 نوفمبر، 2024 8:15 م
Search
Close this search box.

الاستثمار والتحول في رؤى الشاعر نمر سعدي

الاستثمار والتحول في رؤى الشاعر نمر سعدي

كنت قلقا فعلا، مستغرقا في نص، قد حملني إلى منتصف الليل، تداعبني أمواجه وهي تحمل أنينا اخرسا، بيد انه يبث إشارات في عتمة تضاء بين آونة وأخرى، ثم عاودت قراءة النص، حتى بزغت (شمس زليخة) وأضاءت المكان بجمال بهي ، قد يكون قبسا من جمال يوسف النبي (ع) فكان الشاعر نمر سعدي تلك الذات المنفعلة دوما، وهي تحاول أن تضع قدمها في ساحة الثقافة العربية الواسعة وتستشعر الحزن وتغوص بعيدا، ليكون الاسى اخف، ومن ثم تبدأ الزراعة من جديد .. نمر سعدي شاعر عربي نزع كثيرا عن الشعر الى المشاركة الفعلية في نقاشات حول رؤى الثقافة وحصد ابتهاجات المشاركة في منتهى الشجاعة، جعلني استميحه عذرا، لأمنح العالم (ماهو أكثر بقاء من الحب) في قصيدته (شمس زليخة) حيث كان الاستثمار فيها لقصة قرآنية بالغة التعقيد النفسي وكان الصراع على اشده يبث شظاياه المتطايرة بين الكينونة المطمئنة وبين الأخرى القلقة والجائعة دوما، هذا الصراع المستثمر في نص (شمس زليخة) اخذ ابعادا إضافية غير ما كانت عليها القصة القرآنية، وهو توجيه رؤيوي استثمر عملية التناص في تلك القصة وأحالها إلى إرهاصات شعرية بالمقلوب، ليغاير ويناور فيها، كي تترشح من خلال هذا معاني، قد يكون قصدها الشاعر نمر سعدي بلحظة واعية مثل قوله:
(لا تراود زليخة عن شمسها في المساء
فما دام قلبك قد قد من قبل
فصدقت … وكانت من الكاذبين
لا تراود زليخة عن نفسها
فالسماء التي أمطرتك
زهورا ونارا
وصخرا وغارا
ومجدا وعارا
تميل على نقطة من حنين)
وهنا قلب مراودة زليخة ليوسف (ع) إلى ان هناك من يريد مراودة زليخة نفسها، وقد تكون المراودة من نوع اخر بجعل زليخة تراود نفسها بالخير والمراجعة، وبالتالي فان فعل المراودة يقع بين صراعات التقابل والتنافر والذي حصيلته الوصول إلى نقطة مشتركة بين صالح وطالح البشر الا وهي (نقطة من حنين) . في القصة القرآنية تحولت زليخة من مرحلة الشد العاطفي الشرير إلى الشد العاطفي المكتنف بالحب والنقاء في مراودتها ليوسف على نفسه، والشاعر استثمر كيف تحولت إلى إنسانة سكن أعماقها الحب، فطهره وجعله وفيا لنبضات الصدق بعيدا عن ربقة رغبات الجسد الآنية، فكانت عند الشاعر (معلقةٌ فوق حبل سراب وطين) .. وهي تقضم تفاحة آدم وتفح فحيح الأفاعي، هذا الصراع المستثمر شعريا دفع بالنص الى تقولات حملت الكثير من الرؤى في صراع رغبات الجسد الآنية ورغبات الروح بعيدة المدى .. يقول الشاعر :
(دع وصايا ابن حزم
ودع ما يقول الفلاسفة القدماء عن الحب..
والجسدي الذي ليس يوصف
إلا بحسية الشهد فيه
ودع فرس النار تجري إلى منتهاها
إلى مبتدى النهر في دمك المتحدر
من رفرفات اليمام
دع وصايا ابن حزم
ودع ما يقول الندى الذكري
لأنثى الخزام)
وهنا قاد الشاعر نمر سعدي ثورة جديدة برؤية للحب جديدة، تخلق عالما متوازيا لحفظ نقاء الذات والسمو بها عن دنايا أرضية وهي (يلزمها قدر حارس) فالإرادة الإلهية حفظت يوسف النبي من دنس الزنا، لأنه يحمل الذات المهيأة لمحاربة القبح، وارتدت داخل ذات زليخة إلى حب حقيقي وعشق الهي، بعدما كانت نزوة عابرة رافقها تعسف وظلم بحق يوسف وندم وقهر لحق بزليخة الثانية، حتى استقام الحال إلى ان زليخة تحولت إلى عاشقة نقية الأعماق، وعشقها رافقه تجربة وصراع تحول إلى إيمان صادق، من حيث تحولت بحب يوسف من كافرة ذات أعماق سوداء إلى مؤمنة ذات أعماق بيضاء، مما دفع بالشاعر ان يقول : (فما زال في كاحل الأرض / ورد ووشم في معزوفة الماء) وهي دعوة جمالية لاستثمار عاطفة الحب إنسانيا لتكون دوما معزوفة لغسل أدران الذات وتنقيتها بعيدا عن رغبات الجسد، كي ترقى رؤية الشاعر نمر سعدي نحو رؤية موضوعية واسعة في نصه (شمس زليخة) .. وهنا أؤكد بان الشاعر نمر سعدي لايمكن الإحاطة برؤاه الشعرية بهذه العجالة إضافة لهذا فانه شاعر له نصوص طويلة حملت الكثير وهي مدعاة للتحليل والدراسة وأنا كوني احد المتصدين للإنتاج الشعري العربي أقول ما قدمته هنا ماهو إلا تثبيت لرؤية الشاعر العامة في تناصه مع النصوص التراثية العربية واني اعده في قابل الأيام بدراسة وافية عن ديوان كامل له كي أكون وفيا لإنتاج هذا الشاعر العربي المبدع والله ولي التوفيق.

أحدث المقالات