23 ديسمبر، 2024 8:49 ص

الاديب الالماني هاينريش بول يكتب عن تشيخوف

الاديب الالماني هاينريش بول يكتب عن تشيخوف

هاينريش بول ( 1917 – 1985 ) روائي وقاص الماني معروف , وقد حاز على العديد من الجوائز الادبية , منها جائزة نوبل للآداب عام 1972 . كتب هاينريش بول عن تشيخوف في رسالة الى الصحافي الالماني اوربان في فرانكفورت بتاريخ 28 / 12 / 1983 ,وذلك بمناسبة مرور 125 سنة على ميلاد تشيخوف , الا ان هذه الرسالة لم تنشر اثناء حياة الاديب الالماني , وقد تم نشرها قبل فترة قصيرة ليس الا , واعادت نشرها مجلة ( الادب الاجنبي ) الروسية في عددها المرقم (12) لعام 2017 . نقدم للقارئ العربي خلاصة لهذه الرسالة , لاننا نرى فيها ملاحظات فنية دقيقة وطريفة وموضوعية لكاتب الماني كبير و معاصر حول تشيخوف , ونعتقد ان هذه الآراء تستحق فعلا الاطلاع عليها لاغناء معرفتنا بابداع تشيخوف.
يبتدأ الاديب الالماني رسالته بالاشارة الى انه لم يكن يمتلك نقودا لشراء الكتب في شبابه , ولكنه استطاع الحصول عندما كان عمره 17 – 18 سنة على عدة اجزاء من قصص تشيخوف , وقد طالعها باهتمام كبير, ولكنها بقيت غير مفهومة بالنسبة له , و بعد القراءة , تبلور لديه رأي محدد عن تشيخوف يتلخص في انه – ( كاتب جاف وبارد وروتيني ) , ولم يتقبّل النهايات ( المفتوحة !) لقصصه , وهي ملاحظات طريفة واستنتاجات تتكرر عند الكثير من قراء تشيخوف في بداية اطلاعهم على قصصه , ولكن هاينريش بول يشير , الى ان هذه النهايات بالذات هي التي أثارته في القراءآت اللاحقة لتشيخوف , وانه وجد فيها ( قوة السرد التشيخوفي ) , والتي أدّت به الى مقارنة تشيخوف بشوبان في الموسيقى , اذ ان البعض ايضا كان يعتبر شوبان ( موسيقارا غير جدّي !) عند الاستماع اليه للوهلة الاولى . يتحدث بول في رسالته تلك عن انطباعاته حول تشيخوف في السنوات اللاحقة , ويقول , ان نتاجاته هي الاقرب الى روسيا الحقيقية من نتاجات هؤلاء الذين يكتبون عن المشاكل الكبيرة والابطال والافكار , النتاجات التي يصفها بول بشكل ساخر وكما يأتي – ( المحشوة بالايدولوجيا التقليدية والجمود العقائدي …), وانطلاقا من مفهومه هذا يحدد ان تشيخوف ( كاتب واقعي كبير) , ويقول انه هكذا ( يتصور الواقعية , ولا ضرورة للنقاش اسابيع حولها ) , ويشير انه حتى غوركي هو اقرب الى المدرسة الطبيعية مما للواقعية . ينتقل الكاتب الالماني بعد ذلك الى مسرح تشيخوف , ويقول , انه يحب قراءة مسرحياته , ويفضّل القراءة على المشاهدة على خشبة المسرح , ويوضح هذا الرأي الطريف والمتميّز فعلا قائلا , اته اثناء القراءة يتمكن من استيعاب افكار تشيخوف الدقيقة , التي يعبّر عنها همسا او بايماءآت هنا وهناك , اما العرض المسرحي , فان المخرج هو الذي يعرض نفسه هناك وليس تشيخوف , وهذه ملاحظة صحيحة فعلا , وقد تذكرت حديثا طريفا جدا جرى مرّة بحضوري في اروقة القسم الروسي بجامعة باريس في ستينات القرن العشرين , عندما تحدثت واحدة من زميلاتي من طلبة الدراسات العليا هناك ( وهي من أصل روسي ) عن مشاهدتها لمسرحية ( الدب ) الشهيرة لتشيخوف في احد المسارح الفرنسية , وقالت – ( عندما طلب الممثل كأسا من الفودكا , فان الخادم صبّ له الفودكا من سماور كان موجودا على الطاولة ) , وقد سألت الممثل عن ذلك , فقال – ( ان المخرج هو الذي حدد ذلك بغض النظر عن نص تشيخوف المسرحي , وذلك لأن الروس يستخدمون السماور دائما!!!) , والامثلة كثيرة في هذا الشأن , بما فيها عروض مسرحيات تشيخوف في العراق .
يختتم هاينريش بول رسالته تلك بالتوقف عند كتاب تشيخوف – ( جزيرة سخالين ) , والذي يعده كتابا مدهشا وغير اعتيادي كليّا , وهو على حق طبعا , اذ عرض فيه تشيخوف مهارته طبيبا وصحافيا واديبا , ويتمنى الكاتب الالماني ان يقرأ هذا الكتاب (كل الذين يصطدمون او يمتلكون اي علاقة بهؤلاء الذين نسميهم منفّذي العقوبات ) , ومن المعروف ان تشيخوف زار جزيرة المعتقلين النائية تلك وكتب وقائع الحياة الرهيبة فيها بشكل موضوعي ووثائقي , ولا زال هذا الكتاب يمتلك قيمته واهميته لحد الان , بل ان تشيخوف نفسه كان يعتبر كتابه هذا اطروحة دكتوراه , و التي اراد يوما ان يحققها.
رسالة هاينريش بول حول تشيخوف – اضافة طريفة وذكية واصيلة من كاتب الماني في القرن العشرين للصورة الجميلة في وجداننا لكاتب روسي من القرن التاسع عشر.