18 ديسمبر، 2024 11:47 م

الارهاب القادم من العراق … معاني و دلالات

الارهاب القادم من العراق … معاني و دلالات

في خبر ليس بالمعتاد عند المختصين و اصحاب الشأن حيث حذرت وزارة الخارجية الامريكية , من امكانية ظهور جماعة ارهابية جديدة على مستوى العالم ، و تبدأ ظهورها من الوحل العراقي عندما لا تقوم الحكومة العراقية بالاصلاحات الجذرية في المجال الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي .
و على نفس المنوال قال المستشار البارز في الوزارة نفسها (دوكلاس بادغيث) في يوم السبت 4/8/2018 في معهد (هدسون) في واشنطن عند مناقشته و السؤال عن احتمال ظهور الارهاب بلباس جديد قال : (ان منظمة ارهابية على شاكلة داعش قد تظهر في العراق على الرغم من هزيمتها عسكرياً ، و لكن الظروف السياسية و الاجتماعية و الثقافية وانعدام المصالحة و عدم المسألة كفيلة بأرجاعها مرة اخرى .
ان التصريحات الامريكية المتكررة من جهات متعددة بأن الارهاب بزي جديد سيظهر في العراق يمكن ان يكون خبراً صحفياً و اعلامياً عند الكثير ، و لكنه ليس بذات الشكل عند المراقبين و المتابعين للواقع العراقي و الجماعات المتطرفة ، بل ان هذا التصريح يحمل بين جنباته العديد من المعاني و الدلالات ، و هو قابل للتحليل و التمحيص للخروج بنتائج تستند على التجربة و التدقيق المستمر لملفات الجماعات الارهابية التي تشترك في الاسلوب و الاهداف و تختلف في التسميات لتظهر في كل فترة و مرحلة بأسم جديد اكثر فتكاً و أعم رعباً و اشمل دماراً من ذي قبلها .
ومن هذه الدلالات و المعاني :-
ان ظهور الجماعات الارهابية المتتالية من عدمها تكون وفقاً للمصالح الدولية ، و هي التي تحركها أي ان الارهاب بات وسيلة و اداة لتحقيق اجندات دولية ، و ان خير دليل على ما نذهب اليه هي اتهام الدول لبعضها البعض بالدعم و إيواء العناصر الارهابية و استعمالهم وفق ما تشتهيه أهدافهم ، و ان كان ثمنها حياة الابرياء و دمائهم و تشريدهم و تدمير المدن و اضعاف سلطات الدول او انهاءها ، و اكثر الاتهامات المتبادلة هي , بين امريكا و ايران المتخاصمين المشتركين .
ان هذا التصريح الوزاري يبين قدرة الاجهزة الاستخبارية الامريكية على جمع المعلومات و قوة اختراقها للمنظمات المعادية لها ، بل و انها تتنافس في الحصول على المعلومات قبل غيرها ، و يمكن ان نقول بأن جهاز الاستخبارات المركزية (CIA) تعمل كدولة داخل دولة امريكا و تلعب اللعبة الكبرى و ترسم حدود الخطة الاستراتيجية الامريكية في الشؤون الخارجية ، و له باعاً طويلاً في منطقة الشرق الاوسط و تتدخل في شؤنها بشتى الاساليب .
ربط التصريح الامريكي عدم ظهور الجماعة الارهابية الجديدة باسباب تكون مستحيلة التنفيذ في العراق من اجل اجهاض عملية ولادة هذه الجماعة و منها القيام باصلاحات سياسية و اقتصادية و القضاء على الفساد الاداري و المالي و انعدام المصالحة أي انه حددت المشاكل التي تعاني منها العراق و جعلت منها الحاضنة المناسبة لنمو الارهاب بزي جديد كما ظهرت (داعش) من تحت انقاض القاعدة التي كانت تطعمها الطائفية و الاقصاء و التهميش السياسي لمكون معين . و ان استحالة معالجة هذه الازمات و المشاكل تعجل من ظهور المولود الجديد الذي سيرضع من ثدي امه التي كادت تفارق الحياة و تغرب شمسها ليكمل المولود مشوار من سبقوه و ان كان مختلفاً عنهم بالاسم فالعراق بات المنبت المناسب و التربة الخصبة لتبدأ بذور الارهاب الجديد دورتها الحياتية فيها لذا فقد خص التصريح دولة العراق دون غيرها .
ان اتهام امريكا المتكرر لأيران بدعم الارهاب و ادارة الجماعات الارهابية في شرقها و غربها ، فأن التصريح يأتي ضمن هذه السلسلة و ان كانت بصورة غير مباشرة و ربما يكون التصريح جزءاً من الحملة الامريكية الاخيرة ضد ايران بعزلها سياسياً و تدميرها اقتصادياً و اضعاف دورها في المنطقة و تشويه صورتها في العالم الخارجي و بالتالي حمل ايران على الرضوخ لارادتها و القبول بشروطها او الجلوس معها على المستديرة كما فعل مع كوريا الشمالية و لكن يبقى الباب مفتوحاً لكل الاحتمالات مع الفارق الكبير بين كوريا الشمالية و ايران من حيث القوة والنفوذ .
هذا التصريح يؤكد ضرورة استمرار الوجود الامريكي في العراق لأن الارهاب من اكثر الاسباب التي تنادي بها امريكا وتدفعها مبرراً لوجودها في المنطقة بصورة عامة ، لذا فأن اطلاق هذه التصريحات تجعل من الوجود الامريكي امراً لازماً و مهماً لحماية المنطقة و العراق من تداعيات الارهاب الجديد .
و اخيراً على الحكومة العراقية و الكوردستانية و اجهزتها الامنية ان تأخذ التصريح بجدية و ان يستعدوا لمحاربة الجماعة الجديدة التي ستحمل ادوات و اساليب جديدة لتنفيذ برامجها الى حين ولادة جديدة و الذي نتمنى ان تكون هذه الجماعة عقيماً لا تلد و تنتهي الى الابد .