23 ديسمبر، 2024 5:30 ص

الارهاب ، والتراث الديني ..

الارهاب ، والتراث الديني ..

منذ دخول أول جندي امريكي للعراق سنة ٢٠٠٣ تحصنت الاحزاب الشيعة الطائفية خلف صور قادة احزابها ، مطالبة باعادة تصحيح التاريخ والغاء نتائج بيعة ( السقيفة ) التي حدثت قبل الف واربعمائة سنة ، على إعتبار انها انتخابات مزورة لم تستوف الشروط المطلوبة في ذلك الوقت ، وبسبب القصور الفكري لاحزاب الاسلام السياسي وافتقارها الى مفاهيم وطنية وقومية واقعية خارج نطاق الشعائر الدينية ، اختصرت مشاكل العراق جميعها بقضية حرية التعبير عن الشعائر الدينية مستخدمة تلك الشعائر للوصول الى اهدافها .
وخاضت احزاب الاسلام الطائفي السياسي الانتخابات الاولى والثانية والثالثة باطلاق موجة تخويف وارهاب هائلتين طالتا الملايين من الشيعية الذين يرزقون تحت سياط الفقر ، ملوحة بيوم الحساب وعذاب الذين لا يبايعون ( علي ) في يوم الغدير، وتجرأت هنا الطاوائف الشيعية على التطاول مرة اخرى على ( علي بن ابي طالب ) بمقارنتها دور علي في مرحلة صدر الاسلام المعروف بانحيازه للفقراء بدور الاحزاب الطائفية الشيعية التي عرف اغلبها فيما بعد، بتهريب النفط ،و الاستحواذ على الاراضي، وكنز المليارات فيما يعيش الملايين من العراقيين الفقر والعوز والمرض . 
واستخدمت تلك الاحزاب الدينية الطائفية الدعم الايراني العلني والسري السخي ، في ارشاء الفقراء المعوزين ، اضافة الى تشغيل عشرات الاذاعات الايرانية الموجهة لسكان جنوب العراق للترويج لها ، وحث العراقيين على اتباعها وتشويه تاريخ العراق السياسي الثوري باستخدام التخويف والترهيب النابع من النزعة الدينية ، ووصم نضال الشعب العراقي من اجل التقدم منذ ثلاثينات القرن الماضي بصفة الضلال والالحاد والى مافي جعبة الرجعيين من مفردات التخويف الديني ، وخلقت في الفترة مابين سقوط النظام والانتخابات اجواء استقطاب حاد كان لابد ان تؤدي الى نشوء قطب طائفي سني مقابل زحف الرايات والبيارق الشيعية وحفلات الدم ومسيرات مئات الالاف على الاقدام وتخصيص الملايين من ميزانية الدولة لاغراض توفير الحماية الامنية لمسيرات الزيارات المتكررة المفروضة بفعل العرف الشعبي المتوارث والمؤيدة من قبل الاحزاب الطائفية لاسباب الاستعراض السياسي لا اكثر .هناك رموز في الطائفة السنية لا تقل رذالة عن ممارسات الرموز وقادة الاحزاب الشيعية ، كما إن رموزا من السياسيين المحسوبين على هذه الطائفة ، لا يقلون انحطاطا عن اخوانهم في الطائفة الشيعية ، الذين يمارسون العملية السياسية ، لانهم قبلوا وبمحض ارادتهم إن يكونوا عملاء للاحتلال منذ اول يوم لدخوله بغداد ، وينفذون اجندته ، ويعتاشون على فتات موائده ، في غياب الكرامة الوطنية .العراق واقع تحت مطرقة الارهاب الديني المتخلف ، الذي يمثل تخلف الممارسات الباباوية في القرون الوسطى بل هو اتعس منها ، وسندان الاحتلال العسكري البربري ، الذي تمثل فيه امريكا همجية الالفية الثالثة ، ومع وضوح الصورة للعيان وجرى في العراق من نكبات على مدى ١٣ عاما ، الا ان آذان البشرية لازالت صماء ، وصمتها هذا ويصدم الشعور الانساني ،  ويقزز النفس البشرية وحتى الحيوانية ، في مدى الرخص السياسي الذي وصل اليه هؤلاء الساسة ، الذين يمثلون حضارة العالم المتحضر، في العهر السياسي والتدني الاخلاقي ، وفي مستوى الحقد الذي وصلوا اليه ، في التعامل مع الانسان وحياته ومستقبله ، من اجل الطمع في تحقيق سياسة النهب الاستعماري لمقدرات الشعوب .
ان ضمان المشروع الديمقراطي يتطلب تغييب هيمنة أي سلطة على رقاب الناس ، سواء اكانت سياسية أو عسكرية أو دينية ، ومن اي فئةٍ كانت ، ولكن العراق قد ابتلي بكل هذه الانواع من الهيمنات ، التي لا يمكن في ظلها إن تتوفر مخرجات ديمقراطية يمكن احترامها على صعيد الشارع ، ومن هنا جاءت كوارث النتائج الانتخابية ،  في ظل سلطة الاحزاب الدينية الطائفية ، وسلطة الارهاب الديني المتمثلة برموز تلك الاحزاب ، وسلطة الفساد السياسي .
لا يمكن لاي ديمقراطية ان ترى النور في ضل سياسي فاسدٌ وعميل ، أو رجل دين طائفي وكذاب ، ومابين هذه المطرقة وذاك السندان يرضخ ابناء الشعب العراقي ، والذين يملكون كل الحول والقوة لتغيير هذا الواقع المزري الذي يعيشون تحت وصايته ، وكما قال الشاعر ابو القاسم الشابي ؛
( ومن يتهيب صعود الجال … يعش ابد الدهرِ بين الحفر ) 
هذا لو كانت هي جبال اصلاً ، ثقوا انها لا تتعدى كونها تلال صغيرة ، فقط اكسروا الحاجز الذي بينكم وبينها ، لتروا الحرية التي طالما حرمتم منها وطالما حلمتم بها .