كثيراً ما نسمع عن ما يسمى بالادخار الوطني او الاجباري , الذي سيوفر اموالاً كافية لسد العجز الذي تعاني منه موازنة عام 2015 , وسط تنبؤات انخفاض اسعار النفط الذي يعتمد عليه العراق في توفير الاموال لتمشية امور الدولة منذ عشرة اعوام , خاصة بعد الاهمال المستمر للصناعة و الزراعة و السياحة و غيرها من الموارد , و اذا كان الادخار وطنياً او اجبارياً فمن المنطقي ان يطبق على الجميع رئيساً كان او وزيراً , نائباً او موظفاً عادياً , و هذه ابسط صور العدالة , خاصةً اذا كان الجميع متفقاً على التغيير و الغاء الامتيازات التي كانت و لازالت تمنح لاصحاب الدرجات الكبيرة او الخاصة التي تسببت في ضياع الاموال , و ان انقاذ العراق من الافلاس هي مسؤولية الجميع اضافة الى كونها واجب وطني .
و على عكس ما كان متوقع , فالادخار و حسب ما صرح به اعضاء مجلس النواب سيشمل موظفي الدولة اللذين يتقاضون رواتباً كبيرة (التي تتخطى حاجز المليون) , دون الاخذ بنظر الاعتبار ان الموظف يعتمد اعتمادا كلياً على راتبه الشهري بعدما فشلت الدولة في توفير ابسط متطلبات الحياة موظفا كان ام غير موظف , فهو يشتري الدواء الذي لا توفره مستشفيات الدولة من الصيدليات و المذاخر الخاصة و بأسعار غير معقولة , و احيانا يتحمل تكاليف علاجه خارج العراق على نفقته الخاصة , اضافة الى الايجار الشهري للدار التي يسكنها , و ايضا اجور النقل سواء له الى محل عمله او لافراد اسرته الى مدارسهم او جامعاتهم , اضافة الى تكاليف المعيشة الاعتيادية , بل اكثر من ذلك فالموظفين رهنوا رواتبهم للدولة عندما اشتركوا في السلف و القروض التي عرضتها عليهم المصارف الحكومية و بفوائد كبيرة , فاذا كان الادخار سينقذ الدولة من الافلاس فهو في الوقت نفسه سيتسبب في افلاس العراقيين او بعبارة اخرى ستزيد قائمة المفلسين اذا ما اردنا حساب العاطلين عن العمل ضمن القائمة التي لم يتم ادراجها في الموازنة الجديدة , اضافة الى الضرائب المتنوعة التي سيتم فرضها و التي ستكون سبباً في رفع الاسعار في الاسواق التي لم تفرض الحكومة سيطرتها عليها بعد.
ان الادخار بهذه الصورة هو عقوبةً قاسية ستفرض على العراقيين , اللذين كانوا يتوقعون زيادة دخلهم الشهري , و تحسين اوضاعهم المعيشية ( خصوصا و ان الدستور اوجب توفير حياة كريمة للعراقيين) , فهم كانوا ضحية للفساد و هدر المال العام في الامس , و على ما يبدو سيصبحون ضحية مرة اخرى لاستفاقة الدولة المتأخرة , و التي بدلا من محاسبة الفاسدين و استرجاع الاموال التي نهبت , عادت لتحمل العراقيين وزر اتفاقات و حسابات سياسية جديدة , كان الاولى برئيس الجمهورية و نوابه , و رئيس الوزراء و نوابه و وزرائه , و مجلس النواب بكافة اعضائه , ان يبادروا الى التنازل عن رواتبهم و مخصصاتهم و امتيازاتهم لصالح المواطن , لا ان يفرضوا عليه العكس و سيبتعد هذا الادخار كل البعد عن وصف الوطنية فهو اذا طبق بهذه الصورة سكون تمييزاً بين ابنا الشعب و يجعل المجتمع متفاوت بين اصحاب الغنى الفاحش و الفقر المدقع .