22 نوفمبر، 2024 1:08 م
Search
Close this search box.

الاديان في أحاديث سريّة -19

الاديان في أحاديث سريّة -19

في أمسية أحد أيام عام 2021 وفي جلسة تعارف بين مجموعة من الصحفيين والإعلاميين الشرقيين والمجتمعين في مدينة بغداد، إستمعت الى تفاصيل حديث مثير جداً جرى بين أثنين من الزملاء الإعلاميين صادف أنْ يكون مقعدي بجوارهما.

الحديث بين الإعلامييّن كان بصوت خافت جداً بحيث كان سيتعذر عليّ سماع تفاصيله لو لم يكن مقعدي ملاصقاً لمقعديهما.

الحديث بين الإعلامييّن كان حول بعض الجوانب الإجتماعية المتعلقة بالأديان في المجتمعات الشرقية ولاسيما مجتمعات الشرق الأوسط التي غالباً ما تعاني من أزمات متواصلة في إدارة نفسها إقتصادياً وسياسياً وحقوقياً.

أدناه نص الحديث الذي جرى بين اولئك الإعلامييّن:

الأول:

يتوارث الشرقيون أديانهم ومذاهبهم الدينية إجتماعياً دون أن يكون لهم دور في إختيار تلك الثقافات، لكنهم وبحكم مصالحهم الذاتية في تفضيل السير مع إتجاه قافلة المجتمع يَظنون أو يُحاولون إقناع أنفسهم بأنهم ورثوا الديانة أو المذهب الديني الأصح بين كل ديانات ومذاهب العالم الدينية.

الثاني:

تماماً، هذه حقيقة يحاول الكثيرون من الشرقيين تحاشيها أو تناسيها، فكل البشر حالياً يتوارثون الإنتساب الى أديان أجدادهم دون أن يكون لهؤلاء البشر حرية الأختيار لكنهم يُوهِمون أنفسهم بقناعتهم الكليّة بالديانة أو المذهب الديني الذي توارثوه وذلك حرصاً منهم على مصالحهم المتمثلة بعدم الخروج عن منهج وأفكار المجتمع الذي يعيشون فيه، ناهيك عن وجود قوانين في مجتمعات شرق أوسطية تُهدّد أيّ فرد بالسجن وربما القتل في حال قام بِنقد الديانة أو المذهب الديني السائد في المجتمع الشرقي.

الأول:

تماماً، بل أن أغلب أفراد المجتمعات الشرقية يحاولون دائماً تصوير رجال دينهم أو مذهبهم الديني وكأنهم ملائكة تنبذ الحصول على السلطة والمتعة والمال، وأن هذه الملائكة تقوم بواجباتها في تمثيل إرادة الله في إقامة الخير والعدل بين الناس.

الثاني:

أغلب الأفراد الشرقيين يرتاحون نفسياً حينما يتصورون أن رجال دينهم ومذهبهم الديني مِثاليون في أداء مهنتهم فذلك يجعلهم يشعرون بصحة الديانة والمذهب الديني الذي يتوارثوه إجتماعياً وبشكل لا إرادي.

الأول:

نعم، الشرقيون يزعجهم جداً سماع أيّ رأيّ يوضح سلبيات تراثهم الديني كما يزعجهم جداً سماع أيّ خبر يُشير الى رداءة أفعال رجال ديانتهم أو مذهبهم الديني، فهم يُحاولون غالباً رفض فكرة وجود سلبيات في تراثهم الديني الموروث كما يحاولون دائماً إيجاد التأويلات والتبريرات لأفكار وأفعال رجال دينهم أو مذهبهم الديني حتى لو لمْ يكونوا في دواخلهم مقتنعين بها فعلاً، بينما ترى نفْس اولئك الشرقيين يتناقلون بقوة وبفرح أيّ رأيّ يُوضح سلبيات ديانة أو مذهب ديني آخر، مثلما يتناقلون بقوة وفرح أيّ خبر يُسيء الى رجال ديانة أو مذهب ديني آخر.

الثاني:

رجل الدين هو أنسان كباقي البشر ولابد أن يخطأ فليس هناك أنسان كامل الأوصاف.

الأول:

هذا صحيح، ولكني هنا أشير الى إزدواجية الإنسان الشرقي في نظرته للآخرين.

الثاني:

نعم أنها بالتأكيد إزدواجية وهي مشابهة جداً للإزدواجية التجارية للشركات الصناعية والتي تُحاول دائماً التغطية على سلبيات منتوجاتها بينما تُروّج بقوة لسلبيات مصنوعات الشركات الأخرى!

الأول:

صفة الأزدواجية في التعامل قد تكون موجودة بدرجات متفاوتة عند أغلبية البشر، لكن مدى ثقافة الإنسان في إدراك مصالحه الذاتية هو الذي يُحدِّد سعة مجالات حصول الإزدواجية ومدى حِدّتها، ولتوضيح ذلك بمثال من واقع حياتنا الشرقية اليومية أذكر لك بأني عادةً ما أصادف أصدقاءاً خريجي جامعاتٍ وذوي إنتماءات سياسية أو فكرية شيوعية وهم ينتقدون فيما بينهم تراثهم الديني المتوارث إجتماعياً إبتداءاً بتفاصيل الشريعة الدينية ومروراً بموؤسس تلك الشريعة وإنتهاءا برجال نفس الدين في هذا الزمن، الا أنّ أصدقائي هؤلاء يُضايقهم تماماً لو أنّ نفْس الإنتقاد يَصدرُ مِن شخصٍ لا ينتمي الى ديانتهم أو مِن شخص آخر ينتمي الى مذهب ديني آخر غير مذهبهم داخل نفس الديانة!

الثاني:

تماماً، وفي إتجاه آخر يعكس أيضاً مدى التأثير السلبي للموروث الديني في الكثير من مجتمعات الشرق الأوسط، تجد أن الكثير من الأفراد الشرقيين ذوي الإتجاه الفكري أو السياسي الديني يُرجِعون سبب وفاة أحد أفراد مجتمعهم الى عدم إيمانه بالله أو قلة إلتزامه بأحكام الدين أو المذهب الديني السائد في المجتمع، فمثلاً حالَ وفاة أحد أفراد المجتمع الشرقي نتيجة إصابته بمرض خبيث أو نتيجة تعرضه الى حادث من حوادث السير أو الحريق أو الغرق وغيرها، فأن الأفراد الشرقيين ذوي الإتجاه الديني يُعْزون سبب وفاة ذلك الفرد الى إنتقام (الله) مِنه لقلة إيمانه أو إلتزامه الديني أو المذهبي وبغض النظر عن مدى صُدق ونزاهة وإنسانية ذلك الفرد المُتوفي، بينما تجد أنّ نفس الأفراد الشرقيين يقومون بمدح الفرد الملتزم بدينهم أو مذهبهم الديني إذا ما مات نتيجة إصابته بمرض خبيث أو بحادث مميت مفاجيء حتى لو كان ذاك المتوفي معروفاً بسوء أخلاقه وسوء تعامله مع الآخرين، حيث يُرجِعون سبب موته الى رضى الله الكثير عنه لكثرة إلتزامه الديني والى الدرجة التى أدت بالله لأختياره لكي ينتقل الى السماء والى الجنة بأسرع وقت وبأقرب الأحداث الممكنة!

أغلب أفراد مجتمعات الشرق الأوسط يحاولون دينياً أنْ يُصوروا (الله) بأقرب صورة مُؤثرة ومعروفة لديهم جميعاً الا وهي صورة القائد القوي الدكتاتوري الذي غالباً ما يتناوب على حُكم هذه المجتمعات الشرقية، فالدكتاتور ينتقم ويعذّب ويقتل كل فرد يُسيء الى أسمه أو سلطته وبغض النظر عن مدى كوْن ذلك الفرد أنساناً مسالماً وصادقاً ونزيهاً ويساعد ويُضحّي مِن أجل كل البشر دون تمييزٍ بينهم.

(الله) عند أغلب الشرقيين يُعذّب وينتقم بشدة لا مثيل لها في حياة الأرض وبعد الموت كل إنسانٍ لا يؤدي الإلتزامات الدينية والمذهبية التي يفرضها عليه رجال الدين أو المذهب الديني حتى لو كان ذلك الإنسان مسالماً وصادقاً ونزيهاً ويعمل ويساعد كل البشر!

الأول:

يظن الفرد في أغلب المجتمعات الشرقية ذات الموروث الديني السائد بأن ما ورثه من دين أو مذهب ديني هو صحيح، وأن كل بقية الأديان أو المذاهب الدينية هي غير صحيحة، فمصلحة الفرد الذاتية تقتضي أن ينساق مع ما هو سائد وموروث بين أفراد مجتمعه منذ مئات أو آلاف السنين حتى لو أدرك ذلك الفرد أحياناً أن ذلك الموروث الديني لمْ يَعُد يتناسب يتناسب مع العقل ومع العلم ومع حقوق الإنسان.

الثاني:

أعتقد أنّ قمة الغباء في الفرد الشرقي الحامل للموروث الديني أو المذهبي أن يَظنّ بأنه لو كان ورث مِن أهله ديناً أو مذهباً دينياً آخراً فإنه لكان سيُغيّره الى الدين أو المذهب الديني الذي يعتنقه حالياً، دون أن يتفهم ذلك الفرد بأنّ مصالحه الذاتية هي التي تجعله يستمر بظنّه هذا، ودون أنْ يتفهم أنّ كل الأديان والمذاهب الدينيّة لا تستندُ الى أيّ عَلْم أو منطق في وجودها!

الكثير مِن الشرقيين يظنون أنّ ما يتمنونه مِن وجودٍ لـ (الله) يَقتضي وجوب تصديق الخرافات والأكاذيب المحبوكة في مجتمعات بدائية قبل مئات وآلاف السنين.

الكثير من الشرقيين لا يدركون أنّ عدم صحة الأديان لا يَعني بالضرورة عدم وجود (الله)!

الأول:

الشرقيون ولاسيما أغلب مجتمعات الشرق الأوسط وبِحُكم غياب الأنظمة السياسية والإقتصادية والثقافية الحديثة تعاني بصورة عامة مِن غياب العدل وظروف الحياة الكريمة ولذا تراهم يستثمرون الكثير مِن جهودهم في أداء الطقوس الدينية والمذهبية أملاً في قيام (الله) بتحسين ظروفهم ولذا تراهم لا يتقبلون بسهولة قيام البعض بإنتقاد مباديء ديانتهم أو مذهبهم الديني، لأنهم في حقيقة الأمر يَجدون في ذلك تدميراً لكل ما يملكوه مِن إستثمارٍ في مجال الطقوس الدينية والمذهبية كالصلاة أو الصيام وغيرها وكذا تدميراً لآخر خيوط الأمل في حصولهم على حقوقهم الإنسانية المشروعة.

أغلب أفراد مجتمعات الشرق الأوسط ذات الموروث الديني أو المذهبي تَراهم حينما يُواجهون ويرفضون بشدة أيّ نقد لدينهم أو مذهبهم الديني الموروث وكأنهم فعلاً يُدافعون عن ذلك الدين أو المذهب الديني حسْب وليس لسبب آخر، حتى أنّ بعض البسطاء مِن الشرقيين مِمّن يُعانون مِن الفقر ومتاعب الحياة قد لا يترددون في قَتْل مَنْ يَظنون إنه يسيء الى دينهم أو مذهبهم الديني، بينما يرى الشرقيون الأغنياء في قيام أحدٍ بإنتقاد دينهم أو مذهبهم الديني تهديداً لغِناهُم الذي يعتقدون أنّ الله مَنَحَهم إياه بسبب إلتزامهم الديني والمذهبي، الا أنّ هؤلاء الأغنياء غالباً لا يضطرون الى ممارسة جرائم قتل مَنْ ينتقد دينهم أو مذهبهم لكنهم غالباً ما يشعرون بالراحة عندما يقوم الفقراء بتلك الجرائم.

الثاني:

أرى أنّ رجال الأديان يتحملون مسوؤلية كبيرة في إشاعة ثقافة قبول الرأيّ الآخر وعدم تبرير كل أعمال التمييز أو العنف لأي سبب كان ولاسيما في مجال الأختلاف الفكري أو الديني أو المذهبي.

الأول:

نعم هذا صحيح، لكن لا تنسى أن رجل الدين هو الآخر إنسان كبقية أفراد مجتمعه.

الثاني:

حينما نتحدث عن موضوع (مِهنة) فمن المنطقي أنْ نستدرك بالقول أنّ لكلِ مهنةٍ مواصفات مهمة مطلوبة، فمهنة الطِب مثلاً تتطلب إضافة الى المعرفة العلمية الطبية أنْ يؤمن الطبيب بأن مهنته هي مهنة إنسانية بأمتياز وتتطلب منه أنْ لا يُعير موضوع الأجور أيّ إعتبارٍ في حالة وجود إنسان بحاجة الى رعاية طبية وهو لا يملك مالاً، مثلما تتطلب هذه المهنة مِن الطبيب أنْ يقوم بواجبه الكامل في علاج أيّ إنسان يحتاج الى علاج حتى لو كان ذلك الإنسان عدواً يحمل السلاح قبل مرضه، وهكذا فالطبيب الذي لا يحمل هذه المواصفات فإنه لا يستحق أنْ يعمل في مجال هذه المهنة بكل الأحوال، أما الذي يختار العمل في مجال مهنة الدين فأعتقد إنّ من أهم مواصفات هذه المهنة إضافة الى إمتلاك المعارف الدينية التخصصية هو الزهد الكلي عن السلطة والمال وملذّات الحياة إضافة الى إيمانه المطلق بالتسامح والسلام وعدم التمييز بين أنسان وآخر بسبب أي شكل من أشكال الإنتماء، وهكذا فرجل الدين الذي لا يحمل هذه المواصفات ربما يصلح للعمل في مهن أخرى لكنه غير مُؤهل مطلقاً للعمل كرجل دين.

الأول:

كلام لا خلاف عليه.

الثاني:

طبعاً، حينما نتحدث عن ضرورة زُهد رجل الدين عن السلطة والمال وملذات الحياة فأننا لا نقصد أنّ رجل الدين يجب أنْ لا يكون له بيت يسكنه أو طعام يأكله أو زوجة يعيش معها، ولكن ما نقصده هو أنْ لا يعمل رجل الدين لإمتلاك الأرصدة المالية الضخمة والعديد من البيوت والأراضي والمشاريع التجارية والربحية مع كثرة زيجاته وكثرة علاقته العاطفية فحين ذاك قد يصلح كغيره من الناس للعمل في مِهن كثيرة أخرى ولكن ليس في مهنة الدين!

الأول:

في كل مهنة قد يكون هناك أكثر من سبيل للإحتيال، فأحد أقاربي مثلاً هو رجل دين، يسكن بيتاً بسيطاً جداً، وهو لا يملك غيره، مثلما لا يملك فلساً واحداً في بيته أو في البنوك، ولكنّ أبناءه يملكون المليارات من الأموال والمئات من الأملاك والمشاريع التجارية الضخمة، ولا أتوقع أن ذلك هو مجرد صدفة فليس من الطبيعي أبداً أن تقفز ثروة أبناء رجل فقير الحال بسرعة الى هذا المستوى من الضخامة علماً أن أبناء هذا الرجل لا يحملون أي قدرات أو مؤهلات قد تبرر ثرواتهم الضخمة!

يتبع ..

أعلاه هو الجزء الأول من مقال ( الأديان في أحاديث سريّة) من كتابي الموسوم بـ ( أحترمُ جداً هذا الدين ) والمنشور في اسواق الكتب بأكثر من تسع لغات واسعة التداول في العالم.

أحدث المقالات