اندلع من جديد التوتر بين الحزبين الكرديين, اثر قيام الحزب الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني بتحريك قوات تابعة له في أحد مناطق قضاء رانية لمحافظة السليمانية وهي منطقة خاضعة لنفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني, الأمر الذي فسر على أنه خطوة سياسية قد تؤجج المزيد من الصراعات خلال الأيام القادمة,الصراع بينهما في ظاهره تحرك قوات هنا او هناك, الا ان الباطن ابعد من ذلك بكثير اذ يحمل في طياته صراعا عميقا بين اجندات داخلية ومصالح إقليمية ودولية.
كما وان الصراع بين الحزبين الرئيسيين في شمال العراق ليس وليد اللحظة بل يمتد الى عشرات السنيين, وتخلل هذا الصراع فترات مواجهة مسلحة بين الطرفين, وساهمت وساطات اقليمية ودولية لانهاء الصراع التي أدت في النهاية إلى إقامة إدارتين في شمال العراق عام ١٩٩٨ احدهما في السليمانية والاخرى في اربيل ودهوك وذلك حتى تم توحيدها في عام ٢٠٠٦ وشكلت أول حكومة موحدة لإقليم شمال العراق,غير أنه كانت هناك العديد من المؤشرات بأن هذا التوحيد لم يكن كاملا فقد ظلت الاجهزة الامنية للحزبين الكرديين غير موحدة, لا سيما وأن الاتفاق كان أشبه بصفقة بين الزعماء أكثر منه بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.
الواقع هذا الاتفاق سهل سطوة الحزبين الكرديين على مؤسسات حكومة الاقليم ونجح كل من زعيمي الحزبين في ترسيخ نفوذ عائلتهما داخل تلك المؤسسات خاصة الامنية والاقتصادية, ورغم الحديث عن وجود حكم( ديمقراطي) خاضع للانتخابات إلا أن المعطيات على أرض الواقع تشير إلى عكس ذلك, فبارزاني وطالباني رسخا حكمهما العائلي داخل مؤسسات الاقليم وتقول النائبه عن التغيير تافكة ميرزا ان( اقليم كردستان العراق يعاني من حكم العائلات وكان مؤسسات الإقليم صارت بأسماء أشخاص وأسر معينة).
كل ذلك لم يلغي العداء الخفي بين الحزبين, بسبب توجهات الاستبداد السلطوي لرئيس الإقليم مسعود البارزاني الذي سعى لتحويل اربيل كبلد ملكا له ويقيل الوزراء متى شاء ويغدر بالحزب الذي يدعي انه يرتبط معه باتفاق استراتيجي,كما تعامل مع كوادر وجماهير الاتحاد الوطني في اربيل كمواطنين من الدرجة الثانية, أمام هذه التصرفات فإن شهر العسل بين الحزبين الكرديين لم يعمر طويلا, ففي بداية عام ٢٠١٦ أعلن الاتحاد الوطني عن إنهاء اتفاق ٢٠٠٧ مع الحزب الديمقراطي, وفي أيار من نفس العام أعلن التوصل الى اتفاقية مع حركة التغيير تحت اسم( اتفاق الشراكة) لخوض انتخابات ٢٠١٧ في قائمة واحدة, وبالتالي برزت مجددا امكانية وضع نهاية لسيطرة الحزب الديمقراطي على السلطة في الإقليم.
مقابل ذلك ولتعزيز سلطته على الإقليم أقدم مسعود البرزاني على إجراء استفتاء الانفصال لتغطية فشله في ادارة الاقليم ومن ثم جعله مكسبا حزبيا له, وكذلك استثمار غياب ألد خصومه جلال الطالباني لمرضه ونوشيروان مصطفى لوفاته
وفي محاولة لسحب البساط من تحت أقدام مسعود البرزاني وتسلطه على الإقليم, اقدم الاتحاد الوطني بعد نشوب الازمة بين بغداد واربيل واتخاذها بعدا عسكريا,فأمر بافل جلال الطالباني سحب قوات( البيشمركة) التابعة الاتحاد الوطني من كركوك لتفسح المجال أمام القوات العراقية لاسترجاعها الى سلطة الحكومة المركزية, وهذا ما دفع أنصار الحزب الديمقراطي اتهامه ب(الخيانة) ومما زاد من عمق الازمة مصطلح( الخيانة) الذي استخدم بعد الاستفتاء بين قيادات الحزبين وعاد الصراع الى ما كان عليه في تسعينات القرن الماضي, لكن هذه المرة من دون سلاح , وعادت الحرب الاعلامية بين الطرفين وسط مخاوف في الشارع من امكانية تطور الخلاف إلى مواجهات واقتتال داخلي.
الاتهامات الكردية المتبادلة بالخيانة ارتفعت مع انطلاق معارك سيطرة الحكومة المركزية على كركوك ومنها الاتهام الموجه الاتحاد الوطني بخيانة الشعب الكردي ووقوفهم مع بغداد ضد البرزاني.
هذه التطورات جعل الحديث وقتها عن احتمال انقلاب شركاء العملية السياسية الكردية على الحزب الديمقراطي وعودة الاقليم الى ادارتين, حيث لازالت لحد الآن تتداول افكار داخل الغرف المغلقة للاحزاب الكردية, وربما وضع الاتحاد الوطني حساباته لتلك اللحظة, وكوادر الاتحاد ومؤيدوه ينتقدون ما يسمونه ديكتاتورية البرزانيين الذي اوصل الامر لهذا الحد .
الحقيقه هو ان الادارتين في الإقليم لم تتوحد رغم العلاقات الشكلية بين الحزبين, وإن عمل الحزبان تحت ادارة موحدة على الأرض لم يحصل ابدا,لطالما كانت هناك إدارة تابعة لبارزاني وأخرى لطالباني فمناطق نفوذ الحزب الديمقراطي لا يمكن ان تتدخل بها أي قوة عسكرية او ادارية تابعة الاتحاد الوطني وكانهما في دولتين متجاورتين, واي خلاف يتطور الى نزاع مسلح سيعيد بشكل ظاهر نظام الادارتين مثلما كان الحال في تسعينات القرن الماضي, خاصة وأن السلاح موجود والمال موجود كذلك والتعبئة الخارجية ايضا.
الأيام القادمة تحمل في طياتها جملة من التحديات التي تواجه الاقليم وتقول النائبة الكردية تافكة ميرزا ان الاقليم مهدد اكثر من اي وقت اخر بالعودة الى نظام الإدارتين ,المؤسسات التي تدار من قبل الأسر وافراد متمسكين بالحكم همهم السلطة والثروة لا يمكن ان تنتج اقليم مستقر بل صراعات محتدمة ونتمنى ان لا يعود الحال الى ما كان عليه في التسعينات.