قبل البدء اود الاشارة الى ان ما سيتم ذكره هنا لا يستهدف الانتقاص من شخص او توجه وانما يهدف الى اعادة توجيه بوصلة افكار فئة من الناس الى حقائق قد تكون خافية عنهم عسى ان يحكموا عقولهم فيما يقولون ويفعلون قبل فوات الاوان.
في تاريخ التشيع حقبة من الظلام ساد خلالها مجموعة من العلماء الذين كانوا يقدسون النص بغض النظر عن صحته وتأويله وموافقته للقرآن والسنة الصحيحة والعقل وقد سمي هؤلاء في وقتهم بالاخباريون في مقابل الاصوليون من مدرسة الاجتهاد والنظر والتعقل والفلسفة والمنطق وبعد معارك طويلة واخذ ورد وسجالات نجح العقلانيون في فرض كلمتهم وانحسرت الاخبارية كمنهج في التفكير والتدريس والفهم لمنهج اهل البيت عليهم السلام ورغم ان الكثير من الكتب قد الفت وجمعت في تلك الفترة الا ان تداولها بقي قيد التمحيص والتحقيق والتدقيق ولم يكن الاصوليون كعلماء وكطلبة علم وحتى المقلدين من عامة الناس لم يكونوا يأخذون الحديث والرواية الا بعد التتبع والتحقق من صحتها واخضاعها الى المنهج الذي امرنا به اهل البيت عليهم السلام بقولهم (ما جاءكم من حديثنا فاعرضوه على كتاب الله فما وافق منه كتاب الله فخذوه والا فأضربوا به عرض الجدار) وقد ذكر الشيخ مرتضى مطهري (رحمه الله) ان تأثير الاخباريين على التشيع اسوا او مشابه لتأثير الوهابية على التسنن ومن هذا التصريح يمكن تقدير الضرر الذي لحق بمذهب من جراء تأثيرات هؤلاء على الواقع الشيعي ككل.
ماذا حصل بعدها؟
حين ادرك المتعقلون من علماء الدين ان هناك دس وتحريف وتزوير في نقل احاديث اهل البيت عليهم السلام وان هناك تناقض وتهافت في الكثير من المنقول والمثبت في كتب كثيرة اتجهوا الى التحقيق وتفعيل علم الرجال وعدم الاعتماد على كل ما ورد في الكتب الحديثية المعتبرة وقد واجهوا معارضة شديدة من قوم يدعون ان كل ما جاء عن اهل البيت صحيح حتى لو خالف القرآن الكريم والسنة الصحيحة والعقل بحجة ان لكل ما جاء عنهم تأويل لا نعرفه او لا تدركه عقولنا! في محاولة واضحة لتعطيل التحقيق والتدقيق والترشيح للتراث ويستمر السجال حتى اليوم ورغم خفوت صوت هؤلاء الاخباريون الا انه كل فترة يطلع علينا من يعتنق نفس مبادئ القدماء من الملتزمين بالخبر على حساب العقل والاجتهاد.
الضمان لانتصار مدرسة الاجتهاد
ان من ابرز ما يميز مدرسة اهل البيت عليهم السلام هو مفهوم الاجتهاد فيما لا نص فيه والتطور في الاحكام بما يوافق الواقع ومستجداته واستخدام العقل في تطبيق الاحكام وحسب الزمان والمكان وهذا المبدأ هو ما حفظ للتشيع قوته وقدرته على مواجهة الضغوط والتحديات طيلة تاريخه الحافل بالجهاد والمقاومة والنكبات والمطاردة وهو في نفس الوقت الامر الذي ادى الى حركية وتطور المذهب في قبال جمود وركود المذاهب الاخرى لسبب بسيط وهو ان ائمتنا عليهم السلام قالوا كل ما قالوا من منطلق تحديث الناس على قدر عقولهم وان احاديثهم كانت وما تزال تقبل التطبيق على كل زمان ومكان لأن كلامهم ببساطة دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ولأنهم يستمدون كلامهم من الرسول الاعظم الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ولأن الاجتهاد هو الوسيلة الوحيدة لتطبيق اقوال الماضين على واقع حياة اليوم ولذا فمهما حاول هؤلاء الاخباريون الجدد كما حاول اسلافهم تعطيل الاجتهاد واعمال العقل في فهم الدين والتمسك بالنص مجرداً بلا تحقيق ولا تمحيص ولا فهم عميق فلن ينجحوا في ذلك فضلاً عن وجود مدرسة كاملة بل اكاديمية علمية للحوزة الاصولية تعمل وتنتج وتبدع في فهم الدين ونقل فهمهم الى الناس ووجود العلاقة المتبادلة بين المرجع والمسلمين في وجوب تقليد العوام لمن يمتلك ملكة الاجتهاد والفهم الصحيح للدين. وفق الله الجميع لكل خير واعان الله تعالى القائمين على تبليغ رسالات ربهم لأن يقوموا بواجباتهم واعان الله عامة الناس على اداء دورهم والتمسك بعلمائهم ونبذ كل دعوة نشاز الى التقليل من قدر العلماء او تركهم وراء ظهرونا والعياذ بالله.