مر البلد هذه الايام في ظروف اقل مايقال عنها انها خطيرة بعد ان وصل المشهد العراقي الى ما وصل اليه من توتر وتصعيد في المواقف , فالحديث عن الخطورة هنا نابع من تزامن عدة معطيات على الارض قد تؤدي الى ما لم يتوقعه احد من مخاطر النسيج الوطني , فبعد ان وصل الفرقاء السياسيون الى طريق مسدود في ايجاد مخرج للأزمة التي تحيط بالمشهد السياسي جراء أزمة الثقة بين بعض المكونات السياسية التي تتجسد في كل يوم من خلال التقاطعات والتباعد في الرؤى .
وما تشهده الساحة العراقية في محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى خلال هذه الايام موجة من التظاهرات بعد اعتقال حماية وزير المالية رافع العيساوي وهو أحد رموز السنة الأول من خلال استطلاعات الرأي ,بدأ فتيل الازمة وتهيج الشارع الانباري بدء بالمطالبة بأطلاق سراح المعتقلين وبعض المطالب الاخرى من توفير الخدمات لكن وعلى الرغم من تأكيد المتظاهرين أنهم ضد الطائفية ما لبث منظميها ان ألبسوها ثوبها بعد ان فشلوا في استقطاب الرأي العام وبعد تراجع شعبيتهم في تلك المناطق ولتبرير فشلهم وعجزهم عن تقديم ما يرضي الجماهير واصبحوا مهددين فجعلوا من هذه التظاهرات تأخذ الطابع والمطلب الطائفي وبدء يأخذ الوضع ينطلق من تصفير الازمة الى تفقيسها فوجدوا الساسة السنة في هذه الازمة ما يحقق وجودهم الذي فقدوه بعد سقوط نظام الطاغية بعد عام (2003) فقاموا بأقحام الشعب في ذلك وبروز رجال الدين المتشددين السنة السلفيين والوهابيين على الساحة واصبحوا هم من يقودون التظاهرات وغياب دور المعتدلين منهم الذين لم تحاول الحكومة المركزية من كسبهم لتساعدهم في اطفاء فتيل الازمة .
فقد تحولت هذه الحركات الوهابية اداة بيد دول الشر في المنطقة ( تركيا والسعودية وقطر) لهذه الحركات ودعمها بالمال والسلاح وتسهيل عملها وارهابها تحت مسميات كثيرة , وهو الخطوة الاولى لتقسيم هذه البلدان الى دويلات صغيرة وضعيفة على اساس قومي او طائفي . وهذا التحرك الاقليمي بدء بضخ المال السياسي واعلان السعودية على لسان وزير خارجيتها بالتدخل المباشر في الاحداث العراقية الجارية وتبني قطر تشكييل الجيش العراقي الحر بالتعاون مع أزلام النظام السابق على غرار ما يقومون به في سوريا ولتعويض فشلهم فيها . وكذلك ما نراه من التصعيد الاعلامي التي تمارسه تلك الدول فأخذت احداث العراق تتصدر نشرات الاخبار لقنواتها الفضائية المسخرة على الاحداث الجارية في سوريا وهذا شيء طبيعي ومتوقع لأنهم لو خيروهم بين استعادة العراق الى الوضع السابق وهو حكم الاقلية السنية للأغلبية الشيعية وبين استعادة سوريا فأنهم وبلا شك سوف يختارون العراق وتقسيمه الى دويلات مستقلة تحكم نفسها بنفسها ( الكونفدرالية) وهذا مانلاحظه على أرض الواقع فأصبح دخول الانبار مستحيلاً حتى على رئيس الحكومة نفسه الا من هم يسمحون له بالدخول وهو أمر شديد الخطورة على العراق وحكومته التي تمثل الاغلبية ومما تجعلها حكومة هشة وضعيفة على ارض الواقع !!
ومانراه ايضا من الحكومة الاستهزاء والتقليل من خطورة الازمة وتصفها بأنها فقاعة ؟؟ وكذلك سوء تصرفها في احتواء الازمات الداخلية والتي تكون في بعض الاحيان مفتعلة وذات دعاية انتخابية وحلها هو الذي يعطي الذريعة للتدخل الاقليمي في شؤون العراق الداخلية وهذا ما اكدته المرجعية الدنيية في الكثير من خطاباتها وبعض زعماء الكتل الشيعية .
وعلى الحكومة ايضا النظر في بعض المطالب الشعبية المشروعة وتحقيق الممكن منها وذات الاطر الموضوعية والمتماشية مع الدستور . وكل هذه الاحداث التي تمر بها الحكومة يجب عليها التفكير ملياً ومراجعة مواقفها المتشنجة مع الكرد الشريك الحقيقي للشيعة والتي لولا التصعيد في المواقف والخلافات التي مارستها حكومتنا الموقرة معهم لما امتلكت هذه المظاهرات النسبة العالية من الشرعية ولما انقاد البلد الى مثل هذه الازمة الخطيرة .
والمطلوب منها ايضا تهدئة الشارع العراقي وعدم التصعيد وانزال المظاهرات الى المدن الشيعية لأنه سوف يحول الصراع الى طائفي بحت واستغلال تلك التظاهرات الى مكاسب انتخابية كما يفعل الطرف الآخر (السياسيين السنة) , وكذلك ان الموقف الحالي لا يتحمل حل البرلمان والدعوة الى انتخابات مبكرة ليس بها مصلحة وطنية وسوف تعيدنا الى سيناريو تشكيل الحكومة الحالية وكذلك سوف تبرز لنا المتشددين من الطرف الآخر من القائمة العراقية او الكردستانية , وهذا الرؤى التي تبنتها كتلة المواطن وجسدته عمليا في مواقفها الوطنية برفض عملية سحب الثقة من الحكومة وما شاهدناه مؤخراً من عدم حضورهم لجلسات مجلس النواب والذي اخلَه بالنصاب القانوني داخل المجلس عندما أرادوا تمرير قانون سحب الثقة وقوانين اخرى كقانون العفو العام . واخيرا يجب القول ان الارادة السياسية اذا لم تكن موحدة سيضل هذا حال بلادنا الانتقال من ازمة الى اخرى بمسلسل لاينتهي لان بنية النخبة السياسية غير موحدة او ليست منسجمة على الاقل ولهذا كان تشكيل حكومة اغلبية وفق آليات دستورية مطلبا يساهم في استقرار البيئة السياسية وتصنيفها الى حكومة ومعارضة ولا سيما نحن مقبلين على انتخابات مجالس المحافظات وبعدها البرلمانية , اي تصعيد بالاستقواء بالشارع سيؤدي الى استقطاب طائفي ضد مصلحة البلد ومن هنا تبرز ضرورة وجود خطاب سياسي جامع يجمع الشعب والسياسين تحت راية الوطن .