قد ينبهر المراقب من الشعارات التي تطرحها السلطات الامريكية الخاصة بحقوق الانسان , والعدل والمساواة والشفافية . وفي الحقيقة فان تلك الطروحات هي للداخل الامريكي وليس للانسانية في الفضاء العالمي . وقد دلت التجارب الماضية والحالية ان الادارات الامريكية المتلاحقة سارت على منهج العنف والسيطرة بالقوة . واعطتنا تجارب التاريخ ان هذه السلطات هي التي ذبحت سكان الولايات المتحدة الاصليين الذين يسمون بالهنود الحمر . واشارت الاحصاءات ان هؤلاء السكان كان عددهم منذ اربعة قرون مليون انسان , وبعد اربعة قرون ما زال عددهم مليون انسان . اذ تمت ابادتهم بالغازات السامة تارة او بالسلاح الابيض وغيره من اساليب القهر المتنوعة . كما اشرت صفحات التاريخ عشرات الاعتداءات الامريكية على دول العالم وخاصة في امريكا اللاتينية والهند الصينية .
ويرى منظرو اتجاه التفرد الامريكي بالسلطة العالمية ان امريكا تستحق هذا المركز نظرا لما تملكه من عوامل القوة العسكرية والسياسية . ولكن الساسة الامريكان غرقوا في الغرور وحب السلطة , ولم يستطيعوا حل مشكلات اقليمية , بل اصيبوا بخيبات ونكسات في اكثر من بقعة في العالم مثل الصومال ولبنان ومن قبل في فيتنام ولاوس .
ومما يميز السياسة الامريكية الكيل بمكيالين ازاء العديد من القضايا العالمية , فعلى سبيل المثال تنظر الولايات المتحدة الى الاكراد نظرة ثنائية , فتعتبر اكراد تركيا شياطين وتقف مع الحكومة التركية ضدهم انطلاقا من مصالحها الخاصة كون تركيا عضو في حلف الاطلسي , فيما تعتبر اكراد العراق ملائكة وتقف معهم ضد الحكومة العراقية , فيما لا تعير بالا لاكراد ايران ولا تنتصر لحقوقهم المشروعة وحق الاكراد في اقامة دولتهم الموحدة حالهم حال كل دول العالم . وكذلك الحال بالنسبة للدول , فتعتبر ايران دولة مارقة ومن حلف الارهاب , وفي الوقت نفسه تتفاوض مع ملالي ايران انطلاقا من مصالحها الخاصة دونما اي اعتبار للعلاقة مع الدول العربية وخاصة في دول الخليج العربي .
ومن هذا التأسيس فان الولايات المتحدة المسؤولة عن العديد من مأسي الامم والشعوب هي المسؤولة عن معاناة الاشرفيين , اذ هي التي ضغطت عليهم لتسليم اسلحتهم عقب احتلال قواتها العراق عام 2003 , مقابل ضمان امنهم في مخيمهم ( اشرف ) في محافظة ديالى . ولكن الولايات المتحدة تنصلت من وعودها والتزاماتها ازاء الاشرفيين وتخلت عنهم وتركتهم لقمة تنهشها انباب الملالي واعونهم في العراق . وقد ارتكبوا المجزرة تلو المجزرة منذ عام 2009 وحتى الان وراح فيها عشرات القتلى ومئات الجرحى . وبضغط من الملالي واجهزتهم الامنية مثل الاطلاعات وفيلق القدس التابع للحرس الارهابي وسفارتهم في بغداد , تم ترحيلهم من مخيمهم في اشرف الى سجن ليبرتي الذي لا يصلح للسكن الادمي , اذ كان معسكرا للجنود الامريكان قرب مطار بغداد , وقد تركوه خربا يفتقد لابسط مقومات الحياة البشرية وخاصة الاطفال والنساء . وزاد الطين بله الحصار الذي مارسه اتباع المالكي من بعدة الذي شمل منع الغذاء والدواء عن السكان مما ادى الى موت العشرات جراء عدم توفر الدواء للاشخاص الذين يعانون من الامراض المزمنة .
لقد قدم ممثلو السكان عشرات المذكرات الى ممثلي الامم المتحدة في العراق حول تلك الخروقات المنافية لابسط حقوق الانسان , ولكن الممثلية اصمت اذانها بفعل تأثيرات خارجية جعلت المسؤولين فيها يحيدون عن مبدأ الشفافية والعدل والالتزام بالقواعد الاممية الخاصة بحقوق الانسان . كما عقدت عشرات الندوات في الاتحاد الاوروبي وفي الولايات المتحدة حضرها نواب وشيوخ ومحامين وحقوقيين واعلاميين , وكلهم نددوا بمواقف السلطات العراقية وقالوا انها بتوجيه من ملالي ايران ضد منظمة مجاهدي خلق المعارضة , وكلهم اجمعوا على ان الحل الانساني والامني في المنطقة المسماة الشرق الاوسط لايكون الا باسقاط نظام الملالي واقامة نظام ديمقراطي بعيد عن التفكير الطائفي والعرقي والتمييز العنصري , واجمعوا ان منظمة المجاهدين هي المؤهلة لتسلم السلطة في ايران وهي المهيأة لاقرار الامن والسلام في المنطقة . وكلهم اجمعوا ان نظام الملالي هو المسؤول عن الاضطراب الحاصل في المنطقة بسبب عقلية التوسع التي تسيطر على الملالي الطامحين باستعادة الامبراطورية الفارسية الافلة منذ 1400 عام .
رغم كل تلك المواقف والنداءات التي صدرت عن تلك الندوات والاجتماعات الدولية الا ان الادارة الامريكية اصمت اذانها عن سماع اصوات الحق , بل غلبت مصالحها على الواجبات الانسانية المنوطة بالدول الكبرى التي تدعي انها وكيلة الانسانية لاقرار الامن والسلام في العالم .
الم يكن بامكان الولايات المتحدة ودول اوروبا ان تستوعب ثلاثة الاف انسان من الاشرفيين ؟ . هل يشكلون عبئا سكانيا على هذه الدول التي تستضيف اضعافهم سنويا . الم يكن بامكان الادارة الامريكية ان تضغط على من نصبتهم حكاما على العراق لان يحافظوا على امن الاشرفيين وسلامتهم ؟ . كل ذلك ممكن وسهل لو كانت الادارة الامريكية وفية للمبادئ التي تطلقها يوميا عبر وسائل اعلامها . وعلى الاصوات المؤيدة للاشرفيين ان تقول الحقائق كما هي وان تسمي الاشياء باسمائها , فالولايات المتحدة هي المسؤولة عن معاناة الاشرفيين وعن الدماء التي سالت من اجسادهم ولابد من مطالبة الادارة الامريكية والسلطات العراقية ان تدفع دية الذين قضوا منهم خلال السنوات الماضية على يد الملالي واعوانهم في العراق .