23 ديسمبر، 2024 11:25 ص

الازمة الامريكية-الايرانية .. الى اين ؟؟؟

الازمة الامريكية-الايرانية .. الى اين ؟؟؟

مع الدقائق الاولى التي استيقظ فيها العالم على نبأ استهداف ناقلتي النفط في خليج عمان, لم تدخر القنوات الاخبارية جهودها في التعاطي مع الحدث بالكيفية التي تلائم توجهاتها, فأصبح باب التكهنات والاتهامات مفتوحاً على مصراعيه وضجت تلك القنوات على اختلاف توجهاتها ومدى مصداقيتها اعلامياً بالكثير من التعليقات والآراء و وجهات النظر و ردود الافعال الرسمية التي جاءت على لسان القادة والمسؤولون وذوي الشأن.
لم تأت اغلب تلك الآراء بشئ جديد, بل هي تكريس لما سبق من آراء نمطية ذات نظرة ضيقة تتناول الحدث بدوافع عاطفية بعيدة عن المهنية ولا تخدم لب القضية بشئ. فبالرغم من عدم وجود دلائل واضحة تدين دولة ما او جهة ما بإرتكابها مثل هذه الافعال التي تنطوي على تهيدد كبير لأمن الخليج, بل وصفت بالاعمال الارهابية من جانب اغلب الدول, الا ان طائفة من المحللين السياسيين والخبراء العسكريين توافقت آراؤهم على توجيه اولى اصابع الاتهام الى ايران, او احدى مجساتها في المنطقة, بالمسؤولية المباشرة عن هكذا اعمال تأكيداً لما صرح به كبار قادة ايران في بداية الازمة مع الولايات المتحدة حينما اعلنوا صراحة ان نفط دول الخليج لن يمر بسلام من مضيق هرمز في حال منعت ايران من تصدير نفطها بشكل كامل. فالمسألة في نظر القيادة الايرانية ليست بالشئ الهين, طالما ان الاجراءات العقابية الامريكية تجاه ايران تنطوي على تهديد وجودي للامة الايرانية بأكملها, وارهاب اقتصادي كما وصفه المرشد الاعلى للثورة في ايران علي خامنئي. هذا الاتهام, وان لم يستند على ادلة واضحة تدين الطرف الايراني في الازمة الخليجية الراهنة, يطرح امامنا تساؤلات عدة:
-ما الذي يدفع ايران الى ارتكاب مثل هذه الحماقات, وما هي المكاسب التي ستجنيها ؟
-لماذا اختارت ايران هذا التوقيت بالذات لتنفيذ العملية خصوصاً اذا ما علمنا انها تمت بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الى ايران للاضطلاع بدور الوساطة وتهدئة الامور ؟؟
بدون ادنى شك ان حزم العقوبات الاقتصادية التي تفرض على ايران من قبل ادارة ترامب هي قاسية جداً في وقعها على الشعب الايراني, وبانت تداعياتها بشكل واضح وهي تنخر في جسد الاقتصاد الايراني الذي قد يصمد لفترة محدودة ليس الا. حتى ان الرئيس روحاني في احدى خطاباته قال بأن بلاده لم تواجه مصاعب اقتصادية مثل ما تواجهه اليوم, حتى في احلك الظروف التي مرت بها الجمهورية الاسلامية, في اشارة الى حقبة الثمانينات التي شهدت حرب الثمان سنوات بين العراق وايران. لنفترض جدلاً ان ايران هي المسؤولة عن حملة الهجمات هذه تنفيذاً لما هددت به سابقاً فيما يخص تصدير النفط, وان صح هذا الاتهام فهو لا يعطي سوى اشارة لمدى حماقة النظام الايراني وعدم استيعابه لمدى خطورة الموقف في حال قررت ادارة ترامب الرد عسكرياً .. ان اوهام القوة والصمود التي تعتري مخيلة القادة في ايران هي ليست سوى زوبعة في فنجان سرعان ما تتلاشى عند خط التماس الاول.
لنعبر الان الى الضفة الثانية من النزاع, واقصد هنا الآراء التي جاءت على لسان المتعاطفين مع الجانب الايراني, فهذه الشريحة ترى ان المسؤولية المباشرة عن التخطيط والتنفيذ لهكذا عمليات تقع على عاتق الولايات المتحدة, او احدى الدول الحليفة لها في المنطقة وليس ايران, سعياً منها في تحشيد الرأي العام العالمي ضد ما تسميه الولايات المتحدة بالاعمال العدائية لايران في المنطقة, وخلق اجواء مواتية لوضع خيار استخدام القوة العسكرية موضع التنفيذ. وبالطبع هذا الامر لا يتحقق ما لم تدويل القضية وتسخير الجهود الدولية بهذا الاتجاه.
وبين هذا وذاك, تبقى منطقة الشرق الاوسط والخليج اسيرة لارادات الدول الكبرى, تترنح على وقع طبول الحرب التي كانت ولم تزل تقرع كلما تعرضت مصالح تلك الدول للخطر . منذ ان فاحت رائحة البترول من منطقة الخليج لاول مرة في بدايات القرن العشرين, تصدرت هذه البقعة الغنية بالنفط قائمة اكثر المناطق في العالم تعرضاً للحروب والهزات. ابتداءً من الحرب العالمية الثانية حينما اصبح الصراع بين الدول المتحاربة آنذاك قائم على اساس الاستحواذ على اكبر قدر من منابع النفط بعد ان اصبح هذا الاخير عصب الحياة و الصناعة الاوربية والغربية, والعامل الاساس في استمرار دوران عجلة الحرب. ان تأمين سلامة خطوط الامداد اصبح بمثابة عقيدة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالفكر الاستراتيجي الامريكي واولوية من اولويات السياسة الخارجية الامريكية. هذه العقيدة التي ظهرت الى العلن لاول مرة حينما اعلن الرئيس الامريكي الاسبق كارتر عام 1980 بأن الولايات المتحدة, اذا ما ارادت الحفاظ على امنها القومي, سوف لن تتواني عن استخدام كافة الوسائل الضرورية بما فيها القوة العسكرية للحفاظ على سلامة وديمومة تدفق النفط من منطقة الخليج.