اربعة منافعة يمكن ان تنتجها اية عملية استثمار في القطاع الصحي .. فهذا القطاع بقي حكرا على الجهد الحكومي منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي ، ولم تظهر المستشفيات الاهلية الا في وقت قريب ، وقبل ذلك كانت تعد على اصابع اليد الواحدة مثل مستشفى الخيال المتخصصة بجراحة وغسل الكلى ومستشفى الراهبات ومستشفى الدكتور عبد المجيد وغيرها..
وهذا الواقع ادى الى احتكار الدولة لقطاع الصحة دون اي مؤشر على تطوره – رغم ماخصص له من ميزانيات كبيرة – لاسباب عديدة منها سوء الادارة وقلة التخصيصات والروتين القاتل في التعامل اضافة الى سلوكيات موظفي الدولة والعاملين في القطاع العام – لذلك كان المواطن وما زال يلجأ الى المستشفيات الاهلية عند حاجته الى علاجات وتداخل جراحي . ومع ان العلاج في هذه المستشفيات مكلف ومرهق لدخل المواطن الا انه من باب الاضطرار حفاظا على حياته وحياة المرضى من ذويه . ورغم الامكانيات الكبيرة المتوفرة لقطاع الصحة من مبان وكوادر طبية واجهزة ومستلزمات ومعدات وموارد بشرية.. الا انه بقي بعيدا عن نيل رضا وثقة المرضى .
لذلك لا بد من حل امثل لهذه المعضلة ولعل وزارة الصحة وجدتها بعد عناء ، وبعد ان عجزت الدولة عن تمويل قطاع الصحة بسبب تردي اسعار النفط وعدم توفر التخصيصات .. فقد تدارست وزيرة الصحة والبيئة الدكتورة عديلة حمود حسين السُبل والاليات التي سيتم من خلالها تشغيل واستثمار المستشفيات التي تنفذها الشركات التركية والالمانية على ان تشمل المنجز منها والتي على قيد الانجاز .. الاجتماع ضم الكوادر الادارية العليا في الوزارة بدءاً بالوكيل الفني للوزارة والمدراء العامين لدائرتي التخطيط والمتابعة والادارية والمالية والقانونية ..
المستشفيات المشار اليها سعة 400 سرير وهي عشرة مستشفيات منتشرة في محافظات العراق وقد صممت ونفذت على وفق احدث الاساليب في مباني المستشفيات ، وهي منحة من الشعب الالماني للشعب العراقي. المجتمعون اتفقوا على اهمية الاستثمار الامثل لتلك الصروح الصحية من خلال دعوة شركات عالمية كفؤءة ومتخصصة في مجال ادارة المستشفيات ، وبما يسهم في الارتقاء بالمستوى اللائق من الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات للمواطنين.
وعودة الى المنافع الاربع التي اتينا على ذكرها في بداية المقال: فأول المنافع تطوير الواقع الصحي.. فما لا شك فيه ان القطاع الخاص يتميز بالادارة المرنة ويسعى في مشاريعه كافة الى تحقيق ارباح وكسب ثقة الزبون الذى سوف يسعى المستثمرون الى التنافس فيه وتقديم افضل الخدمات الطبية واستقدام اطباء خبراء في الجراحة والاختصاصات الدقيقة غير المتوفرة في البلاد لكسب رضا المرضى وزيادة العائدات وهذه الفعالية بحد ذاتها تؤدي الى نمو وتطور القطاع.
اما ثاني المنافع فيكمن باستقدام خبرات طبية اجنبية من مختلف الاختصاصات بعد توفر البيئة الجيدة لعمل هؤلاء فالمستشفيات المشار اليها توفر مثل هذه البيئة وهذا سيعمل على تغيير التوجهات لدى المرضى وذويهم وذلك بالعلاج داخل العراق وعدم طلب مثل هذه الخدمات في الخارج وهي في كل الحالات بكلف اقل سوى معاناة السفر وتكاليفه واشكاليات اللغة واحتمالات تعرض المرضى الى حالات نصب واحتيال.
المنفعة الثالثة تتمثل في تقليص الانفاق الحكومي ، فمتى نمى الاستثمار في القطاع الصحي فان الزخم سوف ينحسر عن المستشفيات الحكومية وهذا يؤدي بدوره الى انخفاض نسبة الخدمات ما يساعد بشكل غير مباشر في تقليل النفقات والتخصيصات ، اي ان قطاع الصحة يصبح مدرا للدخل ومنتجا للضرائب بدل كونه قطاعا خدميا استهلاكيا ليس فيه اية ملامح اقتصادية.
المنفعة الرابعة .. هي الحفاظ على العملات الاجنبية الصعبة داخل البلاد وعدم خروجها لهذا الغرض .. فالعراقيون اليوم يفضلون المستشفيات الاجنبية في لبنان والاردن وايران وتركيا وبعض البلاد الاوربية على المستشفيات العراقية .. كما يفضلون الاطباء الاجانب على الاطباء العراقيين وهذا يعني ان عددا كبيرا من المرضى كانوا يعالجون خارج العراق وبما ان اجور العمليات والدواء والعلاجات عالية وباهظة الكلفة سوى تكاليف السفر . فان اموالا طائلة من العملات الاجنبية تخرج من العراق لهذا الغرض .. وهذا يؤثر سلبا على الخزين الوطني من العملات .. وهناك منافع اخرى للاستثمار في القطاع الصحي ستظهر مع اول مستشفى استثماري يفتتح ابوابه امام العراقيين.