23 ديسمبر، 2024 12:53 ص

الاخوة الاعداء ( جا هي وليه )

الاخوة الاعداء ( جا هي وليه )

لو ان العراقيين الاصلاء والجنوبيين الغيارى كانوا يحكمون العراق ؛ لكانوا تصرفوا غير هذا التصرف المشين ولما اهلكوا العباد وخربوا البلاد ؛ و لكان العراق اليوم جنة الله على الأرض، وقبلة السياح والزوار كما كانت بابل ومملكة ميسان وبغداد والبصرة والمدائن والحيرة ونينوى والكوفة … مركزا للعالم وكعبة للعلم والمعرفة في عهود الامة العراقية الذهبية السابقة .

نعم فقدت الحياة في بلاد الرافدين كل مقوماتها ولذيذ عيشها وقيمة الإنسان فيها عندما هجمت علينا جحافل المغول والعثمانيين والانكليز والامريكان وتحكمت بنا حكومات وعصابات الفئة الهجينة الغريبة ومرتزقة و( غمان ) ومافيات الاغلبية العراقية ؛ وضاعت الهوية الوطنية وماتت القيم العراقية الحضارية النبيلة ؛ عندما أصبح الاجنبي والغريب والدخيل والعميل هو المواطن الاصيل ؛ وعندما تحولت الخسة والتمثيل والغدر والدناءة الى شجاعة، والرشوة مباحة، والكذب طريقة للحياة , والعمالة للأجنبي شطارة ، والسرقة رجولة، في زمن أصبح الكذب فيه هو اللغة الرسمية، والخيانة واقعية، ونذالة السياسيين تصرفات طبيعية , وحقارة المسؤولين اعتيادية ، والدجل والتخريف والرياء هي الطريقة المثلى لأصحاب العمائم واللحى .

وأدت الغيرة الوطنية , وانتهى دور الجماهير والمواطنين , فكيف لك ان تكون وطنياً شريفا في بلد يحكمه القتلة والمجرمون واللصوص والمستبدون والمنكوسون والعملاء والدخلاء والغرباء واصحاب الجنسيات المزدوجة والولاءات الاجنبية ..؟؟!!

فالوطنية الحقيقية لا تنمو وتزدهر لتثمر أمنا واستقرارا ورخاء، إلا إذا تنفست نسائم الحرية والديمقراطية والتنمية ، وكانت عامرة بالأحرار والشرفاء والغيارى في ظل الديمقراطية الحقة والحكم الوطني الرشيد .

ولا يتحقق هذا الامر ؛ الا بوجود قيادة عراقية اصيلة تعمل على درء اخطار دول الجوار ومقارعة الامريكان والبريطانيين ومكافحة واستئصال الخط المنكوس واذنابه واتباعه في العراق ؛ وصدق الفيلسوف جالينوس حين قال: “يتروح العليل بنسيم أرضه، كما تتروح الأرض الجدبة ببلل المطر” ؛ فأبن الارض الاصيل اولى بها من الفاسد العميل والمنكوس الدخيل والمرتزق الذليل .

ولازالت فلول الفئة الهجينة و شراذم مرتزقة الاغلبية تريد للامة العراقية البقاء في نفس دوامة البؤس والتخلف والظلام والقهر والاضطراب والتأخر والتقهقر .. . السابقة ؛ واعاقة محاولات الوطنيين للخروج من عنق الزجاجة , وها نحن نعيش عصر تكالب دول الجوار والقوى الاقليمية والدولية الغاشمة علينا ؛ بمساعدة عملاء واغبياء الداخل من اصحاب الفكر المنكوس او من ذوي الاصول الاجنبية والغريبة .

انه عصر والاستعمار والخونة وتدخل دول الاقليم والجوار , و اللصوص والدجل و الاستحمار وتغييب الوعي الجماهيري , وبيع الكلام الفارغ والشعارات المستهلكة على السذج و ( المكاريد ) ؛ وهذه نتائج طبيعية لحكم الساذج والدجال والمتخلف والمجرم العميل والمسؤول الدخيل والخائن الذليل .

وهؤلاء القادة المنكوسون والحكام العملاء والمسؤولون الدخلاء والمرتبطون بمخابرات دول الجوار والاقليم … والعاملون لدى الحكومة الامريكية والبريطانية لا يصنعون لا موطنين راقيين ولا أناساً وطنيين متحضرين ، بل يصنعون منافقين وكذابين ومرائين ومتملقين ( ورداحة ومهاويل وبزاخه ومطربين وابواق اعلاميين ) ومرتزقين ومتقلبين ومتلونين … . وبما أن انظمة الفئة الهجينة ولاسيما النظام البعثي التكريتي الصدامي في العراق اعتاد على فرض كل شيء في البلاد بالقوة و ( البلطجة الأمنية) والارهاب الحكومي ، فقد ظهرت لنا أجيال وأجيال من العراقيين تقول عكس ما تضمر توخياً للسلامة ؛ وكما قال المثل الشعبي العراقي : (( ال تكرصه الحية يخاف من جرت الحبل )) .

لمن ننادي ونصرخ للأخوة الاعداء وغير الاشقاء ؟!

فهذا اخانا من نفس الام التي ارضعتنا معا حب الامام علي :

لا عذب الله أمي إنها شربت * حب الوصي وغذتنيه باللبن

عادنا وتعامل معنا بمنتهى البرود والانانية والعنصرية والنفعية ؛ وهذا طبعا ورثه من ابيه ومن شبه اباه فما ظلم ؛ وذاك اخانا من نفس الاب الا انه طالما رمانا في غياهب الجب وتبرئ منا ومكر بنا , وكما قال المثل العراقي الجنوبي في هذه الحالة : (( اخوتك من ابوك مثل كوم ال رافكوك )) فهم اخوة يوسف وهذه سماتهم ؛ فبين هذا وذاك هدر الدم المواطن العراقي واستحل سبيه ونهبه , وجاز المكر والخديعة والضحك عليه … ؛ ولهذا وذاك عملاء ومرتزقة يعيشون بيننا ؛ تركوا الشرف في المهجر , وباعوا الوطنية والوطن والقضية حتى أصبحت دمائنا أرخص من مياه الصرف الصحي؟!

لمن ننادي – للخبيث ابو ناجي – للإنكليز الذين هم سبب بلاءنا المعاصر المقيم ام للأمريكان المجرمين ام لعملائهم المختلفين الذين سرقونا وباعونا وهجرونا وافقرونا وقتلونا واهملونا وفعلوا كلما أرادوا بل وأكثر … .

نعم لقد نجحتم أيها الامريكان والبريطانيون ومعكم دول الجوار و الفاسدون في قطع لساننا وتمزيق شراييننا وتغييب وعينا وتحويل العراق إلى مزرعة لكم ولكلابكم وقططكم , كما حوله بنو امية الى بستان لقريش سابقا , ونصبتّم أنفسكم أسيادا وجعلتم فقراء وطني عبيدا لكم ، بعتم الوطن بثمن بخس، وها انتم تتبادلون الادوار فيما بينكم وكل يوم يخرج الينا منكوس منكم ويقف بكل وقاحة وصلافة ويتحدث عن الاصلاح ومحاربة الفساد ويرفع شعارات الوطنية ومكافحة التدخل الاجنبي … وتتحدثون عن الوطنية وتعقدون مجالسكم وكأنكم أهل الدار بعد أن خربتموها وسرقتموها وعثتم فيها فسادا بل ولقد ملأتموها بقاذوراتكم… .

لهذا أصبح النفاق ديدن البعض من العراقيين ، فغابت الوطنية الحقة، وأصبح الكذب والدوران والفبركة والتظاهر بالوطنية شعار المرحلة.

وقد ظل البعض من العراقيين ، وخاصة لاعقي أحذية النظام الصدامي السابق وعراقي المهجر والخارج ، ظلوا ملتزمين بممارسة النفاق رغم أن غالبية العراقيين الاصلاء داخل وخارج أرض الوطن حطموا جدار الصمت وانتقدوا اداء الحكومات والعصابات الارهابية معا ودفعوا ثمناً غالياً وبينوا الحقائق وكشفوا الاباطيل ؛ والتزموا موقف الحياد لأسباب كثيرة .

الناس في العراق باتوا أسرى هزائمهم في حروبهم اليومية ضد همومهم الحياتية، فالمواطن العراقي محدودب ظهر من أحمال ثقيلة ألقت بها حكومات الفئة الهجينة الهالكة وحكومات العهد الديمقراطي ودورات مجالس النواب المتعاقبة على ظهره بحجة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي كان لهم اليد الطولي في وجودها فلم تجد بدّآ لستر عجزها إلا بفرض مزيد من الضرائب ورفع الأسعار عليه ورفع سعر صرف الدولار ، أفقدوه القدرة على أن يذهب بأحلامه أبعد من السلع التموينية والمواد الضرورية والدواء والماء الشحيح رغم تلوثه، أو البحث عن فرصة عمل كريمة ؛ كما هو حاصل الان في حكومة الكاظمي العاجزة .

أننا لم نرَ في عراق اليوم إلا حكاماً على جثث الناس يرقصون، ونواباً لا يتغيرون، ووزراءَ لا يفقهون ، وغباء بالجملة ، وقطعاناً بلا وعي يسيرون ، في ظل نظام الفوضى الذي يقوم على تشويش وتغييب وعي الشعب في الداخل، وإبقائه على الجهل والتخلف والمرض حتى يستمر المخطط المنكوس ، وتكييف البرامج الاعلامية والثقافية والفكرية والدينية وبلورتها بما يتناسب مع أيدولوجية الخط المنكوس وقوى الاستعمار والاستكبار ، تشكيل الشعب بقالب معين، وتدجينه وفق أيدولوجية معينة، محاربة المنطق وتكفير المتنورين ومكافحة الوعي وتهميش المفكرين والمثقفين ، إشغال الشعب بعدو وهمي أو أسطوري، أو إيهامه بعدو ما وتحميسه ضد هذا العدو، استغلال الدين لتثبيت الحكم المنكوس المشوه المشلول ، إبقاء الشعب العراقي ولاسيما الاغلبية في حالة فقر وعوز دائمين حتى يكدح الشعب وينشغل بطلب العيش عن طلب الترؤس والحكم او العمل والتدخل في السياسة ، نشر الرذيلة والعهر في المجتمع، تفكيك المجتمع أسرياً وقبلياً وقوميا وطبقيا وطائفيا … .

عقود مضت وسنوات انصرمت والعراق بلا كهرباء وبلا مياه وبلا خدمات وبلا بنى تحتية وبلا دولة وطنية وبلا امن واستقرار … ولا زال المواطن العراقي هنا يرخص ويعلو كل شيء عداه …، الجميع يتفرجون والكل يضحكون … وضاع دمنا بين القبائل والشعوب والامم ؛ لأننا بلا اخوة اشقاء .

وطني الحبيب، لقد ذبحوك من الوريد إلى الوريد، لقد جففوا ينابيعك بحقدهم , وحرقوا حقولك بشرورهم , مصّوا دمك، وأكلوا لحمك وشحمك ولم يبقوا لك إلا الجلد والعظم ، باسم الله شوهوك ، باسم المذهب والعروبة قتلوك ، وباعوا ترابك وهواءك وماءك وكبرياءك , ونهبوا خيرك ومالك ونفطك , ومع ذلك يصفقون لك وينشدون عاش الوطن عاش العراق … !!

يقتلني كذبهم ويزلزلني دجلهم أولئك الذين جيوبهم مع ثروات الوطن وسيوفهم على ابناء الوطن، يغنوّن للوطن ويقبضون الثمن , يحرقون الوطن ويقبضون الثمن.

كيف لنا أن نعبر عن محنتنا، وأملنا في الغد المتمثل في شبابنا الممتلئين حياة وغيرة ونشاط وشجاعة وعطاءاً يموتون هم أيضا، بلا مقاتلة، ولا مناضلة، لأن البطالة والمحسوبية وإغلاق كل الأبواب في وجوههم امتص منهم الحق في الحياة قليلا قليلا، حتى تركهم جثثا حية هامدة ، وهم في ريعان الشباب، والقوة، والحيوية، بعد أن تعذر عليهم العمل والزواج والحب والابداع والاختراع , وحرموا حتى من حقهم في الحلم بهذه الحقوق البسيطة.

الوطن أن يحتاجنا لا أن نحتاجه، الوطن أن يبكينا لا أن نبكيه، وأن ينتمي إلينا لا أن ننتمي إليه، أن يشهدَ بنا لا أن نشهدَ به، أن يضمّنا بعد الموت لا أن نضمّه ميتاً بعد أن اغتالته أيادي الآثمين ممن يحملون أرقاما وطنية وجوازات سفر اجنبية .

فأين أنت يا عراق أين رجالك وأين أبطالك المخلصين، بل أين الرجال الذين كنا نعدهم من الرجال ؟

كلنا متحآلفون عليك يا وطني لأننا لم نلتزم حب الوطن وغرقنا في صمتنا، وتركناك في مستنقع الفساد كل هذه العقود، إذن كلنا فاسدون بكذبنا بنفاقنا بصمتنا بدجلنا… .

كلنا سماسرة نبحث عن مصالحنا، وأخر ما نفكر به، وأخر ما نتذكره هو أنت يا وطني المكسور مثل عشبة القمح أيام الخريف، كم من جراح أنت تحتمل وكم من آسى يبيت فيك، ويعزف أنشودة الأمل الضائع ويصيح فيك دون انقطاع، اختلطت كل الخيوط، فلا أحد أصبح يعرف على وجه التحديد تعريفا لهذا المآزق، أهو الكبت السياسي فقط أم الغضب المكتوم، أم العمالة والخيانة , أم الفساد والبطالة، أما صبر أيوب، أم افتراء المفتري، أم الفقر والعذاب، والمرض، أم هو الحرمان، أم القسوة، والظلم، أم هو التبلد أم هو كل هذه المتناقضات، في خليط مبتكر عجيب يجسد ما آلت إليه الشخصية العراقية ، من الكراهية المستترة، اليأس والأقدام، الرضوخ والتمرد، الضعف والقوة؟! ( 1)

………………………………………………………

1- وطني المغتصب.. أنينك يوجعني / بشرى كنوز / بتصرف ؛ قلتها مرارا وتكرارا ان الهدف من الكتابة وطني وشعبي ولا غير , فلا ارى ضيرا ان انقل ما تفوه به هذا الكاتب او ذاك او انسج على نفس منواله ؛ ان كان المعنى والمضمون ينطبق على اوضاع امتي وبلادي ؛ ولقد اجادت الكاتبة بما سطرته من احرف وكأنها في قلبي , ومن البيان ما سحر .