يعتبر العراق كدولة وحدة اقتصادية وبشرية واحدة ومتكاملة تمتد من زاخو إلى الفاو فالمواطن البصري يستطيع أن يتفهم ويتعايش مع المواطن في بغداد وفي ديالى والانبار والموصل واربيل بسهولة وكذلك الحال بالنسبة لهم جميعا مع بعضهم ولا يحتاجون إلى واسطة في هذا التفاهم ولا إلى قانون ينظم العلاقة بينهم فهم في فطرتهم يقترب بعضهم من البعض وغير معنيين في مدينة المولد أو النشأة وإن اختلفت لهجاتهم أو لغاتهم فهم نسيج جميل يشكل كتلة بشرية واحدة متفاعلة ومتجانسة ولا نقول هذا بمشاعر من الرومانسية والتمني بل هو واقع حال نعيشه ونتلمسه يوميا في تعاملاتنا مع بعضنا ويشعر به بشكل اكبر من اضطرته ظروفه إلى الاغتراب في المهجر فيكفي أن يعرف إن شخصا ما عراقي يقترب منه حتى تنفرج أساريره وتبتعد عنه هموم الدنيا والآم الغربة ومعاناتها بل ويفتح ذراعيه ليحتضنه فهو أخيه الشقيق ويبحثون في تاريخ بعضهم ليجدوا سببا اكبر للتقارب رغم اشتراكهم المسبق في الحنين إلى الوطن والدعوات إلى الله بإزالة دواعي غربتهم .
يحصل هذا على الصعيد الشعبي وأوسع من هذا إن المواطن العراقي دائما يفتح ذراعية بحنان إلى كل قادم إلى البلد لأي سبب كأن يكون للعمل أو السياحة أو زيارة العتبات المقدسة أو أي سبب آخر ولا داعي للخوض في تفاصيل الكرم العراقي وأمثلته التي لا تعد ولا تحصى فهو كريم بشهادة كل من يزوره حتى وان كان في عوز وفاقة بينما نجد في الجانب الآخر إذا قسمنا الشعب العراقي كما في كل بلدان العالم إلى طبقة محكومة وهي عامة الناس وطبقة سياسية حاكمة وهي التي تشكل الكتل السياسية التي تتحكم في صناعة القرار نجدها تعيش في حالة غليان وتناحر وصراع مستمر قد يكون لأسباب تافهة في الأغلب الأعم أو مهمة ومبدئية في بعض الأحيان ولكن على العموم الشعب غير معني بها فبين الكردي والتركماني والسني والشيعي والمسيحي والصابئي والايزيدي وكل القوميات والأديان علاقات تصاهر وتفاعل يومي ولا يسأل احد عن خلفية الآخر فهو غير معني بها بقدر عنايته بالشخصية المقابلة له وبطريقة التعامل معه وأسلوبه .
نقول إن الطبقة السياسية في مجالسهم الخاصة يتبادلون الود والاحترام والتعامل الدبلوماسي العالي وعلى خلاف ما بالعلن في اغلب الأحيان وتقاطع ليس على مصلحة عامة الناس وإنما على ما يمكن أن يحصل عليه كل فريق من فائدة شخصية أو حزبية وما يحصل عليه من نفوذ وأعدوا لذلك العدة وجهزوا لها الرجال والمال والسلاح مصداق ذلك ما يحصل في جلسات البرلمان التي تعقد لتدارس وتشريع وإقرار امتيازاتهم وتأجيلات وخلافات ومناكفات فيما يخص عامة الشعب من الذين انتخبوهم وأجلسوهم في مقاعد البرلمان لتمثيلهم وينعكس ذلك حتى على ما يخص مستقبل البلد واتفاقياته ورسم سياسته ولا تنحصر الحالة في جانب واحد دون الآخر فكيف تقر عيونهم ومدن ثلث العراق مدمرة وأهلها يسكنون الخيام في معسكرات اللجوء تنقصهم ابسط مقومات الحياة وكيف يستطيع أن ينعم بالرفاهية التي اقرها عضو البرلمان لنفسه وحالات التسمم جراء تلوث مياه الشرب في البصرة تجاوزت (120) المائة والعشرون ألف حالة وفي بلد يعد من أعنى بلدان العالم تعيش فيه نسبة عالية من العوائل تحت مقياس خط الفقر وآلاف الخريجين يبحثون عن فرصة عمل فالعراق الذي كان يستقطب الأيدي العاملة من شتى بقاع الأرض وبمختلف المستويات من العامل البسيط إلى الأستاذ الجامعي صار طاردا لعمالة أبنائه بل وحتى للخبرات العلمية ويطل علينا من يدعي إن موازنة الدولة العراقية تشغيلية لا تكفي لسد رواتب الموظفين وتمشية نفقات الحكومة ويريد من المواطن البسيط أن يقتنع بادعائه رغم إن الجميع يعلم إن اقتصاد البلد الذي صار يعتمد فقط على واردات النفط وسعر البرميل أصبح معافى تجاوز الخمسة والستين دولارا للبرميل الواحد فيما تجاوزت كمية النفط المصدرة الأربعة ملايين برميل في اليوم الواحد فهل هذا إستغباء للمواطن وضحك على ذقنه أم بماذا يمكن أن يفسر هذا؟
إذا استطعنا أن نربط بين الصراع الحاد للسياسيين والتنافس القوي على الاستحواذ على المناصب الحكومية وبين الإنفاق على المناصب العليا الخاصة نستطيع أن نتفهم أين تذهب أموال الشعب العراقي ولماذا لا ترفع من مستوى دخل الفرد من جانب ومن جانب آخر إذا استطعنا أن نفهم لماذا اعتمدت الحكومة على عائدات النفط وأهملت باقي وارداتها المالية حينها سنفهم أن هناك أيادي خفية تعمل على تدمير الاقتصاد العراقي والقضاء على المواطن وقتله أو في أحسن الأحوال دفعه إلى الهجرة خارج وطنه وإفراغ البلد من مواطنيه .
في ستينات القرن الماضي كنا أطفالا شرح لنا معلم التربية الوطنية معنى شعار الزراعة نفط دائم ولا زالت كلماته عالقة في الذهن فعرفنا إن النفط ثروة قابلة للنفاذ وان الزراعة ثروة متجددة تنمو ولا نهاية لها وها هي الأيام تثبت صحة كلام الرجل رحمه الله فزراعتنا التي كانت تغطي استهلاكنا ليس بعيدا بل في الأمس أثناء الحصار الأمريكي لشعبنا باتت لا تشبع حتى فلاحها ولا احد كفرد أو كجهة مسئولة يتحدث عن ذلك وكثير من المعامل التي كانت تغطي الحاجة المحلية الاستهلاكية قد تعطلت لأسباب وعوامل كثيرة وطرد عمالها أو نقلوا إلى دوائر أخرى ولم يناقش أسباب ذلك في البرلمان أو حتى الجهات المسئولة فيها ليعرف عامة الشعب أسباب ذلك.
خلاصة القول وما حاولنا توضيحه إن الخلافات فقط بين السياسيين ولا على تقديم الخدمات للشعب العراقي والنهوض به من واقع اليم وإنما من اجل التسابق على استغلال فرصة مصادرة الثروات الخيالية الهائلة بل وقد ساهموا إلى ابعد حد في تدمير الاقتصاد .