وهو منشغل بتضميد جراحه التي خلفها الوباء المعاصر كورونا ومشتقاته المتحولة ،بدا العالم يعاني اعراض وباء جديد اسمه الاختناق الالكتروني ، حدث ذلك عصر نهار امس، الرابع من تشرين اول 2021 ،خمس ساعات من الصمت الألكتروني الشامل ،بأستثناء منصة التغريدات القصيرة تويتر ،وبعض المواقع التي لم تدخل يوما حلبة التنافس على الصدارة ، خمس ساعات كادت ان توقف نبض العالم ، جلطة عابرة وفقا للمفهوم الطبي .عطل عالمي يوقف فيسبوك وواتساب عن العمل ولاتوضيح من اي جهة على مدار الساعات الأزلية الخمس ،تبعتهما منصات اخرى هي توابع للسيد مارك زوكربيرغ ، وبعد ان تحدث البعض ان تويتر تلقى التطعيم ضد الوباء لوحظت اعراض الزكام على تويتر المعرض لنكسة مشابهة ربما، فالالكترون حلبف غادر يمضي مخلفا دهشة لاغير دون ان يترك اثرا لاتّباعه واستعادته.
وتعطل الكون الكترونيا لخمس ساعات ، اصيبت العواطف الالكترونية بشلل تام ، وتوقف العالم عن التنفس ،وحوصر التعليم بين الوباء وبين الشلل الالكتروني وتم حشره في منطقة ضيقة كما اريد له ، وبدا الانسان يكتشف العالم الذي كان غامضا منذ سنوات ، ليس عالم المجرات والحشرات ،العالم المحيط به داخل منزل الاسرة الواحدة، وبدأ يتعرف على اخيه وامه وابيه ومشتقاته والقلم والورقة والحديقة ،وبدأ يتعلم النطق وتحركت يديه وقدميه وبدأ يعود الى طبيعته تدريجيا، ثم ،ولأول مرة خرج الناس من غرفهم وبدأوا يتعارفون على شركائهم في المنازل ثم خرجوا جميعا الى الحدائق والشوارع ثم نظروا الى السماء فاكتشفوا ان هناك شيء جميل اسمه القمر. وان طال الامد – اعتقد الكثير – سيعود عصر الكتب والرواية والرومانسية والحب الخالص والقلم والورقة وساعي البريد ونشوة الرسائل ،وسيعود العالم الى برائته وطفولته الأولى.
هذه ليست حادثة انقلاب مركبه ،هذه هزة الكترونية بدرجة 9 على مقياس ريختر ، يتعلق الامر بجيوب امبراطوريات وشفرات اسلحة وانتخابات مصيرية لبلدان ربطت مصيرها بالالكترون ، هذه امبراطوريات مال ان لم يتراجع فيها الفاعل سيتذابحون ، ان لم يتفقوا سيتذابحون الكترونيا ،هذه امبراطوريات مالية تزاحم العروش، كل الخشية ان يستبدلوا ازرار الكيبورد بالزناد.وسيفعلون!
خمس ساعات من عمر العالم ،كانت فرصة ثمينة لمزاولة تمارين الذهن وتفحص سلامة الذائقة والحواس ،وفرصة لتذوق لذة التواصل الحقيقي بين الاخوة البشر كما كان يعيش الاسلاف ،وفرصة لرؤية الوجوه العزيزة داخل المنزل الواحد ، وفرصة لتناول الغذاء بيدين، وليس يد واحدة تاكل الطعام ويد منشغلة بازرار الهاتف، وفرصة لنفض الغبار عن الكتب المهملة ، وفرصة لقراءة الرسائل النائمة في صناديق البريد الالكترونية ،وفرصة لفهم فلسفة الوقت برحيقها العذب ،،المهم اننا عرفنا قيمة الوقت، وعرفنا الكمية المخيفة للزمن المهدور بشكل يومي ،وقد تحدث البعض عن تعرفهم لاول مرة على افراد العائلة بشكل مدهش ،وتحدث البعض عن الشعور بآلام في الاطراف كانت مخدرة طيلة اعوام .
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي بعد خروجها من غرفة الانعاش عن هكر صيني يبلغ من العمر 13 عام وتحدثت وكالات اخبار عالمية عن موظفة سابقة في المجموعة المشلولة اسمها المهندسة فرانسيس هوغن كانت اتهمت شبكة التواصل الاجتماعي باختيار “الربح المادي على سلامة” مستخدميها في مقابلة بثتها محطة “سي بي إس” قبل يوم واحد من حلول الكارثة.وتحدث اخرين عن دور لروسيا والصين في قرص اذن امريكا الكترونيا ،وتحدث الجميع باستثناء السيد الفتى مارك زوكربيرغ الذي يمسك العالم من اذنيه بأستثناء اعتذاراته لقافلة زبائنة المكونة من نصف سكان الكرة الارضية وحثهم على الصبر،ولازال العالم ينتظر تبريرا مقنعا للظاهرة الغريبة التي اذهلت العالم واوقفته على قدمبه.
اي مشروع أسسه الانسان قابل للعطل ،مهما كانت فخامة ها المشروع،ولكن الجديد في الامر ان العطلات تكاثرت في الآونه الاخيرة وماعلينا سوى ربط الاحزمه،كل شيء وارد، منذ سنوات والعالم تحول من شبه عاقل منطقي الى مايشبه طفل يدحرج عربه لاتعرف اين يذهب اومتى يتوقف او متى يغضب عندما تردعه. لابد ان يتمرن العالم على تلقي كوارث مشابة ليصلح نفسه قبل ان يصاب بالعطب ،بالاخص بعد ان تحول ثلثي سكانه الى الكترونات.هذه المحاولة المفاجأة لتعطيل العالم ، حتى وان انتهت ،انما هي تحذير ستراتيجي خطير ، ينذر العالم بأن مصيره يمكن ان يكون بضغطة زر في مركز ابحاث مجهول الاقامه ، هذه الهزة العنيفة ترشدنا الى معرفة ان لاشيء مكفول ،وان خصوصياتنا قابلة للتلف ،وان مصير ارشيف سكان العالم بيد مزاج كائن ما في مكان ما في لحظة ما.
